يعود النقاش حول موضوع ترشيد الاعتقال الاحتياطي إلى الواجهة، وكذا مطالب عقلنة اللجوء إليه كتدبير استثنائي مع صدور دورية رئاسة النيابة العامة التي أوصت بترشيد الاعتقال.
وبالرغم من تسجيل انخفاض ملحوظ بلغ 30 في المائة بنسبة الاعتقال الاحتياطي لأول مرة منذ سنوات، ما قلص عدد الساكنة السجنية؛ فإن الدعوات إلى ترشيده أكثر لا تزال ترفع، سواء من لدن رئاسة النيابة العامة إلى ممثليها في المحاكم أم من لدن المحامين خلال مرافعاتهم أم من لدن الهيئات الحقوقية المدافعة عن الحرية باعتبارها الأصل.
وتلجأ النيابة العامة، في إطار سلطة الملاءمة المخولة لها قانونا، إلى تسطير المتابعة في حالة اعتقال كلما ظهرت لها موجبات للاعتقال؛ من بينها سلامة الأشخاص والمس بالنظام العام، أو تبين لها انعدام ضمانات الحضور والمثول أمام العدالة.
ويثير المحامون في كل جلسة، وهم يترافعون عن موكليهم المعتقلين، سواء خلال مراحل التحقيق أو المحاكمة، مسألة ترشيد الاعتقال الاحتياطي إلى جانب تأكيدهم على استعداد المتهمين لتقديم كافة الضمانات ليكونوا رهن إشارة العدالة؛ بيد أنها تواجه، في الكثير من الأحيان، بالرفض.
شعيب حارث، المحامي بهيئة المحامين بالدار البيضاء، قال إن الحد من ظاهرة الاكتظاظ بالسجون يلزم أن يتم من خلال العمل على ترشيد الاعتقال الاحتياطي كتدبير استثنائي وفق المادة 159 من قانون المسطرة الجنائية، سواء من قبل النيابة العامة أم قضاء التحقيق انطلاقا من أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته.
ولفت حارث، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أهمية “تفعيل بعض التدابير الأخرى المنصوص عليها قانونا في إطار مسطرة الوضع تحت المراقبة القضائية بشكل خاص، طبقا للمادتين 160 و161 من قانون المسطرة الجنائية؛ من بينها على سبيل المثال لا الحصر تدبير إغلاق الحدود في وجه المتهم، وإيداع كفالة مالية، والتقدم بصفة دورية أمام السلطات المعينة”.
وأكد المحامي بهيئة الدار البيضاء أن الاعتقال الاحتياطي لا يقتصر فقط على قرارات وكلاء الملك أو الوكلاء العامين للملك بالمحاكم، وإنما يكون كذلك في إطار قضاء التحقيق عندما يقرر قاضي التحقيق القيام بإجراءات التحقيق مع المتابعين أمامه في حالة اعتقال.
من جانبه، سجل عبد الإله طاطوش، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المال العام، أن الاعتقال الاحتياطي، الذي هو إجراء قانوني يقضي بوضع المتهم قيد الاحتجاز إلى حين انتهاء التحقيقات أو المحاكمة، “يعد من أخطر الإجراءات التي يمكن اتخاذها في مسار الدعوى الجنائية لما له من أثر على حرية الفرد”.
وأوضح طاطوش، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا الاعتقال بالرغم من الأهمية التي يكتسيها في تحقيق العدالة وفي حماية سير التحقيقات وضمان حضور المتهم “فإنه يمس قرينة البراءة، إذ يحتجز الشخص قبل إدانته وقد يؤدي إلى آثار نفسية واجتماعية سلبية على المتهم واسرته”.
وشدد الفاعل الحقوقي على أن الاعتقال الاحتياطي “هو أداة حساسة في يد العدالة الجنائية، ويمكن أن يسهم في تحقيق العدالة إذا استخدم وفق الضوابط القانونية والحقوقية؛ ولكن إذا ساء ذلك فقد يؤدي إلى ظلم المتهمين وتقويض ثقة الناس في نظام العدالة”.
وأكد رئيس الجمعية الحقوقية على أهمية ترشيد الاعتقال الاحتياطي، خصوصا في ظل وضعية الاكتظاظ داخل السجون، حيث إن نسبة المتابعين في حالة اعتقال بالسجون كبيرة جدا.