من أحشاء الأطلس المتوسط، تخاطبنا مدينة إفران بهدوئها البارد ونسقها العمراني اللاّفت. حاضرة مغربية تختلف عن بقيّة المدن، بطرقاتها النظيفة، وأسقف بيوتها المائلة، وهوائها الجبلي. لا تصخب، ولا تتزاحم، بل تقترح علينا إيقاعًا مختلفًا للحياة. في الشتاء، تتغطى بثوب الثلج الأبيض، وفي الصيف، تنفتح على كثافةِ خضرة تؤكّد أن المدينة ليست محطة عبور، وإنما فضاء للاستكشاف.
تُعرف إفران بلقب “سويسرا الصغيرة” بفضل طابعها الأوروبي وهوائها النقي، وجمال طبيعتها. مدينة فريدة تتناغم فيها الطبيعة مع الهدوء، وتُقدّم لزوارها تجربة سياحيّة متكاملة وممتعة، ضمنها ما يتطلّب الجهد البدني وما يعدّ فرصةً للاختلاء والابتعاد عن ضجيج المدن العصريّة وانبعاثاتها الكثيرة. هذه المدينة وضواحيها ترافق الزائر لتلبية… كلّ ما يبحث عنه.
مدينة.. في خاطرك؟
تحيط بإفران غابات الأرز والصنوبر، وتكسوها الثلوج خلال فصل الشتاء، مما يجعلها من أبرز وجهات التزلج في المغرب، خصوصا في ميشليفن، في حين تتحول في الربيع والصيف إلى مساحة خضراء شاسعة تزدهر فيها الأزهار وتجري الجداول بين المنحدرات. مناخ المدينة الجبلي يجعلها مميزة طوال السنة، فشتاؤها بارد يناسب عشاق الأجواء الشتوية والأنشطة المرتبطة بها، وصيفها معتدل يشكل ملاذًا للهاربين من حرارة المدن الكبرى وغيرها.
الزائر لإفران سيجد خيارات إقامة متنوعة تناسب جميع الأذواق، من فنادق مصنفة، إلى دور ضيافة تقليدية توفر دفء الاستقبال المغربي وخصوصية الاستجمام الجبلي، بالإضافة إلى شقق الكراء اليومي. وتوفر مطاعم المدينة أطباقًا محلية شهية تجمع بين نكهات الأطلس وروح الطبخ الوطني، مثل الطاجين وغيره من الأطباق، وفق خصوصية المنطقة الجبلية وما يطبعها من حيث التصرّف في البهارات.
عند زيارة الحاضرة الجبلية، يمكن الانطلاق في جولات بين الغابات أو حول البحيرات الطبيعية القريبة مثل عين فيتال، أو زيارة تمثال الأسد الحجري الشهير، الذي أصبح أحد رموز المدينة ومكانًا مفضلًا لالتقاط الصور لدى كثيرين. كما يمكن التوجه نحو منتجع ميشليفن لممارسة التزلج أو التنزه على الجليد في فصل الشتاء.
وتُعد مدينة إفران الساحرة قاعدة ممتازة لرحلات قصيرة نحو مناطق قريبة مثل مدينة فاس التاريخية، أو مدينة أزرو، حيث يمكن مشاهدة القردة تتسلق الأشجار، وتتحرك بأريحية في محيطها الطبيعي، ويلتقط معها المارة الصور ويناولُونها أطعمة مختلفة. في معظم الصباحات تمتلئ المنطقة بعربات النقل السياحي؛ إذ بات ضروريا القيام بوقفة تتيح للسائح، لا سيما الأجنبي، التعرف على هذه الخصوصية.
يعدّ المنتزه الوطني لإفران أيضا من أبرز المواقع الطبيعية في المنطقة. يضم تنوعًا واسعًا من النباتات والحيوانات البرية، ما يجعله مناسبًا للعائلات، الأطفال، ومحبي الحياة البرية. ويُصنّف ضمن أكبر الحدائق الوطنية في البلد من حيث التنوع البيولوجي. وقد غيّرت موجة التساقطات المطرية الغزيرة والتساقطات الثلجية في مارس الماضي المشهد وأعادت الحياة إلى هذا المنتزه.
مؤهلات طبيعية بامتياز
“سويسرا المغرب” هي، بالأساس، منطقة غنية بالموارد الطبيعية، وتوفر للزائر مجموعة من الأنشطة التي يمكن القيام بها في بيئتها المتنوعة. يمكن ممارسة أنشطة سياحية ذات طبيعة مستدامة، منها اكتشاف المقدرات النباتية والحيوانية بالمنطقة، خصوصا وأن هذه المدينة التي تنعت بعاصمة السياحة الخضراء بالمغرب تقترب من احتضان الدورة الأولى من معرض سياحة الفروسية والسياحة البيئية.
يمكن للزائر أن يقضي بعضا من وقته، أثناء حلوله بالمنطقة، على ضفاف البحيرات الشهيرة بالأرجاء، خصوصا ضاية عوا، الواقعة في أطراف المدينة، فضلا عن إمكانية اكتشاف المواقع الأخرى مثل شلالات عين اللوح أو الاتجاه إلى زيارة “شجرة كورو” التاريخية بالمنطقة. كما أن الموقع المرتفع للحاضرة يوفّر مناظر غروب مميزة من فوق الهضاب الصخرية.
سبق للمجلس الإقليمي للسياحة بإفران أن أشار إلى أن الغابات في المنطقة تغطي حوالي 116 ألف هكتار، منها 48 ألف هكتار مخصصة لغابات الأرز، المصنفة ضمن التراث الطبيعي الوطني، وأبرز أن التنوع البيولوجي والموارد المائية المتوفرة، إلى جانب البنية التحتية، تجعل من المدينة نقطة انطلاق نحو المنتزهات الوطنية وموقعًا مناسبًا لاستقبال الزوار والمهتمين بالمغامرات السياحية.
وحسب معيطيات رسمية سابقة، فإن المنطقة ذات غنى قادر على الاستجابة للحاجيات السياحية المختلفة، بحيث تضم أكثر من 60 موقعًا طبيعيًا وجغرافيًا يتيح مجموعة واسعة من الأنشطة السياحية، من بينها التزلج، التسلق، الصيد البري والنهري، رياضة الغولف، ومراقبة الطيور. وهذا التنوع يعزز من جاذبية المنطقة كوجهة للأنشطة الخارجية والسياحة الطبيعية.
ومن الأشياء التي يمكن للسائح الذي يحطّ في المدينة أن يقوم بها، جولة على متن القطار السياحي الذي يمرّ عبر شوارع مؤهلة ونظيفة. وأثناء الجولة، يحظى السائح، سواء المغربي أو غيره، بفرص للتعرف على وسط المدينة والحرف المحلية وبراعة صناعة السجاد، ونسج السلال من الراتان، وصناعة الفخار وغيرها من الأشياء التي يمكن اقتناؤها كهدايا تذكارية من الأطلس.
وفي النهاية.. لماذا يجب أن تزور إفران؟
لأن المدينة وإقليمها ليسا مكانًا لقضاء عطلة فحسب، بل لعيش تجربة مغايرة في العرض السياحي الوطني. مدينة مغربية بمعايير أوروبية تمنح الزائر متعة الاسترخاء والاكتشاف معا… ولهذا، إذا كنت تبحث عن مكان يعيد إليك صفاء الذهن ومتعة السفر، فإفران تقترح نفسها بكل ثقة كإحدى أجمل مدن المغرب وأكثرها قدحًا لشرارة الرّغبة في الاقتصار على الداخل كوجهة قوية.