لقد جرّب الأفق السياحي المغربي، مهنيًا وسياسيًا، أن يراهن على مراكش بوصفها “كل الحكاية”، بالنسبة إلى مشهد سياحي مغربي يتشكّل في بيئة ذات “بنية تنافسية شرسة”. ومع أن الانفتاح على وجهات وطنية أخرى حصل، ورافقه نَفس التسويق والترويج، بقيت “مدينة النخيل” تزداد قوة، حتى بات أحيانًا النقاش مع أجانب ينتهي إلى أن “المغرب هو مراكش، وأن مراكش هي المغرب”.
جهود ترويجية مشتركة حرصت عليها الدولة، ولعب فيها المهني، سواء كان فندقيًا أو مرشدًا أو تاجرًا أو مدير مَأْثَرٍ تاريخي، “دورًا أساسيًّا”. ساند الجميع مدينة إمبراطورية تقترح نحو 1000 سنة من الوجود؛ لذا عندما تُحَطّ فيها الأقدام اليوم لا يدخل الزائر فقط فضاءً جغرافيًا ضمن حدود المملكة المغربية، بل يعبر بوابةً إلى عالمٍ عريق تقف فيه الأزمنة لتأمّل المارّة.
أول الحكي.. ساحة
تمنح ساحة جامع الفنا مصداقيّة كبيرة لما يمكن أن تقترحه هذه المدينة على الزائر. مسرح مفتوح ومركز للجذب الثقافي والسياحي، يتلاقى فيه الفن والجنون، الأصالة والعفوية. في هذه الساحة يشعرُ الكلّ بالأمن والأمان، ينسجُ الحكواتي أسطورته التي لا تنتهي، ويغري مروّض الأفاعي العابرين بصورة.
خضعت الساحة، وتخضع، لأشغال تهيئة وتثمين، تغلّبت على المناظر غير اللائقة، فيما حافظت على أقوى عناصرها: بائعو العصائر الطازجة، والحنّاء، وأكشاك المأكولات، التي ما إن يحلّ الليل حتى تختلط مع الأضواء، لتشكّل صورة جاذبة للعين من قرب مسجد الكتبية أو مع بداية ممر “البرانس” المؤدي إلى قلب الساحة.
كل مساء تتحول الساحة إلى ما يشبه كرنفالًا شعبيًا، فيه يتجاور السائح الغربي مع العجوز المراكشي، كلاهما يشاركان في ما يمكن أن يُسمى “احتفالًا مفتوحًا بالحياة”، يقود المنتشي إلى أزقة المدينة العريقة ومآثرها. الكلّ يُطلّ من المقاهي والأسطح على ساحة تحتفي بعشرات الملايين من الأقدام سنويًا.
سحر الزقاق
السير في أزقة المدينة القديمة/العتيقة تجربة لا تشبه غيرها. الأزقة ضيقة، مليئة بالمنعطفات، لكنها تفتح على مفاجآت بصرية كثيرة. تتراصّ الدكاكين الصغيرة والكبيرة، حيث يبتسم الباعة لاستمالة العابرين بالأرجاء. روائح البهارات، المنسوجة في شكل أهرامات بمختلف الألوان، تخترق حاسة الشمّ. الدراجات النارية والعادية تمرّ بأريحية، وأحيانًا بارتباك، لتكمل “سردية مدينة”.
ثمّة ما يشبه “اتفاقًا جماعيًا” على أن أسواق المدينة القديمة، خصوصًا “سوق السمارين”، تقدّم “لوحة بصرية حقيقية” تؤثّثها مقاهٍ جانبية تستثمر كل ما هو قديم، تحاذيها بازارَات ورياض.
مجمل ما يبحث عنه الزائر من صنعة تقليدية يجده في أسواق المدينة القديمة، ليشتريه إن استطاع، أو لينظر إليه ضمن مسارات متناغمة ذات طابع احتفالي يومي لا تخطيط فيه؛ ولكن بفضله أدرك المراكشيون والفاعلون السياحيون أنهم “يشكّلون خريطة حيّة للاقتصاد التقليدي المغربي، حيث مازال التفاوض فنًا ممكنًا قبل الاقتناء، والمنتجات تُصنع يدويًا بحبّ وصبر”.
أين المبيت؟
حسب مواكبة هسبريس تبين أن مراكش لديها تلك القدرة على أن تتخاطب مع أي صنف من الزوار، سواء الرحّالة بميزانية محدودة، أو المسافرين التوّاقين إلى فخامة مطلقة. يصف المهنيون هذا العرض بـ”المتنوع”، ويقولون في أحيان كثيرة إنه “يستطيع أن يتكيف مع القدرة الشرائية لكل زائر”.
