أخبار عاجلة

فيلم "قلب الصياد" يبحث عن الهوية في زمن الاضطرابات السياسية

فيلم "قلب الصياد" يبحث عن الهوية في زمن الاضطرابات السياسية
فيلم "قلب الصياد" يبحث عن الهوية في زمن الاضطرابات السياسية

يُعد فيلم “Heart of the Hunter” (قلب الصياد) (107 دقائق /2024) من أبرز أفلام الإثارة السياسية، وهو من إنتاج مشترك بين جنوب إفريقيا ومنصة “نتفليكس”، ويجمع بين عناصر التشويق السياسي والدراما الإنسانية في قالب من “الأكشن” والتجسس؛ أخرجه المخرج ماندلا دوبي، وهو مقتبس عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب الجنوب إفريقي ديون ماير.

وتدور أحداث الفيلم في جنوب إفريقيا ما بعد الديمقراطية، حيث تتشابك خيوط السياسة بالفساد، وتُستدعى أشباح الماضي لتواجه حاضرًا مضطربًا؛ في الإجابة عن سؤال مركزي بتعبيرات إحدى شخصيات الفيلم، جوني كلاين: كيف أن “الثورات لا تموت، لكنها تُختطف”، وكيف يسرق المستقبل من الشعوب؟.

قصة الفيلم

تبدأ قصة الفيلم مع شخصية زوكو خومالو، وهو قاتل محترف سابق يعيش حياة هادئة بعد تقاعده من عالم الاستخبارات والاغتيالات. زوكو رجل يحمل في داخله ماضيا ثقيلا، مليئا بالمهام السرية والقرارات الأخلاقية الصعبة، وقد قرر أن يبتعد عن العنف ويعيش حياة بسيطة بعيدًا عن الأضواء؛ غير أن هدوءه لن يدوم طويلًا، إذ يتلقى اتصالًا من ابنة صديقه القديم جوني كلاين، الذي اختفى في ظروف غامضة أثناء تحقيقه في مؤامرة سياسية تهدد استقرار البلاد. وهذا الاتصال يعيد زوكو إلى قلب المعركة، ويجد نفسه مجددًا في مواجهة شبكة معقدة من الفساد السياسي والتلاعب الأمني.

تتطور الأحداث بسرعة، ويكتشف زوكو أن جوني كلاين كان على وشك كشف مخطط خطير يقوده سياسي فاسد يسعى إلى الوصول إلى سدة الحكم عبر وسائل غير شرعية. هذا السياسي، الذي يتمتع بنفوذ واسع داخل أجهزة الدولة، لا يتردد في استخدام العنف والتصفية الجسدية لإسكات معارضيه. ويجد زوكو نفسه في سباق مع الزمن، ليس فقط لإنقاذ صديقه، بل أيضًا لمنع كارثة سياسية قد تعصف بالبلاد. في هذا السياق، يتحول الفيلم إلى رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجه زوكو خصومًا من داخل النظام وخارجه، ويضطر إلى استعادة مهاراته القديمة في القتال والتخفي والتحليل الإستراتيجي.

الشخصيات

من أبرز الشخصيات في الفيلم شخصية موليبو جينغ كوينا، وهي صحافية شجاعة وذكية، تلعب دورًا محوريًا في كشف خيوط المؤامرة. وتتميز هذه الصحافية بقدرتها على الوصول إلى مصادر حساسة داخل النظام، وتُظهر شجاعة كبيرة في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها بسبب تحقيقاتها؛ وتشكل مع زوكو ثنائيًا متكاملًا، حيث تجمع بين الذكاء الإعلامي والخبرة الميدانية، ويقودان معًا حملة غير رسمية لكشف الحقيقة أمام الرأي العام.

شخصية أخرى بارزة هي تايغر دي كليرك، وهو عميل استخبارات سابق تحول إلى مرتزق يعمل لصالح السياسي الفاسد.

ويمثل تايغر الجانب المظلم من ماضي زوكو، إذ كانا زميلين في السابق، لكنهما اختارا طريقين مختلفين. وتتسم شخصية تايغر بالتعقيد، بين الكفاءة القتالية والبرود الأخلاقي، ويُعد من أبرز خصوم زوكو في الفيلم؛ ليس الصراع بينهما فقط جسديًا، بل يحمل أبعادًا نفسية وأخلاقية، حيث يمثل كل منهما وجهًا مختلفًا لفكرة الولاء والواجب.

