استضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء، خمسة من قادة غرب أفريقيا بحفل غداء عمل بقاعة الطعام الرسمية بالبيت الأبيض، في خطوة وصفتها صحيفة واشنطن بوست بأنها "مفاجئة" لتعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية مع المنطقة.
وقالت الصحيفة إن الزعماء المدعوين هم رئيس الجابون بريس أوليجي نجيما، رئيس غينيا بيساو عمر مختار سيسوكو إمبالو، رئيس ليبيريا جوزيف بواكاي، رئيس موريتانيا محمد ولد الغزواني، ورئيس السنغال بصيرو ديوماي فاي.
جاء هذا اللقاء وسط توترات متصاعدة في غرب أفريقيا بسبب قرار إدارة ترامب تجميد المساعدات الخارجية وإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، مما أثار مخاوف من تفاقم الأزمات الإنسانية والأمنية في المنطقة.
هذا التحول في السياسة الأمريكية، من تقديم المساعدات إلى التركيز على التجارة والاستثمار، يعكس استراتيجية ترامب لمواجهة النفوذ الصيني والروسي المتزايد في القارة الأفريقية.
تحول السياسة الأمريكية: من المساعدات إلى التجارة
خلال اللقاء، ركز ترامب على الإمكانات الاقتصادية الهائلة لدول غرب أفريقيا، مشددًا على أهمية مواردها الطبيعية مثل المنجنيز، الحديد، الذهب، الألماس، الليثيوم، والكوبالت، وهي معادن حيوية للصناعات التكنولوجية والطاقة النظيفة.
ووفقًا لـواشنطن بوست، أكد ترامب أن الولايات المتحدة تسعى إلى بناء "شراكات تجارية مربحة للطرفين" بدلًا من تقديم "مساعدات خيرية"، مشيرًا إلى أن الدول الأفريقية يجب أن "تساعد نفسها".
هذا النهج يتماشى مع رؤية ترامب لتقليص الإنفاق الخارجي، حيث أعلن عن تجميد المساعدات الأمريكية لمدة 90 يومًا لمراجعة برامج التمويل، وهو قرار أدى إلى إغلاق مؤقت لـ USAID، التي كانت تدعم برامج حيوية في مجالات الصحة، التعليم، والإغاثة في أفريقيا.
لكن هذا القرار أثار موجة من القلق في غرب أفريقيا، حيث تعتمد دول مثل ليبيريا والسنغال بشكل كبير على المساعدات الأمريكية لدعم الاستقرار الاقتصادي والأمني. وفقًا لتقرير نشرته الجزيرة في 8 يوليو 2025، أدى تجميد المساعدات إلى توقف برامج مكافحة الأوبئة، بما في ذلك خطة الرئيس الأمريكي الطارئة للإغاثة من الإيدز (PEPFAR)، التي أنقذت أكثر من 25 مليون شخص في أفريقيا.
كما أثر القرار على برامج مكافحة الإرهاب، حيث غادر 400 جندي صومالي، تلقوا تدريبات أمريكية، قواعدهم بسبب نقص الإمدادات، مما زاد من المخاطر الأمنية في منطقة الساحل.
وفي مخيم كاكوما للاجئين في كينيا، وقالت صحيفة "أوول أفريكا" إن نقص التمويل أدى إلى انخفاض حاد في إمدادات الغذاء والمياه، مما تسبب في احتجاجات واضطرابات أمنية.
التنافس الجيوسياسي: الصين وروسيا في المشهد
تأتي زيارة القادة الأفارقة في سياق تنافس جيوسياسي محموم مع الصين وروسيا، اللتين وسعتا نفوذهما في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة. وفقًا لتقرير في مجلة "فورين بوليسي"، استثمرت الصين أكثر من 300 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية في أفريقيا عبر مبادرة الحزام والطريق، بما في ذلك موانئ وطرق وسكك حديدية في دول مثل السنغال وغينيا بيساو.
في المقابل، عززت روسيا وجودها من خلال اتفاقيات أمنية وعسكرية، خاصة في موريتانيا والجابون، حيث تقدم مجموعة فاجنر الروسية دعمًا لوجستيًا لمكافحة التمرد (الجزيرة، 6 يوليو 2025).