في أطراف المدينة تنتشر فنادق فاخرة، منها المغربي والأجنبي والعالمي، تجمع التقليدي والعصري؛ بعضها غرفها بمثابة أجنحة واسعة، مزينة بلمسات مغربية يدوية: الزليج البلدي، خشب الأرز المنقوش، الأقمشة المطرزة… الإقامة فيها تترافق مع خدمات “السبّا” و”المساج”، مسابحها ممتدّة، مطاعمها تقدم أطباقًا مغربية وعالمية، وتتميز بكونها تقع في منطقة هادئة.
أما من يسافرون بـ”ميزانية معقولة”، ولكن لا يريدون التنازل عن الجودة والراحة، فتقدّم لهم الحاضرة السياحية مجموعة واسعة من دور الضيافة والفنادق المتوسطة، توفّر، حسب الفندقيين، “غرفًا مريحة، وإطلالات أحيانًا ساحرة على المدينة القديمة أو جبال الأطلس”، ويقولون إن “الكثير من هذه الفنادق تقع داخل المدينة العتيقة، وتتيح التفاعل اليومي مع الحياة المحلية”.
وسط أزقة المدينة القديمة توجد أيضًا “الرياضات”، التي تُعتبر تجربة إقامة فريدة من نوعها. بأسعار تبدأ من مستويات معقولة جدًا، وتصل إلى مستويات عالية تنافس أرقى الفنادق، يوفّر الرياض فرصة للعيش وسط عمارة مغربية تقليدية، مع فناء داخلي، وحدائق صغيرة، ونوافير، وجدران مزينة بزخارف فنية نادرة.
ماذا تزور؟
يمكن للداخل إلى “حضرة” مراكش زيارة جملة من المآثر التاريخية، مثل قصر الباهية، ومدرسة بن يوسف، وقصر البديع، وقبور السعديين، وهي مآثر يمكن للمغربي الولوج إليها مجانًا يوم الجمعة. كما يمكن زيارة “دار الدباغ” و”الحديقة السرية”، و”دار الصورة”، ومؤسسة فريد بلكاهية، التي توجد في أطراف مراكش وتقدّم سفرًا فنيًا مغريًا.
يوصي الفاعلون السياحيون كذلك بزيارة متحف “دار الباشا”، ومتحف دار سي سعيد، ناهيك عن “حدائق أكدال” والساحات القريبة من القصر الملكي، وكذا “حديقة ماجوريل”، وحديقة “أنيما”، بالإضافة إلى “حدائق المنارة” الهادئة و”جنان الحارثي”.
وإلى جانب ذلك يمكن للسائح المغربي أو الأجنبي تجربة الذهاب إلى ستي فاطمة وأوريكا والمناطق القريبة من مراكش، للاستمتاع بالشلالات وممرّات المياه، أو التوجه إلى صحراء أكافاي، لتجربة المخيّمات والدراجات رباعية الدفع وركوب الجمال.
ومن المقترحات التي يمكن للزوار تجربتها يوجد المنطاد، إما بشكل مشترك مع غرباء، أو بشكل خاص في إطار عائلي أو بين أصدقاء أو زملاء، وكذا الطيران الشراعي.
ثم، من ضمن اقتراحات مدينة النخيل مسابحها ومنتجعاتها، وكذا حياتها الليلية، التي يقضيها السائح إما بأحد نوادي المدينة بالحي الشتوي، أو على أسطح “الرياضات” التقليدية، أو المقاهي في “القصبة” أو “الرحبة” داخل المدينة القديمة. بعيدًا عن الضوضاء، يغدو الجلوس تحت سماء المدينة ممكنًا، يواكب الزائر طفرة الحركة وخفُوتها عند اقتراب الفجر.
في النهاية.. لماذا يجب أن تزور مراكش؟
هسبريس تقترح هذه الوجهة لأنها ليست فقط قبلة سياحية، بل تجربة وجدانية؛ مدينة تنبض بالحياة بلا أي فقدان للوقار التاريخي، فيها يتذوّق الناظر الزمن، وينتشي برائحة التاريخ في الأسوار والأبواب العريقة؛ يمرّ فيسمع صوت السكان وهم يعزفون في الأزقة، وترى إفريقيا في بهجتها وأناقتها. في مراكش، أنت لست سائحًا، بل جزء من حكاية مدينة، حكاية عرض سياحي بأكمله يصرّ أن يظل عالميًا.