أخبار عاجلة
خطوات سداد الأقساط عبر إنستاباي -
ترامب يجمد إعانات جامعة "هارفرد" -

إنترنت الأشياء لتحسين كفاءة محطات معالجة الصرف.. ثورة تقنية (مقال)

إنترنت الأشياء لتحسين كفاءة محطات معالجة الصرف.. ثورة تقنية (مقال)
إنترنت الأشياء لتحسين كفاءة محطات معالجة الصرف.. ثورة تقنية (مقال)

في ظل التحديات البيئية المتزايدة وارتفاع الطلب على الموارد المائية، يأتي إنترنت الأشياء بوصفه أحد الحلول المبتكرة لتحسين كفاءة محطات معالجة الصرف الصحي.

وتُعد هذه التقنية من أهم الابتكارات التي تقود تحولًا جذريًا في هذا القطاع الحيوي.

وتمثل محطات المعالجة نقاطًا حيوية في الحفاظ على الصحة العامة وحماية البيئة؛ إذ تعالج ملايين اللترات من المياه العادمة يوميًا قبل إعادتها إلى الدورة الطبيعية.

وتعتمد المحطات التقليدية على أنظمة مراقبة نمطية وعمليات روتينية، قد لا تكون قادرة على الاستجابة السريعة للتغيرات المفاجئة في خصائص المياه الواردة للمحطة.

هنا يأتي دور إنترنت الأشياء ليرفع كفاءة هذه المنشآت من خلال توفير رؤية شاملة وعميقة لجميع العمليات في الوقت الفعلي، مع تمكين التحليلات التنبؤية التي تعزز اتخاذ القرارات.

البنية التحتية التقنية لإنترنت الأشياء

يعتمد تطبيق إنترنت الأشياء في محطات معالجة الصرف الصحي على بنية تحتية تقنية متكاملة تشمل عدة تطبيقات مترابطة.

تبدأ هذه المنظومة بالمستشعرات الذكية التي تُوزَّع في جميع مراحل العملية العلاجية، بدءًا من مرحلة الاستقبال الأولي للمياه العادمة، مرورًا بالمراحل المختلفة للمعالجة، ووصولًا إلى مرحلة التخلص النهائي من المياه المعالجة.

تتنوع هذه المستشعرات لتشمل أجهزة قياس درجة الحموضة (pH)، وأجهزة قياس الأكسجين المذاب، ومقاييس العكارة، وأجهزة مراقبة المواد الصلبة العالقة (TSS)، بالإضافة إلى مستشعرات تدفق السوائل ودرجات الحرارة.

انترنت الأشياء
صورة تُعبر عن إنترنت الأشياء

وتعمل هذه الأجهزة بشكل مستمر على جمع البيانات الدقيقة عن حالة العمليات العلاجية ونقلها عبر شبكات اتصال لاسلكية متخصصة تتميز بمدى بعيد واستهلاك منخفض للطاقة.

تصل البيانات بعد ذلك إلى بوابات جمع البيانات التي تقوم بمعالجة أولية للمعلومات قبل إرسالها إلى المنصات السحابية.

في هذه المرحلة، تخزن البيانات في قواعد بيانات ضخمة وتصبح جاهزة للتحليل باستعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.

توفر المنصات الحديثة واجهات بصرية سهلة تُمكّن المشغلين من مراقبة أداء المحطة بالكامل من خلال لوحات تحكم تفاعلية.

تحسين العمليات العلاجية بالمراقبة الذكية

إحدى أهم فوائد إنترنت الأشياء في محطات المعالجة هي القدرة على تحسين العمليات العلاجية بشكل ديناميكي.

في النظام التقليدي، يتم أخذ عينات للمياه بشكل دوري وإجراء التحاليل في المختبر؛ ما يتسبّب في تأخر اكتشاف المشكلات.

مع نظام إنترنت الأشياء، تصبح المراقبة مستمرة وعلى مدار الساعة؛ ما يُمكِّن المحطة من التكيف الفوري مع أي تغيرات في خصائص المياه الداخلة.

على سبيل المثال، في مرحلة المعالجة البيولوجية التي تعتمد على البكتيريا النافعة لتحليل الملوثات العضوية، يمكن لمستشعرات الأكسجين المذاب أن ترصد أي نقص في مستويات الأكسجين التي تحتاج إليها هذه الكائنات الدقيقة.

يستجيب النظام تلقائيًا بزيادة معدلات التهوية أو تعديل معدلات تدفق المياه للحفاظ على الظروف المثلى لعمل البكتيريا.

