أخبار عاجلة

موجات حرارة قياسية تعمق أزمة المناخ في المغرب والمنطقة المتوسطية

موجات حرارة قياسية تعمق أزمة المناخ في المغرب والمنطقة المتوسطية
موجات حرارة قياسية تعمق أزمة المناخ في المغرب والمنطقة المتوسطية

يشهد المغرب والمنطقة المتوسطية عامة تحولات مناخية عميقة باتت تؤكد أن التغيرات المناخية لم تعد مجرد ظواهر موسمية أو استثنائية، بل أصبحت مسارًا بنيويًا يهدد التوازن الإيكولوجي ويدفع نحو ضرورة إعادة النظر في السياسات البيئية والمائية بشكل جذري.

وشهد المغرب خلال السنوات الأخيرة تواترًا غير مسبوق لموجات الحرارة، التي أصبحت تشكل نمطًا متكررًا في فصول الصيف، بدل أن تظل حالات استثنائية؛ فقد سُجّلت بداية الصيف الحالي درجات حرارة قياسية في عدد من الأقاليم.

وفي هذا السياق أكد المصطفى العيسات، خبير في المجال البيئي والتنمية المستدامة والمناخ، أن “المناخ في المنطقة المتوسطية أصبح اليوم يمر بمرحلة تحول بنيوي مرتبط باستمرار الاحترار العالمي”، موضحًا أن “حرارة الأرض بلغت حاليًا 1.5 درجة مئوية فوق المعدل، وهي العتبة التي طالما حذر منها العلماء”.

ويُعزى هذا الارتفاع، بحسب توضيح العيسات، إلى “فشل المجتمع الدولي، ولاسيما القوى الكبرى، في الالتزام باتفاق باريس للمناخ، إلى جانب الاستمرار في الاعتماد على الوقود الأحفوري، والتقاعس عن تقليص الانبعاثات الحرارية”.

واعتبر الخبير ذاته أن “انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية، خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب السابقة، من الاتفاقية المناخية العالمية، شكل مؤشرًا سلبيًا عمّق من مسار الاحتباس الحراري، وترك آثارًا مباشرة على استقرار المنظومة المناخية”، ولفت إلى أن “تداعيات هذا الوضع بدأت تظهر بوضوح من خلال ارتفاع درجات الحرارة في عدد من المناطق، خصوصًا في المغرب، حيث تم تسجيل 48 درجة مئوية هذا الصيف في إقليم ابن جرير، ما أدى إلى تبخر كميات هائلة من المياه السطحية، وفاقم أزمة الندرة المائية”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الظواهر المناخية القاسية لم تعد حكرًا على منطقة بعينها، بل أصبحت مشهدًا متكررًا في العالم، إذ سجلت حرائق مهولة في دول مثل فرنسا وتركيا واليونان، إلى جانب المغرب والجزائر، ما قلص من المساحات الغابوية التي تعدّ صمام الأمان الطبيعي لامتصاص ثاني أكسيد الكربون، ما يسرّع من وتيرة الاختلال الإيكولوجي”.

وفي ظل هذا الوضع المقلق شدد العيسات على أن “الحديث عن عودة الدورة المناخية إلى حالتها الطبيعية بات غير واقعي، لأن العالم أصبح يعيش انقلابات مناخية مستمرة، تتطلب التكيف لا المواجهة، عبر سياسات وطنية وإقليمية مندمجة، وإعادة تفعيل اتفاقيات المناخ، خاصة ضمن الشراكات الأوروبية مع دول الجنوب، وعلى رأسها المغرب، الذي بدأ بالفعل مسار التحول نحو الاقتصاد الأخضر والدائري”.

من جانبه أشار جمال أقشباب، خبير مناخي ورئيس جمعية أصدقاء البيئة بإقليم زاكورة، إلى أن “المغرب يشهد هذا الصيف موجة حر غير مسبوقة، امتدت حتى إلى المناطق الشمالية التي كانت معروفة بمناخها المعتدل”، واعتبر أن “هذا الارتفاع الحاد في درجات الحرارة خلال السنوات الأخيرة لم يعد ظاهرة طارئة، بل أصبح معطى هيكليًا يعكس عمق الأزمة المناخية”.

وأبرز أقشباب، ضمن تصريح لهسبريس، أن “الظاهرة تُعزى إلى عدة أسباب مناخية وبيئية متداخلة، في مقدمتها الاحتباس الحراري الناتج عن تزايد الانبعاثات الصناعية، بالإضافة إلى ظاهرة القبة الحرارية، التي تؤدي إلى احتباس الهواء الساخن بالقرب من سطح الأرض”؛ كما أشار إلى “رياح ‘الشركي’ الصحراوية الجافة القادمة من الشرق والجنوب، التي تنقل الكتل الهوائية الساخنة نحو وسط وشمال المغرب، ما يزيد من تفاقم الوضع”.

وفي ما يخص الجوانب البيئية أوضح المتحدث ذاته أن “تدهور الغطاء النباتي وتراجع الغابات نتيجة الجفاف يُضعف قدرة الأرض على التبريد الذاتي، ويجعلها أكثر عرضة للاحتباس الحراري”، وزاد: هذه العوامل تُفسر بشكل مباشر تسارع موجات الحر المتكررة التي يعاني منها المغرب”.

ومن بين أبرز تداعيات هذه الموجات الحرارية يشير الخبير المناخي ذاته إلى “الضغط المتزايد على الموارد المائية، خاصة في فصل الصيف، حيث ترتفع معدلات التبخر وتتناقص قدرة السدود والأنهار على تلبية الطلب”، متابعا: “كما أن ارتفاع درجات الحرارة يسهم في اندلاع الحرائق، ولاسيما في الواحات والمناطق الغابوية، بفعل توفّر ظروف مثالية، من حرارة مرتفعة ورياح جافة وقلة الرطوبة”.

وفي معرض طرحه للحلول دعا أقشباب إلى “تبني إستراتيجية وطنية للتكيّف المناخي، تقوم على تعزيز الزراعات الذكية والمقتصدة للماء، بدل الزراعات المستنزفة، إلى جانب بناء سدود تلية وصهاريج لتخزين مياه الأمطار”، كما شدد على “ضرورة توسيع مشاريع تحلية مياه البحر لمواجهة تراجع الموارد التقليدية، مع التركيز على معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها، خصوصًا في سقي الفضاءات الخضراء”.

وأكد الخبير البيئي أن “التحدي الأساسي لا يكمن فقط في تفسير الظاهرة، بل في كيفية التكيّف معها بطرق مستدامة ومندمجة، تشمل التربية البيئية، والتحسيس المجتمعي، وتفعيل القوانين المناخية، لضمان استمرارية الحياة في ظل مناخ قاسٍ لم يعد يسمح بالتراخي أو الانتظار”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق نمو الاقتصاد المغربي بـ4.6 في المائة
التالى الاتحاد يطلب ضم موهبة الأهلي ضمن صفقة مروان عطية