هذا النفوذ المتزايد دفع ترامب إلى إعادة صياغة العلاقات مع أفريقيا، مع التركيز على الاستثمارات في المعادن الحرجة لضمان تفوق الولايات المتحدة في سلاسل التوريد العالمية.
خلال القمة، أثار الزعماء الأفارقة مخاوفهم بشأن تأثير خفض المساعدات على استقرارهم الداخلي. رئيس السنغال بصيرو ديوماي فاي، الذي انتخب مؤخرًا على أجندة إصلاحية، شدد على الحاجة إلى دعم أمريكي مستمر لمواجهة التحديات الاقتصادية الناجمة عن التضخم العالمي وارتفاع أسعار الغذاء.
من جانبه، أشار رئيس موريتانيا محمد ولد الغزواني إلى أهمية التعاون الأمني في منطقة الساحل، حيث تهدد جماعات مثل بوكو حرام والقاعدة الاستقرار الإقليمي.
ومع ذلك، أكد ترامب أن الولايات المتحدة ستواصل دعم الدول التي "تتماشى مع مصالحها"، مشيرًا إلى صفقات تجارية محتملة مع شركات أمريكية مثل شيفرون وإكسون موبيل لاستغلال موارد الطاقة في الجابون وليبيريا.
تداعيات إنسانية وتحديات مستقبلية
تثير سياسة ترامب الجديدة تساؤلات حول قدرة دول غرب أفريقيا على التعامل مع الأزمات الإنسانية دون الدعم الأمريكي التقليدي.
وبالفعل؛ أدى توقف تمويل برامج الصحة في دول مثل السودان والكونغو الديمقراطية إلى تفاقم الأزمات الصحية، حيث تعتمد ملايين الأشخاص على المساعدات الأمريكية لتوفير الأدوية والرعاية الطبية.
في ليبيريا، على سبيل المثال، توقفت برامج التطعيم ضد الأمراض المعدية، مما يهدد بتفشي أوبئة جديدة، كما أن انخفاض الدعم الأمني يعرض دول الساحل لمخاطر متزايدة من الجماعات المسلحة، خاصة مع انسحاب القوات الفرنسية من المنطقة وتوسع النفوذ الروسي.
من ناحية أخرى، يرى بعض المحللين أن تركيز ترامب على التجارة قد يفتح آفاقًا جديدة للتنمية في غرب أفريقيا، خاصة إذا نجحت الاستثمارات الأمريكية في تعزيز البنية التحتية وخلق فرص عمل.
ومع ذلك، تحذر فورين بوليسي من أن هذا التحول قد يفيد في المقام الأول الشركات الأمريكية، بينما تظل الدول الأفريقية الفقيرة تكافح لتلبية احتياجات مواطنيها دون مساعدات مباشرة. الرئيس الليبيري جوزيف بواكاي، الذي يواجه ضغوطًا داخلية لتحسين الاقتصاد، أعرب عن تفاؤل حذر بشأن الشراكات التجارية، لكنه شدد على ضرورة استمرار الدعم الإنساني لتجنب انهيار المؤسسات المحلية.
مع استمرار هذا التحول في السياسة الأمريكية، يبقى السؤال: هل ستتمكن دول غرب أفريقيا من التكيف مع نموذج ترامب الجديد القائم على التجارة بدلًا من المساعدات؟ الزيارة الأخيرة، التي جمعت قادة يمثلون تنوعًا سياسيًا واقتصاديًا في المنطقة، تشير إلى رغبة متبادلة في إعادة صياغة العلاقات، لكنها تسلط الضوء أيضًا على التحديات التي تواجهها هذه الدول في ظل انخفاض الدعم الأمريكي.
وكما أشار تقرير واشنطن بوست، فإن نجاح هذه الشراكات سيعتمد على قدرة الولايات المتحدة على تقديم بدائل ملموسة للمساعدات التقليدية، بينما تواجه غرب أفريقيا شبح الأزمات الإنسانية والأمنية في ظل التنافس الجيوسياسي المتزايد.