هذه الاستجابة الفورية تُحسِّن بشكل كبير من كفاءة عملية التحلل البيولوجي وتقلل من استهلاك الطاقة.

في مرحلة الترسيب، تساعد مستشعرات العكارة في تحديد الوقت الأمثل لضخ الحمأة الزائدة، في حين تراقب مستشعرات المستوى امتلاء الأحواض لمنع حالات الفيضان.

في مرحلة التطهير النهائي، تضبط أنظمة إنترنت الأشياء جرعات الكلور أو الأشعة فوق البنفسجية بدقة بناءً على قياسات مستمرة لجودة المياه الخارجة؛ وهو ما يضمن تحقيق المعايير الصحية مع تجنب الإفراط في استعمال المواد الكيميائية.

إدارة الطاقة وتحقيق الاستدامة

تستهلك محطات معالجة الصرف الصحي كميات هائلة من الطاقة؛ حيث تعد من أكثر المنشآت استهلاكًا للكهرباء في القطاعات.

يأتي دور إنترنت الأشياء هنا لتحسين كفاءة استعمال الطاقة من خلال عدة آليات ذكية:

  • أولًا: تمكن أنظمة المراقبة المستمرة من تشغيل المعدات الثقيلة مثل مضخات الهواء والمضخات الغاطسة فقط عند الحاجة الفعلية، بناءً على بيانات التدفق والجودة الفورية.
  • ثانيًا: يمكن لخوارزميات التحليل التنبؤي أن تحسب أنماط التحميل على المحطة وتوقع أوقات الذروة في تدفق مياه الصرف؛ ما يُمكِّن المشغلين من جدولة العمليات الأكثر استهلاكًا للطاقة.

بعض الأنظمة المتقدمة تدمج مع مصادر الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية أو وحدات استرداد الطاقة من الحمأة؛ حيث يدير إنترنت الأشياء تدفقَ الطاقة بين هذه المصادر بشكل مثالي.

الصيانة التنبؤية وإطالة عمر المعدات

تشكل أعطال المعدات أحد أكبر التحديات التشغيلية في محطات معالجة الصرف الصحي؛ حيث يمكن أن يتسبب توقف مضخة رئيسة أو خلل بنظام التهوية في تعطيل العملية العلاجية بالكامل.

وتعتمد الصيانة التقليدية إما على جدول زمني ثابت (صيانة وقائية) وإما على انتظار حدوث العطل (صيانة تصحيحية)، وكلاهما له عيوب كبيرة.

إنترنت الأشياء هو مفهوم ثوري في الصيانة التنبؤية؛ حيث إن المستشعرات تراقب حالة المعدات بشكل مستمر من خلال قياس معايير مثل: الاهتزازات، درجات الحرارة، استهلاك التيار الكهربائي، الضجيج.

ويتم تحليل هذه البيانات باستعمال خوارزميات متقدمة قادرة على اكتشاف الأنماط التي تشير إلى بدء تدهور أداء المعدات قبل وقت كافٍ من حدوث العطل الفعلي.

على سبيل المثال، يمكن لمستشعرات الاهتزاز للمعدات أن تكتشف عدم التوازن في مراحلها المبكرة جدًا.

يسمح ذلك بجدولة الإصلاحات في الوقت المناسب وبأقل تكلفة، مع تجنب الأعطال المفاجئة التي تتسبب في توقف العمليات وخسائر مالية كبيرة.

بالإضافة إلى ذلك، يساعد تحليل البيانات في تحديد المعدات التي تفشل بشكل متكرر؛ ما يُمكِّن الإدارة من اتخاذ قرارات استباقية لاستبدالها أو ترقيتها.

إدارة الحمأة وتحويلها إلى موارد

تعد إدارة الحمأة (الرواسب الصلبة الناتجة عن عملية المعالجة) أحد الجوانب المعقدة والمكلفة في تشغيل محطات الصرف الصحي.

هنا يُقدم إنترنت الأشياء حلولًا مبتكرة لتحسين عمليات معالجة الحمأة وتحويلها من نفايات إلى موارد قابلة للاستفادة.

تقوم المستشعرات بمراقبة مستمرة لخصائص الحمأة مثل: محتوى المواد الصلبة، القيمة الحرارية، تركيز المواد العضوية.

حمأة الصرف الصحي قبل معالجتها
حمأة الصرف الصحي قبل معالجتها - الصورة من موقع fzp.czu

تُساعِد هذه البيانات في تحسين العمليات، وتحديد الطرق المثلى للتخلص من الحمأة أو إعادة استعمالها.