وتظهر أيضًا شخصية ناليدي غوميدي، وهي ناشطة شابة وابنة جوني كلاين، التي تلعب دورًا عاطفيًا وإنسانيًا في القصة. ليست ناليدي مجرد دافع لزوكو للعودة إلى الميدان، بل تمثل الجيل الجديد الذي يرفض الفساد ويؤمن بالتغيير؛ ومن خلال تفاعلها مع زوكو يُطرح سؤال جوهري حول مسؤولية الأجيال السابقة عما آلت إليه الأوضاع، وحول إمكانية التكفير عن الأخطاء من خلال العمل من أجل مستقبل أفضل.

ومن الشخصيات الثانوية التي تضيف عمقًا إلى القصة نجد مالين مامبي، وهي عميلة استخباراتية ذات ولاءات غامضة، تتنقل بين المعسكرين وتلعب دورًا مزدوجًا في الأحداث. كما يظهر دايزا متينا، وهو قائد وحدة خاصة مكلف بملاحقة زوكو، ويتميز بشخصية صارمة وولاء مطلق للنظام، لكنه يواجه لاحقًا صراعًا داخليًا بين الواجب والضمير.

وتتميز الحبكة بتشابكها وتعقيدها، حيث تتداخل الخطوط الزمنية بين الماضي والحاضر، ويُكشف تدريجيًا عن خلفيات الشخصيات ودوافعها. ويستخدم الفيلم تقنية الفلاش باك لإظهار ماضي زوكو وعلاقته بجوني كلاين، ما يضيف بعدًا إنسانيًا إلى القصة ويُظهر كيف أن قرارات الماضي تلقي بظلالها على الحاضر. كما يعتمد الفيلم على مشاهد “الأكشن” المصممة بعناية، التي تُظهر مهارات زوكو القتالية وتُبرز التوتر الدرامي في المواجهات.

الهوية والجمالية

يتميز الفيلم من الناحية البصرية بتصويره جنوب إفريقيا بطريقة تعكس تنوعها الجغرافي والثقافي، من المدن الحديثة إلى المناطق الريفية، ومن الأحياء الفقيرة إلى مراكز السلطة. وهذا التنوع لا يخدم فقط الجانب الجمالي، بل يعكس أيضًا التفاوتات الاجتماعية والسياسية التي تشكل خلفية القصة. كما يُستخدم الضوء والظل بشكل رمزي للتعبير عن الصراع بين الحقيقة والخداع، وبين النور والظلام.

أما من الناحية السياسية فإن الفيلم يُعد تعليقًا حادًا على واقع ما بعد الديمقراطية في جنوب إفريقيا، حيث يُطرح سؤال حول ما إذا كانت الثورة حققت أهدافها، أم إن النظام الجديد أعاد إنتاج أنماط الفساد والاستبداد نفسها. من خلال شخصية السياسي الفاسد، يُسلط الضوء على خطر استغلال الخطاب التحرري لتحقيق مصالح شخصية، وعلى هشاشة المؤسسات في مواجهة الطموحات الفردية. كما يُظهر الفيلم كيف أن الأبطال الحقيقيين ليسوا دائمًا من داخل النظام، بل قد يكونون من أولئك الذين اختاروا الانسحاب منه ثم عادوا لمواجهته من الخارج.

من الجوانب اللافتة في الفيلم أيضًا تناوله موضوع الهوية والانتماء، حيث يُطرح سؤال حول ما يعنيه أن تكون وطنيًا في سياق سياسي مضطرب. زوكو، رغم ماضيه العنيف، يُظهر ولاءً حقيقيًا للوطن، ويتخذ قراراته بناءً على مصلحة الشعب لا مصلحة النظام. في المقابل نجد شخصيات تدّعي الوطنية بينما تسعى إلى السلطة بأي ثمن؛ وهذا التناقض يُبرز الصراع بين الوطنية الحقيقية والوطنية الزائفة، ويُظهر كيف أن الانتماء لا يُقاس بالشعارات بل بالأفعال.

