لمّا يلتقي المحيط بالصحراء، وتمتد الرمال إلى عتبات الماء، تولد الداخلة. مدينة في قلب الصحراء المغربية لا تصرخ بتفرّدها السياحي فحسب، بل تهمس به لكلّ من يقترب. في سواحل الصحراء لا توقظك ضوضاء المدن، لكنك تصغي إلى نسيم بحري يمرّ خفيفا، وشمس تشرق فوق خليج هادئ. في الداخلة، لا تكون سائحا، وإنّما شاهدا على انسجام نادر بين مؤهلات مختلفة.
ليس البحر وحده ما يسحر في المدينة، ففيها تنمو مزارع تربية المحار، ويمكن للزائر تذوّق واحدة من أندر تجارب الطهو البحري في المغرب. محارٌ طازج يُقدَّم كما خرج من اليمّ. وإن ابتعدت قليلا عن الساحل، ستجد مفاجأة أخرى: مزرعة نعام فريدة في قلب الصحراء، حيث تلتقي بعالم مختلف، تتعرّف فيه إلى كائنات مهيبة.
تقع الداخلة في شبه جزيرة تمتد داخل مياه الأطلسي، ما يمنحها موقعا جغرافيا فريدا لا يشبه أي مدينة مغربية أخرى. فتعال وجرب هذه الوجهة وما تقترحه عليك من تجارب، ضمنها الاستحمام بمياه كبريتية في منبع “أسماء”، أو مراقبة أنواع عديدة من الأسماك والرخويات والدلافين من موقع “بونتا ساركا” الواقع على الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة.
مغامرة الرمل والماء
ينصح المهتمون بالشأن السياحي الوطني الراغبين في السفر بالتفكير في وجهة الأقاليم الجنوبية المغربية، لا سيما جوهرة الداخلة، فالتّوصيات والاقتراحات تتوجه بالضرورة وفي أحيان كثيرة إلى الباحثين عن “وجهة تجمع بين البحر والصحراء”. هذه البلدة الساحلية ليست فقط واحدة من أجمل المدن المطلة على المحيط الأطلسي، بل أيضا مساحة مفتوحة للتجربة والاكتشاف واختراق المنتظر.
يمكن أن تبدأ رحلة الزائر على شاطئ بحيرة هادئ، حيث يمكنه الاسترخاء تحت أشعة الشمس، أو السباحة في مياه أحيانا دافئة. كما يمكن للداخل إلى فضاء المدينة أن يجرب الرياضة البحرية التي تقترحها من قبيل الكايت سورف، ركوب الأمواج، والتجديف، وصيد الأسماك. يمكن الوقوف على الشاطئ والصيد مباشرة من الرمال، أو الصعود إلى زورق صغير والانطلاق إلى عرض البحر.
يمكن كذلك زيارة وادي الذهب ومصايد “عين بيضة”، ويعتبر الفاعلون أن محبي المغامرة على اليابسة بوسع الداخلة أن تقدم لهم بوابة مفتوحة على الصحراء، من خلال الانطلاق بسيارة دفع رباعي لاكتشاف الكثبان الرملية، والقيام بزيارة الواحة والكثبان البيضاء، بالإضافة إلى ركوب الجمال في جولات تمنح فرصة تأمل واحدة من أجمل المناظر الطبيعية في الجنوب المغربي.
يمكن للزائر كذلك مراقبة الطيور في هذه المدينة الساحلية، بما أنها تُعد موقعا بيئيا هاما بفضل تنوعها البيولوجي. وفي رحابها يستطيع السائح المغربي أو الأجنبي مشاهدة طيور مهاجرة نادرة مثل طيور النحام الوردي والبجع، بالإضافة إلى كون الخليج كان يؤوي مستعمرة كبيرة من حيوانات الفقمة.
مؤهلات مختلفة
المدينة المطلة على الساحل الأطلسي والقريبة من جزر الكناري الإسبانية باتت بفضل مؤهلاتها بمثابة نقطة جذب سياحي جديدة، ويمكن لزائرها اكتشاف هذه المؤهلات من خلال القيام بالأنشطة سالفة الذكر أو اكتشاف مقدرات أخرى على غرار جزيرة التنين، وهي جزيرة صغيرة وسط خليج الداخلة، يمكن الوصول إليها بقوارب صغيرة، لعيش تجربة عزل اختياري وسط الطبيعة.