في بعض المحطات المتقدمة، تُستَعمل الحمأة المجففة وقودًا بديلًا في أفران الأسمنت أو محطات توليد الطاقة؛ حيث يساعد إنترنت الأشياء في ضبط خصائص الحمأة المنتجة لتتناسب مع متطلبات هذه التطبيقات.

أحد التطبيقات الواعدة هو استعمال إنترنت الأشياء في إدارة عمليات الهضم اللاهوائي للحمأة؛ حيث تُحول البكتيريا الموادَّ العضوية إلى غاز حيوي (ميثان).

تراقب المستشعرات بعناية ظروف المفاعلات الحيوية مثل: درجة الحرارة، الأس الهيدروجيني، مستويات الأحماض الدهنية المتطايرة؛ ما يسمح بضبط العمليات للحصول على أقصى إنتاج من الغاز الحيوي الذي يمكن استعماله في توليد الكهرباء أو الحرارة للمحطة نفسها.

ضمان الجودة والامتثال للوائح البيئية

تخضع محطات معالجة الصرف الصحي لرقابة صارمة من قِبل الهيئات البيئية؛ حيث يجب أن تلتزم المياه المعالجة الخارجة منها بمعايير محددة فيما يتعلق بتركيز المواد الصلبة، الملوثات العضوية، المعادن الثقيلة، الكائنات الدقيقة الضارة.

كان الالتزام بهذه المعايير يُمثِّل تحديًا كبيرًا في النظم التقليدية بسبب تأخر نتائج التحاليل المخبرية.

مع إنترنت الأشياء، أصبحت المحطات قادرة على مراقبة جودة المياه الخارجة بشكل مستمر، مع إمكان إجراء تعديلات فورية في العمليات عند اكتشاف أي انحراف عن المعايير المطلوبة.

تقوم بعض الأنظمة المتقدمة بتوليد تقارير الامتثال البيئي تلقائيًا وإرسالها إلى الجهات الرقابية؛ ما يُقلل من الأعباء الإدارية ويقلل مخاطر فرض الغرامات بسبب المخالفات.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لأنظمة الإنذار المبكر القائمة على إنترنت الأشياء اكتشاف أي تسرب للمواد الخطرة أو الحوادث الصناعية التي قد تؤثر في جودة المعالجة؛ ما يُمكِّن الطواقم الفنية من التدخل السريع لحماية النظام البيئي المحيط بالمحطة.

التكامل مع المدن الذكية وإدارة أحمال الأمطار

تتجاوز فوائد إنترنت الأشياء في محطات الصرف الصحي حدود المحطة نفسها لتصبح جزءًا من نظام متكامل لإدارة المياه في المدن الذكية.

من خلال التكامل مع شبكات استشعار موزعة في أنحاء المدينة، يمكن للمحطة توقع أحمال مياه الأمطار الغزيرة وتعديل عملياتها استعدادًا لموجات التدفق الزائد.

يمكن تنسيق عمل محطات المعالجة مع أنظمة الصرف الصحي الذكية التي تضخ المياه الزائدة إلى خزانات تخزين مؤقتة في أثناء أوقات الذروة، ثم تعيدها إلى المحطة للمعالجة عندما يقل التدفق.

إعادة تدوير حمأة الصرف الصحي لإنتاج الأسمدة العضوية

هذا التكامل يساعد في منع فيضانات مياه الصرف الصحي ويحسن كفاءة تشغيل المحطة خلال الأحداث المناخية القاسية.

التحديات واعتبارات التطبيق

على الرغم من المزايا العديدة؛ فإن تطبيق إنترنت الأشياء في محطات معالجة الصرف الصحي ليس خاليًا من التحديات. تشمل هذه التحديات التكلفة الاستثمارية الأولية المرتفعة، خصوصًا للمحطات الصغيرة والمتوسطة.

كما أن البيئات القاسية داخل المحطات (الرطوبة العالية، الأبخرة الكيميائية، الاهتزازات) تتطلّب أجهزة استشعار ومعدات اتصال مقاومة للظروف الصعبة.

تُشكِّل مسألة أمن البيانات السيبراني هاجسًا كبيرًا؛ حيث إن اختراق نظام المراقبة والتحكم يمكن أن يُعرِّض سلامة العمليات للخطر.

يتطلّب ذلك تطبيق إجراءات أمنية متقدمة مثل: التشفير القوي، المصادقة متعددة العوامل، عزل الشبكات التشغيلية عن الشبكات الإدارية.

