بات التحول الصناعي المستدام في أفريقيا مصيريًا لقارة لم تستغل إمكاناتها بالكامل بعد، لا سيما مع وفرة الموارد الطبيعية والميزة الديموغرافية الفريدة.
وأوضح تقرير حديث، اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)، أن أفريقيا تتمتع بأسس قوية تحولها إلى قوة صناعية مستدامة، إلى جانب قدرتها على توفير العديد من فرص العمل.
ومع ذلك، ما تزال القارة تعتمد على تصدير كميات ضخمة من المواد الخام، في حين تستورد السلع المصنعة بأسعار باهظة، وحال معالجة هذه المفارقة الاقتصادية، يمكن أن تتحول أفريقيا من مصدر للموارد إلى مركز صناعي رائد.
وأشار التقرير إلى مجموعة من العوامل لتحقيق التحول الصناعي المستدام في أفريقيا، من بينها ضرورة الانتقال من استخراج المواد الخام إلى التصنيع، وإعطاء الأولوية للاستثمارات وتطوير البنية التحتية، إلى جانب توفير طاقة نظيفة وموثوقة.
التحول الصناعي المستدام في أفريقيا يبدأ من التصنيع
تشكّل المعادن الحيوية، مثل النحاس والليثيوم والكوبالت، الأساس لانطلاق التحول الصناعي المستدام في أفريقيا، نظرًا إلى أهميتها العالمية في صناعة السيارات الكهربائية وتقنيات الطاقة المتجددة وإزالة الكربون.
وبحسب التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي فإن الفرص في أفريقيا لا تكمن في الموارد الطبيعية فحسب، بل في العنصر البشري، مع توقعات ببلوغ عدد سكان القارة 2.5 مليار نسمة بحلول 2050، إذ سيشكّل عدد السكان في سن العمل ربع القوى العاملة في العالم.
وأوضح أنه يجب على الحكومات والشركات الأفريقية أن تعزّز السياسات والاستثمارات الصناعية لتطوير الصناعات المحلية، خاصة المرتبطة بالتقنيات النظيفة.
وحاليًا، تُعد القارة مصدرًا للمواد الخام التي تغذّي المصانع في آسيا وأوروبا والأميركتين، في حين تعود هذه المواد إلى القارة على شكل منتجات بتكلفة عالية.
ومع ذلك، فإن دولًا مثل المغرب وجنوب أفريقيا بدأت رسم مسار جديد نحو التصنيع المحلي.
على سبيل المثال، جذب المغرب استثمارًا هائلًا من شركة "غوتيون هاي تك" الصينية بمبلغ 6.4 مليار دولار لإنشاء مصنع للبطاريات، وهو مشروع من المتوقع أن يخلق نحو 25 ألف وظيفة، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ويستعرض الرسم الآتي، من إعداد وحدة أبحاث الطاقة، استثمارات شركات البطاريات الصينية في المغرب:
وشدّد التقرير على ضرورة تبني سياسات صناعية في جميع دول المنطقة تشجع على إضافة قيمة محلية وتحفيز الصناعات، من خلال تأسيس مصانع معالجة للمعادن، مثل الليثيوم والنيكل، محليًا، وسيسمح ذلك للشركات الأفريقية بالاستفادة أكثر من سلاسل القيمة قبل تصديرها.
وفي خطوة واعدة، تستكشف زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية إمكان إنشاء مراكز إقليمية لإنتاج البطاريات، وهو مشروع قد يفتح الطريق أمام المزيد من الشراكات والتمويل.
البنية التحتية بوابة التحول الصناعي المستدام في أفريقيا
يستند التحول الصناعي المستدام في أفريقيا إلى بنية تحتية قوية، ولكن القارة تواجه تحديات كبيرة في هذا الصدد.
وأظهر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، أن الافتقار إلى البنية التحتية، مثل شبكات الكهرباء وشبكات التوزيع الموثوقة والمواني، ما يزال عائقًا رئيسًا، مشيرًا إلى افتقار نحو نصف سكان القارة إلى الكهرباء، في حين يواجه من لديهم الكهرباء انقطاعات متكررة.
ويرى أن الطاقة المتجددة تقدّم حلًا ثوريًا، إذ تشكّل مشروعات الطاقة الكهرومائية في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا أساسًا للطاقة في هذه الدول، وفي حال إحياء مشروع سد إنجا على نهر الكونغو، قد يتوفر 40 غيغاواط من الكهرباء، ما يكفي لدعم النمو الصناعي في المنطقة.
وفي السياق نفسه، تُسهم أنظمة الطاقة المتجددة الصغيرة واللامركزية في تقديم حلول مبتكرة، خاصة في المناطق الريفية، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ويُعد مشروع "مترو غريد" في الكونغو الديمقراطية الذي طوّرته شركة نيرو بمثابة طفرة، حيث يهدف إلى توفير الكهرباء لـ5 ملايين شخص، ليصبح أكبر نظام شبكة مصغر في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ولجذب الشركات الصناعية العالمية، يتعيّن على الدول الأفريقية ضمان توفير طاقة نظيفة ومستدامة، وتحسين كفاءة النقل والخدمات اللوجستية.
ويرى التقرير إمكان تحقيق التحول الصناعي المستدام في أفريقيا مع تجنّب التحديات البيئية التي شابت التحولات السابقة، من خلال التوجه نحو الطاقة المتجددة، وممارسات التعدين المستدامة، فضلًا عن تبني تقنيات تتسم بالكفاءة في استهلاك الطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب تركيز الاستثمارات على الفئات المهمشة والنساء والشباب والمناطق الريفية لضمان توزيع عادل للفرص.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
