وصل عشرات الأطفال المنحدرين من عائلات تقطن بمخيمات تندوف إلى عدد من الدول الأوروبية، على رأسها إسبانيا وإيطاليا وبريطانيا، في إطار ما يعرف بـ”برنامج عطل السلام” الذي تشرف عليه البوليساريو بدعم جمعيات متعاطفة معها في “القارة العجوز”، وهو ما أثار انتقادات حقوقية، خاصة ما يتعلق باستغلال الأطفال في حملات دعائية ذات طابع سياسي ولأغراض جنسية كذلك، فضلًا عن المخاوف المرتبطة بإبعادهم قسرًا عن أسرهم البيولوجية واستغلالهم لأغراض مشبوهة تدفعهم للانسلاخ عن هويتهم الثقافية والدينية.
وكشف تقرير استخباراتي صادر عن المركز الوطني للاستخبارات في إسبانيا عن تورط مستفيدين سابقين من “برنامج عطل السلام” في أنشطة إرهابية في منطقة الساحل والصحراء، إذ أكد أن بعض المتطرفين من المخيمات الذين ينشطون داخل جماعات تكفيرية في المنطقة شاركوا في هذا البرنامج، وهو ما ساعدهم على إتقان اللغة الإسبانية والتعرف على المجتمع الأوروبي، ما يزيد من قدرتهم على التأثير أو التخطيط لهجمات إرهابية داخل العمق الأوروبي.
دعاية ومداخيل
قال عبد الوهاب الكاين، رئيس المنظمة الإفريقية لمراقبة حقوق الإنسان، إن “فكرة مشروع ‘عطل من أجل السلام’ استُلهمت من مشروع الشاعر الإسباني ماركوس أنا، وهو معتقل سابق في سجون فرانكو، القائم على اصطحاب أطفال السجناء الإسبان في عطلات إلى فرنسا”، مردفا: “بعد نهاية نظام فرانكو وزيارة هذا الشاعر إلى مخيمات تندوف تعهد بنقل تجربته في مرافقة الأطفال الإسبان إلى مخيمات تندوف بدعم قوي من الحزب الشيوعي الإسباني”.
وأضاف الكاين أن “تنفيذ برنامج ‘عطل من أجل السلام’ تم فعليًا في العام 1979، في عملية تنسيق بين تنظيم البوليساريو وتمثيلياته بمختلف جهات إسبانيا وجمعيات الدعم الإسباني، بتغطية سياسية من بعض مكونات الطيف السياسي الإسباني”، وزاد: “تشمل العملية نقل المئات من الأطفال سنويًا إلى إسبانيا في ضيافة عائلات إسبانية خلال العطل الصيفية بمبررات إنسانية، والتزامات بحماية هؤلاء الأطفال القصر وصيانة مصالحهم الفضلى المرتبطة بالسلامة الروحية والوجدانية والهوياتية، والروابط الاجتماعية والبيولوجية بأسرهم”.
وشدد الفاعل الحقوقي ذاته على أن “جوهر المشروع هو بلوغ أهداف سياسية دعائية لأطروحات البوليساريو وتطلعات بعض الجهات الإسبانية لإعادة إحياء فكرة ضم الصحراء المغربية إلى شبه الجزيرة الإيبيرية”، متابعا: “يعتمد المشروع في الأساس على استخدام أساليب الدعاية السياسية المغرضة بلبوس إنساني عن طريق تسخير صور الأطفال كضحايا من جانب الإسبان والبوليساريو، بهدف زيادة جرعات تحريض الشعب الإسباني ضد المغرب وترسيخ فكرة الصراع السياسي الذي يستوجب حلًّا على مقاس الحركة الانفصالية، وليس لدواعٍ إنسانية”.
وأبرز المتحدث ذاته أن “البرنامج أصبح بفضل البروباغندا السياسية واسعة الانتشار مصدرًا رئيسيًا للاغتناء والتربح السريع لفئات قيادات الصف الأول والثاني بجبهة البوليساريو، كما وُصف بكونه احتضن أكبر عمليات التهريب والاتجار بالبشر للأطفال الصحراويين اليافعين تحت غطاء قضاء العطل الصيفية للاستجمام والتطبيب والتعليم والاندماج المجتمعي في الثقافة الإسبانية والأوروبية، وهو ما ثبت عكسه تمامًا مع مرور الأعوام، إذ أصبح البرنامج حاضنًا لأكبر شبكة تدوير مساعدات إنسانية نقدية وعينية بين جمعيات الدعم وممثلي البوليساريو بمختلف مناطق إسبانيا، وتسهيل عمليات تبني الأطفال الصحراويين من قبل الأسر الأوروبية”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “اقتصادات حركات التضامن السياسي الإسباني مع البوليساريو تعتمد في جزء كبير منها على مداخيل البرنامج الموجهة لنقل واحتضان الأطفال الصحراويين، ويعتبر النشطاء الإسبان أن أي مساس بهذا المشروع المربح يُعد بمثابة تهديد وجودي لعملهم ومصادر دخلهم المرتفعة بفضل الدعم المؤسساتي الإسباني الوفير إلى حدود الساعة”.
