أخبار عاجلة
موعد ظهور نتيجة الثانوية العامة 2025 -
الذهب يصعد مع تصاعد التوترات التجارية -

أزلاف تقارب "لسان ووجدان الأمازيغية" في الممارسة الصوفية المغربية

أزلاف تقارب "لسان ووجدان الأمازيغية" في الممارسة الصوفية المغربية
أزلاف تقارب "لسان ووجدان الأمازيغية" في الممارسة الصوفية المغربية
أزلاف تقارب
صورة: و.م.ع
هسبريس – محمد البخياريالجمعة 11 يوليوز 2025 - 04:00

في مؤلَفها المعنون “اللسان والوجدان: الأمازيغية في الممارسة الصوفية بالمغرب”، تنفذ مريم أزلاف إلى صميم التكوين الروحي للمجتمع المغربي، متوسلة مقاربة لسانية تأويلية تستنطق التعبير الأمازيغي بما هو حامل لمعاني الوجدان، وأداة لنقل الأحوال في مقامات السلوك الصوفي. لا تروم المؤلفة توثيق الزوايا بوصفها مؤسسات دينية فحسب، بل تسعى إلى سبر الأنساق الخفية التي جعلت من اللسان الأمازيغي قناة للفيض، ووسيلةً لتلقين المعاني الذوقية في فضاءات العرفان، خصوصاً في الأطلس الكبير والصغير وسوس، حيث تستحيل الكلمة إلى صدى للسر، ويغدو النطق ضرباً من التجلي الروحي.

في الوثيقة التمهيدية للمؤلَّف التي توصّلت بها جريدة هسبريس الإلكترونية تُبيّن الباحثة أنّ الزوايا الناطقة بالأمازيغية لم تكن مجرّد معابد للورع والتجريد، بل انطوت على أدوار تربوية ولسانية مركَّبة، أسهمت في صيانة اللسان الأمازيغي إبان مراحل الانحسار الرمزي والإقصاء الثقافي؛ إذ ظلّت الخُطب المنبرية، والحلقات الذكرية، والمدائح النظمية، تُؤدّى بلسان أمازيغي موغل في الجذور، فغدت بذلك تلك الطقوس جسرًا موصولًا بين الوجد التعبّدي والتعبير اللساني. وتستفهم الباحثة، في هذا السياق، إن كان انغراس الأمازيغية في بنية هذه المؤسسات الصوفية يمثل فعل مقاومة ثقافية مستترة أم إنه مجرّد انسياغ وجداني مع المحيط الطبيعي والبشري.

تتوسّلُ الباحثةُ سبيلَ الإضمار التحليليّ للإجابة عن المسألة السالفة، مُستنطقةً سِيَرَ نفرٍ من الأولياء المنغرسين في النسق الثقافي الأمازيغي، أمثال سيدي حمو تالبّا وسيدي محمد أوسعيد، حيث تُبيِّن، عبر مسالك الاستنباط الرمزيّ، أنّ اللسان الأمازيغي لم يُوظَّف كوسيلة تواصلٍ فحسب، بل كان مركوزًا في بُنية التقديس ذاته، مشكّلاً مكوّنًا أصيلاً في اقتصاد البركة. فالكرامات المنقولة، والأوراد الملغّزة، والأدعية المجرّبة، وسائر ضروب التوسّل، كانت تُرتَّل بلسانٍ أمازيغيّ قحّ، وهو ما أضفى عليها طابعًا وجدانيًا مخصوصًا، يجعلها أليَقَ بالتلقّي الروحيّ، ولاسيّما في البيئات الريفية المنحبسة عن التمدّن. ومن ثم يتبدّى أنّ الأمازيغية، في حضرة الزاوية، لم تكن مجرّد وعاء لغويّ، بل تمظهُرًا من تمظهرات التدَيُّن العضويّ المُتوغِّل في اليوميّ، والمتخلِّق من التربة الثقافية ذاتها.