تتيح هذه التجربة للناظر والمكتشف الاطلاع عن كثب على الحياة البحرية والطيور المهاجرة في مكان غير مأهول لكنه آمن ويتميز بسكينته. ويمكن كذلك العودة إلى شاطئ بورتوريكو، الذي يعدّ أحد أجمل المحطات الشاطئية بالمناطق الجنوبية المغربية، حيث تخلق الرمال والمياه مشهدا مغريا ومثاليا للسباحة، التصوير، وغير ذلك من الأنشطة.
وسبق لأحد المواقع الأمريكية المتخصصة في السفر أن بين أن “أحد الأسباب المهمة لزيارة الداخلة هو أنها تتوفر بالفعل على منتجعات وأماكن مبيت فاخرة، وشوارع سهلة التنقل مثل كورنيش الواجهة البحرية الهادئ”، معتبرا أن السائح تنتظره “مفاجآت كثيرة، من الأزقة المخفية إلى المقاهي الساحرة… ثم الطقس الرائع الذي تتميز به هذه المدينة، رغم أنها تقع بالقرب من منطقة صحراوية نائية في إفريقيا”.
لا تقتصر جاذبية المدينة على ما تملكه، بل تتعزز بمشاريع استراتيجية كبرى تجعل منها مركزا اقتصاديا صاعدا في الجنوب المغربي. في قلب هذه الدينامية، يبرز الطريق السريع تزنيت-الداخلة وميناء الداخلة الأطلسي، المشروع الضخم الذي يُعد أحد أهم الأوراش التنموية التي أطلقتها المملكة لتعزيز الربط البحري والتكامل الاقتصادي مع إفريقيا جنوب الصحراء.
معالم للاكتشاف
وبالإضافة إلى كل تقدمه الداخلة، تتيح زيارة المدينة اللقاء الحيّ مع ثقافة صحراوية ضاربة الجذور: الثقافة الحسانية، التي تمتزج بالحياة اليومية للناس. يعدّ هذا التوقيع الثقافي والموسيقي والأشكال التعبيرية المتفرعة عنه من أبرز مكونات الهوية في الجنوب المغربي. في الأسواق، وفي الأحياء القديمة، وفي لقاءات الناس العفوية، تتعرّف إلى أسلوب عيش الساكنة وعلى كرم ضيافة يُمارَس قبل أن يُقال.
ورغم بعدها الجغرافي، فإن الداخلة توفر بنية سياحية متطورة ومتنوعة تلبي احتياجات جميع الزوار، خصوصا وأنها تحتضن فنادق ومنتجعات راقية تقدم خدمات عالية المستوى، مع إطلالات خلابة على خليج المنطقة، كما توجد نُزل بيئية (Eco-lodges) تقدم عرضا إضافيا لأصحاب المعايير الإيكولوجية في السكن.
وبالنسبة لعشاق المغامرة والتخييم، توجد مخيمات شاطئية في ساحل الداخلة، مجهزة لمن يفضّل الاستقلالية والمرونة أثناء السفر، ناهيك عن شقق للكراء اليومي متواجدة في أحياء هادئة وآمنة داخل المدينة، وتتوفر بمستويات مختلفة تناسب جميع الميزانيات. وتوفر هذه الإقامات خصوصية أكبر، ومساحة واسعة مناسبة لحجم كل عائلة وافدة.
وفي النهاية.. لماذا يجب أن تزور الداخلة؟
هسبريس تقترح هذه الوجهة لأنها ليست مشهدا واحدا، بل كتلة من التفاصيل والمؤهلات. وهي لا تعدّ وجهة سياحية فقط، بل مدينة مغربية في قلب الأقاليم الجنوبية تقدم صورة تنموية عن حجم التحول إلى قطب اقتصادي وسياحي استراتيجي بفضل المشاريع الكبرى التي أطلقتها الدولة المغربية في إطار وحدتها الترابية وسيادتها الكاملة على المنطقة.