أخبار عاجلة

في الذكرى 24 لرحيل الأديب المغربي محمد زفزاف .. السائر على درب الآلام

في الذكرى 24 لرحيل الأديب المغربي محمد زفزاف .. السائر على درب الآلام
في الذكرى 24 لرحيل الأديب المغربي محمد زفزاف .. السائر على درب الآلام

تحل اليوم الذكرى 24 لرحيل محمد زفزاف (1945 – 2001)، صمتٌ مُريبٌ يجتاحُ الزمان والمكان. خرَج زفزاف من الشوارع الخلفية لمدينة سوق الأربعاء، بالضبط من أقاصي أولاد بن اسبع سنة 1945، انطلق من الهامش عارياً من أي مجدٍ عائلي أو مزيةٍ جغرافية في مغربِ العائلات والحواضر الكُبرى، قَلَبَ زفزافُ المُعادلة فعرَفه العالَم. حامِلاً الروح المغربية البسيطة، صاعِداً من درب الآلام، استطاع محمد زفزاف أن يَفتح أُفُقاً لأدبِ الشُّطار والعوالِم السّفلية في المغرب خصوصا بعد وفاةِ والده “فضّول” وهو صبيٌّ في الخامسة وانتقال أسرته إلى حي “لابيطا” بالقنيطرة، حيث سيَعمل أستاذا للغة العربية.

بعد انتقاله إلى الدار البيضاء واستئناف عملِه بإعداديةِ “المجد” ثم تفرُّغه، اكترى زفزاف شُقَّةً تَقع في الطابق الأول من عمارةٍ بزنقة “ليستيريل” المُطِلّة على شارع إبراهيم الروداني سابِقاً، فما كان يخرُج إلا نادراً، يَظهر نَشازاً على عُنقه وحولَ كَتِفَيْهِ كوفيةٌ فلسطينية، كأنه زيتونةٌ بَرِّية وحيدة في الخلاء.

لم يدعه العالمُ وشأنَه كما شاء، صار يَحُجُّ إلى بيتِه وتسعى للتعرُّف عليه شخصيات عُليا من العالم: رجالُ سياسة، إعلاميون، أدباء، موظفون كبار… بينما كان هو يجد روحَه أكثرَ مع صغار الحي، تَراهُم من حوله في الزّقاق وفي بيتِه، يرعاهُم بالتوجيه والحلوى والعطف، كما لو أنه مسكينٌ من أهل الله رضِيَ من هذا العالم بمُساكَنةِ السلاحف.

قضى زفزاف حياتَه هناك، وكُلَّما اتجه إلى الشمال، أصيلة، شفشاون، وخصوصا طنجة صيفا، كان يتوقف بمسقط الرأس سوق الأربعاء يَقصد “مطعم بار أجيب كاز” أو “الفُندق الكبير” أو “نُزُل الغرب”، يَتأمّل الفضاءات والملامح ويَرى نفسَه في “أطفال بلد الخير”، الشُّطّار الصِّغار بحثاً عن رزق عبر الطريق الوطنية النشيطة خلال تكل الفترة.

عاش محمد زفزاف رَهْبَنةَ الحرف زاهِداً في حقوقه والأضواء، فحاصرَتْه الدعواتُ والاتصالات وسَعَتْ إليه الألقابُ من كل الجهات، فقد أطلق عليه صديقُه في الكتابة محمد شكري اللقبَ الذي اشتهر به: “الكاتبُ الكبير”، ثم مَنَحُوه لَقَبَ “دوستويفسكي الأدب المغربي” نظرا للتشابُه بين الاثنين في الشكل وقَلق الكتابة. بينما رأى فيه آخرون “شاعر الرواية المغربية”، كانت نُصُوصُه لُغةً شاعرية، هي في آن بسيطة عميقة، سافِرة مُكَثَّفة.

نابِعاً من قوة الذات، أصبحت إنتاجاتُ زفزاف مَحَطَّ اهتمامٍ خاص من الباحثين والمُختصِّين الأجانب، وخصوصاً من خلال روايته الشهيرة “المرأة والوردة”، التي تُرجمتْ إلى لغات أجنبية عدة، واعتُمِدتْ في البرامج الدراسية كجامعات: إشبيلية، بروكسيل، بوردو، وجامعة لندن في هولندا، وبوسطن في أمريكا… كما اختيرتْ بعضُ قصصه ضمن المختارات القصصية العالمية.

عند مرضِه لم يتأخر القصر الملكي في رعايةِ محمد زفزاف والتكفُّل برحلةِ استشفائه ضدَّ سرطان الفَكِّ داخل وخارج المغرب، حيث قضى فترةً بمُستشفى “السالبيتريير” في الدائرة 13 بباريس، وقدت تحولت غرفة علاجه هناك كقِبْلَةً للزُّوار من شخصيات أدبية وسياسية وإعلامية من جنسياتٍ متعددة. ما فَتِئَ الكاتبُ يُردّد “إننا جميعا ذاهبون إلى الله، فلنفعل الخير”.

