تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وبإشراف الدكتور أشرف العزازي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، انعقدت بالمجلس الأعلى للثقافة ضمن مبادرة "ميراثك تراثك"، التي تنظمها وزارة الثقافة على مدار شهر يوليو 2025.
أدار المائدة وشارك فيها المهندس زياد عبد التواب، خبير التحول الرقمي ومساعد أمين عام مجلس الوزراء للتحول الرقمي، وعضو المجلس الأعلى للثقافة، والذي أكد أن رقمنة التراث موضوع قديم يتجدد، نتناوله في تلك المائدة من منظور مختلف، مع الحرص على وضع توصيات، مشيرًا أن مصر من الدول المتقدمة في هذا الأمر، فنحن لدينا طبيعة مختلفة ومتميزة، فالتراث المصري يعلم العالم كله، ونحن في حاجة إلى حفظه بالفعل، كما أوضح أننا نستطيع استعادة التراث المصري من خلال الاستعانة بالتكنولوجيا، وهذا ما يتم حاليًّا بالفعل.
أشار الدكتور أحمد الشربيني، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة القاهرة، في مشاركته، إلى قيمة التراث وأهميته، وكيف أننا في مصر نمتلك كمًّا كبيرًا منه، معرفًا التراث بأنه: ما تركه السلف وسلم من عوادي الزمن، سواء كان ماديًّا أو لا مادي، وهو مهم جدًّا لترسيخ الهوية المصرية والحفاظ عليها في عصر تستهدف فيه الهويات، وفي ظل عمليات السطو المنظمة على تراث بعض الدول (ومنها مصر)، وأوضح أن جزءًا من التراث المصري محفوظ في المتاحف الإنجليزية، ما يدل على أن عمليات السطو قديمة، قبل حتى أن تبدأ طفرة الرقمنة، مؤكدًا أننا ما زلنا في حاجة إلى استيعاب ما نملك من تراث والبحث عن آليات جادة ومنظمة وعلمية في ظل التطور التكنولوجي، قائلًا: "وبصفتي أستاذ تاريخ أعرف أن مصر تمتلك ثاني أكبر أرشيف تراثي في الشرق الأوسط بعد تركيا، وهذا التراث يحتاج إلى حماية وصون، والرقمنة صارت مسألة حتمية بالنسبة لصون التراث، فليس أمامنا خيار آخر، فالرقمنة ستساعدنا على الوقوف على حجم هذا التراث، وتساعدنا في حمايته".
وقالت الدكتورة نهلة إمام، أستاذ المعتقدات والمعارف الشعبية المتفرغ بالمعهد العالي للفنون الشعبية، مستشار وزير الثقافة لشئون التراث الشعبي، في مشاركتها إن مصر لديها أقدم تجربة توثيق على الحجر... وأن الرقمنة مهمة، لكن النقل الشفاهي ما زال وسيلة مهمة وفعالة، موضحة أن النكتة المصرية لم تختفِ، وما اختفى هو فقط الوسيط، وصون التراث أشمل من الحماية، ومؤكدة أن كل شيء تغير في عصر الرقمنة، ومشيرة إلى أن التراث هو تلك الخلفية التي تراها حين تنظر إلى نفسك في المرآة، ففكرة رقمنة التراث أمر مهم، ولا يمكن إنكار التطور الذي يمكن أن يطرأ على التراث، لكنه أبدًا لن يضيع، منوهة أننا قد صار لدينا 10 عناصر موثقة في اتفاقية صون التراث العالمية.
وأوضحت كيف يمكن الاستعانة بالتكنولوجيا لجمع معلومات حول التراث، فالتكنولوجيا ليست الوحش الذي سيأكل التراث، بل بالعكس يمكننا توظيفها والاستفادة منها.
وقال الدكتور عاطف عبيد، استشاري تنظيم المعرفة والتحول الرقمي في مشاركته: الرقمنة من وجهة نظري هي ميكنة أعمال التراث والوسيط فيها، وأرى أنها ليست الحل الأمثل للحفظ، كما ينبغي الانتباه لفكرة أن ضياع التراث الإلكتروني هو الأزمة الحقيقية، وليس ضياع التراث القديم.
وأضاف: أرى أننا مقبلون على فخ جديد آخر، فنحن لا نستطيع توثيق حوادث حالية، وجزء من صون التراث ينبغي أن يكون توثيق الحالي، وإن كانت الرقمنة ليست الحل السحري، فقد تفضي إلى لا شيء إذا أسيء استخدامها.
