عرف البنك الدولى الحماية الاجتماعية بأنها مجموعة من السياسات التى تهدف إلى الحد من الفقر، وتعزيز الأمن الاقتصادى، وتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث تتركز أهدافها فى مجال تعزيز الاستقرار الاجتماعى من خلال مجموعة من الإجراءات أهمها تقديم الدعم بمفهومه الواسع الذى يتضمن الدعم السلعى، والخدمى، سواء كان ذلك بنظام الدعم العينى أم الدعم النقدى أم الخلط بينهما.
ولم تعرف مصر خلال العصر الملكى النموذج المتكامل للحماية الاجتماعية، واقتصر الأمر على مجموعة من المُبادرات التى يُقدمها كبار الرأسماليين، وعدد من الجمعيات الخيرية، مع دور محدود جدًا للدولة قامت من خلاله بتقديم بعض الخدمات الصحية والتعليمية المجانية، وقد اتسمت تلك الإجراءات بالانتقائية وعدم الكفاية، لتركزها على المُدن، ولتأثرها بالأهداف السياسية للأحزاب، والإقطاعيين.
ومع قيام ثورة يوليو وقيام الجمهورية، توسع دور الدولة المصرية فى مجال الحماية الاجتماعية، وقد تبلور هذا الدور من مفهوم اشتراكى يتناسب مع النظام الاقتصادى الذى اتجهت إليه الدولة فى ذلك الوقت، فتم الاعتماد على نموذج الدعم العينى، بتوفير السلع الأساسية للمواطنين من خلال بطاقات التموين، وفرض التسعيرة الجبرية على الأسواق، وتقديم خدمات الصحة والتعليم بصورة مجانية، واتخاذ إجراءات تُعزز من حقوق الطبقة العاملة، ومع نجاح هذا النموذج فى كسب رضاء المصريين فى البداية، إلا أنه بمرور السنوات تآكلت مُكتسباتهم منه، تأثرًا بما واجهه من بيروقراطية إدارية، وسيطرة شبكات من المُنتفعين امتصت الجانب الأكبر من المُخصصات لمصالحها الشخصية، لتُقدم السلع المُدعمه للمواطنين بجودة أقل، وبتكلفة حقيقية أكبر، وتخرج كميات كبيرة من السلع المُدعمه لتُباع فى السوق السوداء، مما ترتب عليه استنزاف مُخصصات الحماية الاجتماعية دون تحقيق الأهداف المرجوة منها.
ومع تحول النظام الاقتصادى ليتجه نحو الاقتصاد الحر، كان هناك تردد دائم فى مجال تطوير برامج الحماية الاجتماعية، وعلاج التشوهات التى تحد من تحقيقها لأهدافها. ولكن ومُنذ قيام ثورة 30 يونيو 2013 تم التصدى لهذا الملف بصورة أكثر شمولية، ووضوح، حيث نجد أن الدولة المصرية اتجهت بكل قوة لإعادة هيكلة نموذجها الاقتصادى ليكون نموذجًا اقتصاديًا حرًا واضحًا، يُراعى اعتبارات العدالة الاجتماعية، ويبدوا ذلك واضحًا من خلال التزايد المُستمر لمُخصصات الحماية الاجتماعية فى الموازنة والتى ارتفعت من نحو نحو 180 مليار جنيه خلال العام المالى 2013/2024 لتتخذ مسارًا تصاعديًا لتصل إلى ما يُجاوز 732 مليار جنيه خلال العام المالى الجارى 2025/2026 وقد تم ربط هذه المُخصصات بالبرمج التى تم تحديدها فى الموازنة العامة، والتى من خلالها يمكننا رصد تطوير نموذج الحماية الاجتماعية من خلال الدمج بين نموذج الدعم العينى والدعم النقدى، حيث استمر الدعم العينى الذى تجاوزت مُخصصاته نحو 318 مليار جنيه، أهمها تخصيص نحو 160 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، ونحو 150 مليار جنيه لدعم الكهرباء، والمواد البترولية، ونحو 13.6 مليار جنيه لدعم الإسكان الاجتماعى، ونحو 5 مليارات جنيه لدعم الأدوية وألبان الأطفال، ونحو 3.5 مليار جنيه لدعم توصيل الغاز الطبيعى للمنازل، ونحو مليار جنيه لدعم شبكات المياة، فضلًا عن نحو 9 مليارات جنيه لدعم وسائل النقل العام، ودعم السكة الحديد، واشتراكات الطلبة وكبار السن فى المترو والقطارات.
وقد توسعت موازنة العام المالى الجارى فى مُخصصات برامج الدعم النقدى، والتى من أهمها زيادة مُخصصات برنامج تكافل وكرامة بنسبة 35% لتصل إلى ما يزيد على 54 مليار جنيه تستفيد منها نحو 4.7 مليون أسرة، ورفع الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 7000 جنيه اعتبارًا من شهر يوليو 2025، وكذا تم زيادة معاش الضمان الاجتماعى ليرتفع من 500 جنيه إلى 1000 جنيه، وإجمالًا فقد ارتفعت مُساهمة الموازنة العامة فى صناديق المعاشات لتصل إلى نحو 153.4 مليار جنيه.
وهكذا نجد أن الدولة المصرية ومن خلال الموازنة العامة تعمل على تلافى أخطاء الماضى بأن يتم استنزاف مُخصصات الحماية الاجتماعية دون تحقيق أغراضها، فالقضية ليست قضية المُقارنة والتفضيل بين الدعم العينى والدعم النقدى، ولكنها قضية وصول الدعم إلى مُستحقيه، فالدولة مُستمرة فى الدعم العينى لبرامج التأمين الصحى لكل المصريين، والتعليم وفقًا للاستحقاقات الدستورية، ولكنها تعمل على الحد من تسرب الدعم لغير المُستحقين سواء كانوا أغنياء، أم أجانب مُقيمين فى مصر ويستفيدون من دعم الطاقة والنقل. وهكذا تسير موازنة العام المالى الجارى فى مسار التوسع وتطوير برامج الحماية الاجتماعية للشرائح المُستحق مع الحد من تسرب مُخصصات الحماية الاجتماعية لغير المُستحقين.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" روز اليوسف "