وهو في مصحة “المنبع” بمدينة الدار البيضاء، بمُحاذاة كنيسة “السيدة لورد”، خَبَا وهجُ العينين، عند ساعاتِ الفجر الأولى من الجمعة 13 يوليوز 2001، قال زفزاف للعالم وداعاً. أرسلَ القصرُ الملكي عبر المُستشار منير الماجدي من يقوم بمراسيم الجنازة والعشاء الأخير، في حين استقبل بيت أخت زوجة الراحل المُعزِّين في مدينة البيضاء، أما السُّلطات المحلية والمجلس البلدي وبعضُ الفاعلين الثقافيين بالقنيطرة فقد أقاموا ليلةَ عزاء وعشاء بقاعة البلدية، أما سوق الأربعاء فقد كانت وما تزال تَغُطُّ في الحسابات والحساسيات المُعرْقِلة بين الفاعلين سياسيين ومدنيين على حدٍّ سواء.

أما في المغرب، فقد بُرْمِجَتْ روايةُ “محاولة عيش” ضمن المُقرَّر الدراسي بالسلك الإعدادي، وسُرعان ما سُحِبَتْ تحت ضغطِ التيّار السلفي. بينما استمرّت مبادرةُ مهرجان أصيلة الثقافي في تكريسِ جائزةٍ عربية للرواية باسم محمد زفزاف تُمنح كُلَّ ثلاث سنوات.

كما حصلت الترجمةُ الفرنسيةُ لروايَتِه “بيضة الديك” على جائزة الأطلس للكتاب عام 1998 التي تمنحُها سفارةُ فرنسا في المغرب، كما تلقى رسالةَ شكر وتهنئة من ملك إسبانيا خوان كارلوس بمناسبة ترجمة هذه الرواية إلى الإسبانية، بينما تم تقديرُه بإطلاق اسمِه على مؤسساتٍ تعليمية بمجموعةٍ من المُدن المغربية، إلا في مسقط رأسه سوق الأربعاء، بحيث لا خبر من هناك ولا أثر! سوى مبادرة مدنية تكريمية للراحل بحضوره وحضور وزير التربية الوطنية آنذاك عبد الله ساعف، نظمتها جمعية قُدماء ثانوية سيدي عيسى سنة 1999، وتأسيسِ جمعيةٍ ثقافية منذ سنة 2007 تحمل اسمَه تسعى للحفاظ على شُعلة العمل الثقافي والعناية بالإبداع المحلي، وقد دأبت على إحياءِ ذكراه السنوية عبر أنشِطَةٍ ثقافية تُكابِد للحفاظ على العمل الثقافي الجاد وسطَ بوارٍ ثقافي، قبل أن تتوقف هذه المبادرة أملاً في استئنافها قريباً.

وما زلتُ أذكُر الحرجَ الكبير يومَ جاءت قناةُ “العربي” ومَقرُّها في لندن للتنسيق مع الجمعية من أجل تصوير حلقةٍ عن الراحل سنةَ 2017، فلم تَجِدْ عنه أثراً واحداً في مسقطِ رأسهِ. وقد سبق لي أن التمستُ من السيد محمد الأعرج، وزير الثقافة، إطلاقَ اسم محمد زفزاف على المُركّب الثقافي المُزمَع تشييدُه ضمن المخطط الاستراتيجي للتنمية المُندمجة والمُستدامة، وهو الاقتراحُ الذي جَدَّدْتُه في مناسبَتَين مع السيد محمد مهدي بنسعيد، الوزير الحالي للشباب والثقافة والتواصل. كما التمستُ هذا الطلبَ من السيد عامل إقليم القنيطرة السابق، ثم جددتُ الطلبَ بصفتي السابقة عُضواً متطوِّعاً في “هيأة المُساواة وتكافُؤ الفُرَص ومُقاربة النوع الاجتماعي” كهيأة مدنية استشارية لدى المجلس الجماعي السابق والحالي بمدينة سوق الأربعاء، بلا جدوى.

أما في البيضاء فَتَمَّ إطلاقُ اسمِ محمد زفزاف على مُركَّبٍ ثقافي كبير بحيِّ المعاريف حيث كان يُقِيم، وعلى شارعٍ كبير بالدار البيضاء وعلى إحدى محطات الترامواي. لم يُفَوٍّتْ بعضُ أصدقاءِ الراحل الفُرصة، فمنهم من أصدر كُتُباً فردية حول زفزاف، على غرار عبد الرحيم التوراني ونور الدين صدوق، وهناك من اختار الاحتفاء الجماعي بالراحل على غرار الكتاب الجماعي الذي نَسَّقه وأشرف عليه بدعم من المكتبة الوطنية أحمد المديني سنة 2018، إضافة إلى العمل الذي أنجَزَتْه منشورات رابطة أدباء المغرب سنة 2003، والعملُ الأخير بإشراف محمد الداهي، جميلة الحمداوي وسعيد الزياني. بينما يبقى العملُ الأكبر هو ما قدَّمَتْه وزارة الثقافة في عهد صديق الكاتب الوزير محمد الأشعري من خلال نشْر وجمْع أعمال محمد زفزاف الكاملة. أما التقاعُس عن إخراج مؤسسة محمد زفزاف للوجود، فإنها أمانةٌ ومسؤولية جماعية لن يَغفرَها تاريخُ الأدب المغربي.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق متصفح جوجل كروم Chrome يتلقى مجموعة ميزات قد تكون الأفضل في تاريخه!
التالى الاتحاد يطلب ضم موهبة الأهلي ضمن صفقة مروان عطية