لم تكن المسيرة السلمية الحاشدة التي نظمتها ساكنة آيت بوكماز بإقليم أزيلال مجرد خطوة احتجاجية عابرة؛ بل كانت صرخة مدوية تجاوزت صداها قمم الأطلس الكبير لتصل إلى مختلف القرى والمناطق الجبلية في المغرب، وخاصة في الجنوب الشرقي.
هذه المسيرة الاحتجاجية السلمية، التي شارك فيها جميع الفئات العمرية، أعادت إحياء الأمل لدى آلاف الأسر القروية بضرورة إعادة النظر في القوانين التي تثقل كاهلهم، وتحديدا إلزامية رخص وتصاميم البناء في مناطق تفتقر إلى أبسط مقومات العيش الكريم.
وكشف مصدر جد مطلع أن تطبيق قوانين التعمير الخاصة بالمجال الحضري على قرى جبلية نائية يعتبر النقطة التي أفاضت الكأس لدى سكان آيت بوكماز، مشيرا إلى أنه بينما تطالب وزارة الداخلية الساكنة بضرورة الحصول على رخص بناء وتصاميم هندسية مكلفة ومعقدة تغيب عن هذه الدواوير البنية التحتية الأساسية.
المطلب الرئيسي لساكنة آيت بوكماز، والذي تبنته الآن أصوات عديدة في الجنوب الشرقي للمغرب وخاصة إقليم تنغير، هو مطلب بسيط ومنطقي، “كيف تفرضون علينا تصاميم المهندسين المعماريين ونحن لا نملك شبكة للصرف الصحي؟”، قال عبد الله آيت بها، من ساكنة قرى أمسمرير، مؤكدا أن فرض هذه الرخص في ظل غياب الطرق المعبدة والماء الصالح للشرب بشكل كاف وشبكات التطهير السائل هو إجراء تعجيزي يهدف إلى تعقيد حياة الساكنة بدلا من تنظيمها.
شرارة آيت بوكماز
شكلت الروح السلمية والتنظيم المحكم لمسيرة آيت بوكماز مصدر إلهام كبير، خاصة بالنسبة لسكان المناطق الجبلية الذين عانوا طويلا من التهميش وصعوبة التضاريس والذين جدوا في هذه الخطوة الجريئة نموذجا للضغط السلمي على السلطات المركزية، وعلى رأسها وزارة الداخلية، للاستجابة لمطالبهم العادلة.
وسجل عدد من النشطاء الجمعويين بقرى الجنوب الشرقي للمغرب أن المطلب ليس رفضا للتنظيم أو دعوة للبناء العشوائي، بل هو دعوة إلى “الأولويات التنموية”، مشيرين إلى أن الرسالة الموجهة إلى الداخلية واضحة، وهي أوقفوا إلزامية رخص البناء والتصاميم المكلفة في القرى النائية، حتى يتم تزويد هذه المناطق بالبنية التحتية اللازمة، عندها فقط، يصبح الحديث عن تصاميم التعمير منطقيا ومقبولا.
أصوات من الجبال
عدد من سكان القرى الجبلية بإقليم تنغير تفاعل بحماس مع حراك آيت بوكماز، مشيرا إلى أن “مسيرة آيت بوكماز أعادت إليهم الأمل”، وأضاف المعنيون:”نعاني من نفس المشكل، يطلب منا آلاف الدراهم للمهندس والمكتب التقني لبناء غرفة بسيطة، بينما لا نزال نستخدم الحفر الصحية “المطامير” ونعاني لجلب الماء، هذا ظلم، ويجب على الدولة أن توفر لنا الصرف الصحي والطرق أولا، وبعدها فلتفرض ما شاءت من قوانين”.
يدير، من ساكنة أوزيغيمت بإقليم تنغير، قال بنبرة حازمة: “نحن لسنا ضد القانون، نحن ضد الحيف “الظلم”.
وأضاف أن المسيرة السلمية التي نظمها سكان آيت بوكماز “كانت لإيصال صوتهم بأنهم يريدون العيش بكرامة، لا يمكن أن تطلب منا بناء منازل بمعايير المدينة ونحن نعيش ظروف القرون الماضية، ونطالب بإلغاء هذه الرخص حتى تصبح قريتنا مجهزة”.
القوانين والتنمية
يجد المسؤولون المحليون أنفسهم في موقف حرج. وفي تصريح لأحد المسؤولين الترابيين في جهة درعة تافيلالت، فضّل عدم ذكر اسمه، قال: “نحن نتفهم تماما مطالب الساكنة، وهي مطالب مشروعة”.
وأضاف المسؤول عينه: “واقع البنية التحتية في العديد من الدواوير الجبلية لا يسمح بتطبيق قوانين التعمير بحذافيرها؛ لكننا كسلطات محلية ملزمون بتطبيق القانون الصادر عن المركز، وزارة الداخلية”.
وأوضح أن “المشكلة تكمن في الفجوة بين النصوص القانونية والواقع على الأرض، نحن نرفع تقاريرنا باستمرار حول الحاجة الماسة إلى البنية التحتية”، مشيرا إلى أن “مسيرات مثل آيت بوكماز تسرع من وتيرة الوعي لدى المسؤولين في الرباط بضرورة إيجاد حلول مرنة ومناسبة لخصوصية العالم القروي والجبال، وربما تسريع برامج التأهيل”.
وأكد المتحدث ذاته أن مسيرة آيت بوكماز السلمية نجحت في تحويل مطلب محلي إلى قضية وطنية تهم “المغرب العميق”.
وأبرز: “اليوم، تتجه أنظار سكان الجبال والجنوب الشرقي نحو وزارة الداخلية، منتظرين استجابة تعكس فهما حقيقيا لواقعهم”، مؤكدا أن الاستمرار في فرض رخص بناء بشروط تعجيزية دون توفير البنية التحتية الأساسية لن يؤدي إلا إلى تفاقم أزمة السكن في القرى وتغذية الشعور بالإقصاء.
واختتم المسؤول الترابي حديثه بالقول: المعادلة التي تطرحها الساكنة اليوم بسيطة: التجهيز أولا، ثم التعمير”.