تتميز عاشوراء عند المغاربة بكونها مناسبة مرادفة للفرح واللعب والغناء، إذ تشهد الأسواق الشعبية والمحلات التجارية الكبرى، منذ دخول شهر محرم، حركة مهمة للأسر التي تسارع إلى اقتناء لوازم الاحتفال بهذه الذكرى، وفي مقدمتها “الطعريجة” المغربية.
وتشكل “الطعريجة”، التي تعد رمزا من رموز الثقافة الشعبية المغربية، نجمة هذه الاحتفالات، التي يجتمع خلالها النساء والأطفال مرددين أهازيج شعبية خاصة بهذه المناسبة الدينية المتجذرة في الموروث الثقافي المغربي.
وهكذا، تعرف “الطعريجة” إقبالا كبيرا خلال هذه الفترة، من طرف الصغار والكبار، الذين يتهافتون على اقتناء هذه الآلة الموسيقية ببهجة. لكن قبل وصولها إلى أيدي الزبائن تمر هذه الآلة الشعبية عبر عدة مراحل دقيقة وفريدة، يتناقلها الصناع التقليديون المغاربة جيلا عن جيل.
والمثال من دوار “الحشالفة”، الذي يقع بتراب الجماعة القروية أولاد احسين، على بعد حوالي 25 كيلومترا جنوب مدينة الجديدة، الذي يعتبر من أهم المناطق المتخصصة في صناعة “الطعريجة” بمختلف أنواعها وأشكالها.
وفي هذا السياق أبرز مصطفى أبو معروف، رئيس تعاونية “خير الفخار”، أن دوار الحشالفة يعد الوحيد المتخصص في صناعة “الطعريجة” بالمغرب، إذ يتوافد عليه التجار من مختلف أنحاء المملكة لاقتنائها وبيعها في الأسواق الوطنية.
وأشار أبو معروف، في تصريح صحافي، إلى أن المنطقة تعرف تواجد أزيد من 100 صانع، يعملون طيلة السنة في صناعة هذه الآلات الموسيقية الشعبية باختلاف أنواعها وأحجامها، التي مازالت تحظى بإقبال كبير لدى المغاربة، ولاسيما خلال ذكرى عاشوراء.
وعن كيفية صناعتها أوضح المتحدث أن الصناع التقليديين يستقدمون المادة الأولية (نوع معين من التربة) من نواحي آسفي، ويعملون على تفتيتها قبل وضعها في الماء لتختمر، ثم يتم تجفيفها ليشرع بعد ذلك في تطويعها عبر آلة للتدوير لصنع قوالب خاصة يتم تشكيلها حسب الأحجام المراد صنعها.
وأشار الحرفي ذاته إلى أن الصناع معتادون في الغالب على صنع قوالب الأنواع المتفق عليها من “الطعاريج”، ثم بيعها لتجار يتكلفون بتجليدها وتزيينها بألوان ورسومات مختلفة، مضيفا أن هذا القطاع يشغل العديد من النساء والرجال والشباب، كل متخصص في جانب من جوانب الصنعة، بداية من ترطيب التربة ومرورا بتحضيرها وتصنيع القوالب، ووصولا إلى عملية التجليد والتزيين.
من جانبه أكد رشيد جياط، المكلف بالتعاونيات التابعة للمديرية الإقليمية للصناعة التقليدية بالجديدة، أن قطاع الفخار يعتبر من أهم الحرف التقليدية بالمنطقة، حيث يساهم في تشغيل يد عاملة مهمة، وإحداث دينامية سوسيو-اقتصادية على الصعيد المحلي.
وأشار جياط إلى أن المديرية الإقليمية تعمل، رفقة باقي الشركاء، على مواكبة الصناع وتشجيعهم على إحداث هيئات مهنية وتعاونيات حرفية متخصصة في الفخار، بالإضافة إلى العمل على التكوين المستمر لهؤلاء الصناع وإطلاعهم على التقنيات الجديدة لتنويع المنتج والحفاظ على استمراريته.
وفي إطار تطوير القطاع، يضيف المتحدث، خصصت المديرية الإقليمية بدعم من عدد من شركائها غلافا ماليا يبلغ 10.5 ملايين درهم، ساهمت فيه وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني بما قيمته 3 ملايين درهم من أجل اقتناء أفران غازية لفائدة الفخارين بدل الأفران التقليدية، مشيرا إلى أنه تم تسليم دفعة أولى تضم 16 فرنا غازيا، فيما سيتم تسليم 9 أفران أخرى في إطار الدفعة الثانية.
وعموما، مازالت تشهد هذه الأداة الموسيقية إقبالا كبيرا من طرف الصغار والكبار على حد سواء، وتحظى بمكانة متميزة في مختلف الاحتفالات والمناسبات المغربية. كما تظل صناعة “الطعريجة” جزءا مهما من الموروث الثقافي المغربي، الذي يحرص الصناع التقليديون على تطويره والحفاظ عليه وتناقله جيلا عن جيل.