من التحديات الأخرى الحاجة إلى تدريب الكوادر الفنية على إدارة هذه الأنظمة المتقدمة؛ حيث يتطلّب الأمر مهارات جديدة في تحليل البيانات وإدارة الأنظمة الذكية.

بعض المحطات تواجه صعوبات في التكامل بين الأنظمة الجديدة والبنية التحتية القديمة الموجودة؛ ما قد يتطلّب حلولًا وسيطة أو ترقيات تدريجية.

مواجهة التحديات

لمواجهة التحديات المذكورة في تطبيق إنترنت الأشياء بمحطات معالجة الصرف الصحي، يمكن اتباع بعض الخطوات والاعتبارات:

1. تقييم التكلفة والاستثمار: يجب إجراء دراسة دقيقة لتقييم التكلفة الاستثمارية والبحث عن حلول تقليل التكلفة، مثل استعمال أجهزة بتكلفة منخفضة أو حلول تكاملية.

2. ضمان جودة الأجهزة والمعدات: ينبغي اختيار أجهزة استشعار ومعدات اتصال مقاومة للظروف الصعبة داخل المحطات لضمان استمرارية العمل.

3. تعزيز أمان البيانات: يجب تطبيق إجراءات أمنية صارمة مثل التشفير والمصادقة متعددة العوامل لحماية البيانات من عمليات الاختراق.

4. تدريب الكوادر الفنية: يجب توفير التدريب المناسب للكوادر الفنية لتعلم كيفية إدارة وصيانة الأنظمة الذكية بشكل فعّال.

5. التكامل بين الأنظمة الجديدة والقديمة: ينبغي وضع خطة للتكامل بين الأنظمة الجديدة والبنية التحتية القديمة بشكل بسيط وفعال لضمان التوافق والتشغيل المرن.

بتنفيذ هذه الإستراتيجيات والتدابير، يمكن تقليل التحديات وزيادة فاعلية تطبيق إنترنت الأشياء في محطات معالجة الصرف الصحي.

إنترنت الأشياء

المستقبل والاتجاهات التكنولوجية الناشئة

يتطور مجال إنترنت الأشياء في محطات المعالجة بسرعة، مع ظهور تقنيات واتجاهات جديدة واعدة.

أحد هذه الاتجاهات هو دمج تقنية البلوك تشين لضمان سلامة البيانات وشفافية الإبلاغ عن الأداء البيئي.

كما يساعد الذكاء الاصطناعي المتقدم في تطوير نماذج محاكاة دقيقة يمكنها توقع أداء المحطة تحت سيناريوهات تشغيلية مختلفة.

في المستقبل القريب، قد نشهد محطات معالجة شبه مستقلة تعمل بأقل تدخل بشري؛ حيث تتولى أنظمة إنترنت الأشياء المتقدمة إدارة معظم العمليات الروتينية، في حين يُركِّز المشغلون على التحسين الإستراتيجي واتخاذ القرارات المعقدة.

نحو مستقبل أكثر ذكاءً واستدامة

يُمثِّل تطبيق إنترنت الأشياء في محطات معالجة الصرف الصحي نقلة نوعية في إدارة البنية التحتية للمياه العادمة.

من خلال تمكين المراقبة المستمرة والتحليل الذكي والاستجابة التلقائية تُسهِم هذه التقنية في رفع كفاءة العمليات وخفض التكاليف وتحسين الأداء البيئي.

في حين تبقى بعض التحديات قائمة، خاصة فيما يتعلق بالتكلفة والأمن السيبراني؛ فإن الفوائد الملموسة التي حققتها المشروعات الرائدة حول العالم تؤكد الجدوى الاقتصادية والفنية لهذه الحلول.

مع استمرار تطور التكنولوجيا وانخفاض أسعار الأجهزة، من المتوقّع أن تصبح حلول إنترنت الأشياء معيارًا أساسيًا في محطات المعالجة الجديدة والمحدثة.

لا يقتصر تأثير إنترنت الأشياء على تحسين أداء المحطات فحسب؛ بل يمتد ليشمل: تعزيز الاستدامة البيئية، الحفاظ على الموارد المائية، بناء مدن أكثر ذكاءً وقدرة على مواجهة التحديات.

* الدكتورة هبة محمد إمام - خبيرة دولية واستشارية بيئية مصرية

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق وزير الخارجية الإيراني: طهران وواشنطن أكدتا حرصهما على إنجاح المفاوضات
التالى البيت الأبيض: ترامب وجه بعدم الاعتماد على الرقائق وأشباه الموصلات الواردة من الصين