تواطؤ واحتيال
اعتبرت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، أن “ترحيل الأطفال الصحراويين من المخيمات وعزلهم عن سياقهم الاجتماعي وعن أسرهم البيولوجية لم ينطلق تحديدًا مع بدء برنامج ‘عطل من أجل السلام’ الإسباني سنة 1979، بل تعرض هؤلاء الأطفال لهزات نفسية قوية منذ العام 1975 جراء تهجيرهم القسري من قبل مجموعات مسلحة من البوليساريو بهدف تكثير سواد المخيمات، ونشر حالة تخويف عامة في مختلف أماكن تواجد الصحراويين بالأقاليم الجنوبية”.
وأشارت الفاعلة الحقوقية ذاتها أيضًا إلى “إقدام الجزائر على ترحيل مؤقت لمئات الأطفال الصحراويين سنة 1976 لأغراض دعائية سياسية محضة، بدليل حرمانهم من حيازة مركز قانوني منذ إنشاء المخيمات، وعدم السماح بتمتيعهم بالحماية اللازمة بموجب القانون الدولي، وترك تدبير شؤونهم لتنظيم عسكري قمعي لا يراعي مصالحهم الفضلى”.
وزادت المتحدثة ذاتها أن “الجزائر عملت على حرمان الصحراويين، بمن في الأطفال، من بنيات تحتية صحية واجتماعية فعالة، بحيث ارتفعت معدلات وفيات الرضع إلى نسب عالية، وانعدمت إمكانيات توفير العلاجات والتعليم السليم، عوض التربية الموجهة لأغراض الحرب والدعاية ونشر خطابات الحقد والكراهية، والسماح بانتشار عمليات التبشير والشذوذ الجنسي والاغتصاب والتبني والانسلاخ الهوياتي في معظم نسخ برنامج ‘عطل من أجل السلام’ الممتد منذ 1979 من إسبانيا ليشمل دولًا أخرى كفرنسا وإيطاليا وألمانيا، بهدف تكثيف الضغط الدولي على المملكة المغربية من منطلقات إنسانية، لما لقضايا الأطفال من حساسيات ملحوظة في مجتمعات الاستقبال”.
وذكرت لغزال بأن “البرنامج يستهدف أطفالًا تتراوح أعمارهم بين 10 و13 سنة، دون إتاحة الفرصة لأفراد عائلاتهم لمرافقتهم أو توفير إمكانية لتتبع أحوالهم وظروف عيشهم وسط أسر الاستقبال، لما لذلك من مخاطر ترتبط بجانب الشعور والوجدان، وترجيح الاقتناع بالهوية والدين والثقافة في سن مبكرة، مع ازدياد وسائل التأثير السلبية بمجتمعات الوصول، ودور المشرفين والسياقات المجتمعية والثقافية المحيطة، وغياب عنصر المراقبة اللصيقة للتعامل مع الأطفال”.
وسجلت المصرحة لهسبريس أن “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية عمل منذ سنوات على دراسة ورصد ظاهرة ترحيل الأطفال الصحراويين إلى إسبانيا ودول أخرى، بهدف معرفة الآثار المترتبة على تنفيذ تلك البرامج”، مردفة: “توصلنا إلى أن الأمر يتعلق بعملية احتيالية تُخضع لها الأسر البيولوجية للأطفال، إذ يتم إيهامها باستفادة الأطفال في سفرهم إلى إسبانيا من برامج علاجية وتعليمية هادفة، والحقيقة أن الأمر يتعلق باتفاق ضمني بين ممثلي البوليساريو وجمعيات الدعم الإسباني، وممثلين محليين إسبان، لاستدرار أموال الدعم الإنساني، وفتح قنوات اغتناء غير مشروع، إلى جانب تهريب وبيع المساعدات الإنسانية الموجهة للاستجابة السريعة لحاجيات محتجزي مخيمات تندوف”.
وأكدت المتحدثة أن “التحالف سجّل وقوع حوادث مؤلمة لهؤلاء الأطفال، أقواها تأثيرًا حالات قتل بإسبانيا بدافع الانتقام، أو غرق في ظروف غامضة، أو اغتصابات وتحرش جنسي”، لافتة إلى أنه “رغم ترويج البوليساريو والجزائر والمتعاونين الإسبان الصفة الإنسانية للمشروع ومحاولة تسهيل توفير الرعاية الصحية والعلاجات، إلا أن التجربة والحوادث المرافقة أثبتت أن تهجير الأطفال الصحراويين المقنّع إلى أوروبا كان ومازال بهدف استغلال هؤلاء القصر كمبعوثين لتنظيم البوليساريو، وإحدى وسائل الضغط القوي على المجتمعات المستقبلة للتأثير في القرار السياسي لحكوماتها، ولاسيما إسبانيا”.