تعمل الباحثة، عبر فصول هذا الكتاب، على تشريح التواشج القائم بين اللغة ومقامات التقديس، مبرزةً كيف أفضى انغراس اللسان الأمازيغي في الممارسة التعبدية إلى تشكّل بلاغة صوفية مخصوصة، تفارق ما رسخته الزوايا ذات الحمولات العربية؛ هذه البلاغة، وفق استقرائها، تنهض على إيقاع شَفَهيّ متواتر، وتستقي صورها من تضاريس الجبل، ومن علائق الإنسان بسُنن الطبيعة وتقلبات الفصول، ما يُضفي على التجربة الصوفية الأمازيغية طابعًا تجذّريًا في الجغرافيا، وميسمًا محليًّا لا يُستعاد خارج سياقه؛ ومن ثَمّ تدعو إلى إعادة إدراج هذا الرصيد اللساني–الروحي في مدوّنات المعرفة التصوفية الأكاديمية، بدل إبقائه في مهاوي الإقصاء المعرفي والتهميش المنهجي.

كما تخصّص الجامعية ذاتها حيّزًا وافرًا لتقصي أثر الترجمة الشفوية في الفضاءات الزاوية، حيث كانت المتون الصوفية تُتلى بالعربية، ليقوم بعدها “المقدَّم” أو “الفقيه” بترجمتها شفاهيًا إلى اللسان الأمازيغي، تمكينًا للمريدين من تملّك مضامينها الروحية. ولم يكن هذا الوسيط مجرّد ناقل لغوي، بل كان شريكًا في بناء المعنى، مؤوّلًا صوفيًا يعيد إنتاج الخطاب بما يتلاءم والذهنية الجماعية للحقل الثقافي المحلي. وبهذا المعنى تبيّن الكاتبة أنّ وظيفة المترجِم في هذا السياق تتجاوز الوساطة اللسانية لتُلامس تخليق نمط خاص من التدين، موسوم بملامح الجغرافيا واللغة.

ولا تُغفِل الأستاذة مريم أزلاف البُعد الجندري في مقاربتها، إذ تسجّل الحضور الفاعل للمرأة الأمازيغية داخل بعض الزوايا، لا بوصفها مستمعة أو مرافقة فقط، بل كحافظة للأذكار، وناقلة للأهازيج، ومُنشدة في المواسم الدينية. وتُبيّن أزلاف أن هذا الوجود النسوي أسهم في ترسيخ التعبيرات الصوفية الأمازيغية في الفضاءين العائلي والمجتمعي، من خلال ما تُردّده النساء من أدعية وتعاويذ وأناشيد شفهية. وبناءً على هذا التراكم الأنثوي غير المدون تخلص الباحثة إلى أنّ الأمازيغية لم تكن أداة تواصل فحسب، بل تحوّلت إلى وعاء لذاكرة صوفية نسائية طال تغييبها عن الرواية الرسمية.

وفي خاتمة عملها تُوجّه مريم أزلاف دعوةً صريحة إلى استعادة اللسان الأمازيغي بوصفه مكوّناً تأسيسيّاً في المعمار الروحي المغربي، لا باعتباره أداة تعبير إثني، بل كجذر أنطولوجي أسهم في تشييد نماذج التدين في الفضاءات القصيّة من الجغرافيا الرسمية؛ وتُشدّد على أنّ استيعاب التصوف المغربي في تعدّده وشموله لا يكتمل إلا بالإنصات إلى تلوينات لغاته وتجلّياته الثقافية، بعيداً عن الاستحواذ الأحادي للنموذج العربي-المدني. بذلك، يغدو كتاب *اللسان والوجدان* تجاوزاً للحدود الإثنوغرافية، وإشارة ضمنية إلى ضرورة إعادة صياغة سردية الزوايا من مدخل لساني-ثقافي يُنصف الهامش وينقذ الذاكرة من طمسٍ مضاعف: لُغوي وروحي.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بالبلدي: تفاصيل السيطرة على حريق منزل في أوسيم
التالى الاتحاد يطلب ضم موهبة الأهلي ضمن صفقة مروان عطية