كما شارك باللقاء الدكتور أحمد سعيد، مستشار الملكية الفكرية وممثلًا لمشروع تراث مصر الرقمي، موضحًا أن إنشاء منصة يكون دورها توثيق التراث الثقافي المصري مع تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، واستعادة الدور الرائد لمصر، مع إثراء المحتوى العربي الرقمي، في ظل قلة المواقع التي تستخدم اللغة العربية، مشيرًا إلى أن بوابة تراث مصر الرقمي قد اهتمت بإتاحة اللغة العربية، مع وجود مركز رسمي موثق للتراث، فكلنا نخشى السطو على التراث أو التعرض له بالتحريف، وهذه البوابة تهتم بنشر وإتاحة محتوى من مختلف الأماكن، وتعمل على رقمنة نحو 200 تيرا بايت من المحتوى (12 مليون صفحة مرقمنة) والرقمنة لا تقف عند تحويل الورق المطبوع إلى بي دي إف، مشيرًا إلى دور الذكاء الاصطناعي في هذا الأمر، من خلال عمل قراءة أو تعرف ضوئي للكلمات الموجودة في الصور الرقمية، والربط بين الكلمات من خلال الصور، مصرحًا بأن مصر على وشك الإطلاق التجريبي الأول لهذه المنصة، ومن المخطط أن يصدر لها أكثر من إصدار محدث خلال فترة وجيزة، لكن التحدي الذي يواجهنا يخص الملكية الفكرية، وتحقيق الموازنة بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع.
وقال الدكتور محمد خليف، استشاري الابتكار والتحول الرقمي، في مشاركته إننا بحاجة إلى الخروج من العقلية القديمة التي تسند كل شيء إلى وزارة الاتصالات، ففكرة مركزية حماية التراث ورقمنته ستكون فكرة فاشلة وضد الإتاحة، موضحًا أن مهمة الحكومة جمع المنظومة المتكاملة وجزء من مهمتها عملية الرقمنة ولكن ليس هذا هو الأساس، فهناك حلم لو أن لدينا شبابًا وأطفالًا يدرسون بنظم التعليم الجديدة أن يكون أحد مشروعاتهم الأكلات المصرية أو الأمثال الشعبية أو ما شابه.. فهل ستكون الرقمنة هكذا ديناميكية؟
وأكد أننا لو ظللنا في فكرة أن رقمنة التراث فكرة تخص الحكومة فإن هذا لن يحدث أبدًا لأننا بحاجة إلى امتلاك تكنولوجيا أخرى جديدة لترميم ما فسد في التراث، ولا بد من تغيير جذري للمنظومة، كما ينبغي إطلاق حرية التفكير في كل شيء.. وهدم التابوهات، موضحًا أن البنية التحتية بحاجة إلى إعادة استثمار فيها، وقد نحتاج لدمج القطاع الخاص بدرجة من الحوكمة بحيث لا يتأثر الاستثمار الحكومي، إضافةً إلى طرح شركات وأسهم في البورصة، فنحن بحاجة إلى فكر جديد.. قانونيًّا واستثماريًّا.
وجاءت مشاركة الدكتور محمد الحماحمي، كبير خبراء الأمن السيبراني- الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، حول الأمن السيبراني وكيف تستدعي الرقمنة وجود التأمين، مستهلًّا حديثه بتأكيد أن كثيرًا من الناس لديهم وهم المعرفة، ومؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي يقوم على فكرة توليد المحتوى، وأن الأمن السيبراني يقوم على حماية نظام بأكمله، وموضحًا أن الرقمنة ليست مجرد تحويل من وسيط لوسيط، بل معالجة وتحسين، وفي ظل الاستعانة بآليات الذكاء الاصطناعي يحدث تحسين أقوى في وقت أقل وبجودة أعلى.
كما تحدث عن عدد مخاطر الأمن السيبراني، ومن بينها أن الفضاء السيبراني قد يتعرض لسرقة المعلومات، فأثناء انتقال المعلومة من مكان لمكان يمكن لأكثر من جهة الاطلاع عليها، إضافةً إلى عدم الإتاحة (وقوع السيرفر)، وكذلك العبث والتزييف للمعلومات، منوهًا أن التكنولوجيا قطار سريع جدًّا لا يمكن إيقافه، والرقمنة بمفهومها الضيق تعتمد على تحويل البيانات إلى وسيط رقمي، وهذا الوسيط في حد ذاته يمثل خطورة، متسائلًا: هل تم النقل والتحويل بنسبة 100%؟ وما هي وسائل ذلك التحويل، وهل نجحت في النقل الأمثل؟ مؤكدًا أن البيانات تمر بمراحل كثيرة وتصبح متاحة لجهات كثيرة، وهذا من أهم وأعنف المخاطر.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.