ومن الناحية الفنية يُحسب للفيلم قدرته على المزج بين التشويق السياسي والدراما الإنسانية، دون الوقوع في التبسيط أو الخطابية. السيناريو مكتوب بإحكام، والحوار يعكس عمق الشخصيات وتطورها. كما أن الأداء التمثيلي، خاصة من قبل بونكو خوزا في دور زوكو، يُضفي مصداقية وقوة على القصة. ويُظهر خوزا قدرة عالية على التعبير عن التوتر الداخلي لشخصيته، ويُجسد ببراعة التحول من رجل هادئ إلى مقاتل شرس.

ويُترجم البعد الجمالي في الفيلم من خلال التصوير السينمائي الذي يلتقط تنوع الطبيعة الجنوب إفريقية، من الجبال إلى السهول، ومن المدن إلى القرى. وتُستخدم الألوان والضوء بطريقة تعكس الحالة النفسية للشخصيات، فالمشاهد الليلية تعكس التوتر والخطر، بينما تُستخدم الإضاءة الطبيعية في لحظات التأمل والهدوء. والموسيقى التصويرية، التي تمزج بين الإيقاعات الإفريقية والنغمات الإلكترونية، تُضفي على الفيلم طابعًا معاصرًا دون أن تفقده جذوره الثقافية.

ويتمثل البعد النقدي للفيلم في قدرته على مساءلة الخطاب الرسمي للثورة، وطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الديمقراطية قد تحققت فعلًا، أم إنها مجرد قناع يخفي استمرار الاستبداد. في أحد المشاهد، يقول جوني كلاين: “الثورات لا تموت، لكنها تُختطف”، وهي جملة تلخص رؤية الفيلم النقدية للواقع السياسي. كما يُظهر الفيلم كيف أن الإعلام، ممثلًا في شخصية مايك، يمكن أن يكون أداة مقاومة أو وسيلة تواطؤ، حسب من يملكه.

ويتجلى البعد الفني للفيلم في بنية السرد التي تعتمد على الفلاش باك، ما يسمح بكشف تدريجي لخلفيات الشخصيات. كما أن الحوار مكتوب بعناية، ويعكس تنوع اللهجات والثقافات داخل جنوب إفريقيا. الأداء التمثيلي، خاصة من بونكو خوزا في دور زوكو، يتسم بالصدق والعمق، حيث ينجح في التعبير عن التوتر الداخلي دون مبالغة. تقول ماليمي في أحد المشاهد: “أنت لا تحتاج إلى سلاح لتكون قويًا، يكفي أن تؤمن بما تدافع عنه”، وهي جملة تختصر فلسفة الفيلم في الجمع بين القوة والمبدأ.

من الناحية الإخراجية، تُحسب للمخرج ماندلا دوبي قدرته على المزج بين “الأكشن” والتأمل، بين الحركة والسكون، دون أن يفقد الفيلم إيقاعه؛ كما أن استخدامه الرموز البصرية، مثل الطائر الذي يظهر في أكثر من مشهد، يُضفي على الفيلم بعدًا شعريًا. يرمز الطائر هنا إلى الحرية، لكنه أيضًا يرمز إلى الهشاشة، ما يعكس التوتر بين الأمل والخطر.

الرسائل المتعددة

يُعد فيلم “Heart of the Hunter” عملًا سينمائيًا غنيًا بالأبعاد المتعددة، ويتجاوز كونه فيلم إثارة وتجسس ليغدو مرآة تعكس واقعًا سياسيًا واجتماعيًا معقدًا في جنوب إفريقيا ما بعد الديمقراطية. وتدور أحداث الفيلم حول زوكو خومالو، القاتل السابق الذي يجد نفسه مضطرًا للعودة إلى عالم العنف من أجل إنقاذ صديقه وكشف مؤامرة سياسية تهدد مستقبل البلاد. وهذا الخط السردي البسيط يخفي خلفه شبكة من الرموز والدلالات التي تجعل من الفيلم مادة خصبة للتحليل.

ويتمحور البعد السياسي في الفيلم هو الأكثر وضوحًا، حول صراع بين قوى تسعى إلى الهيمنة على السلطة عبر وسائل غير شرعية، وقوى مضادة تحاول فضح الفساد واستعادة روح الثورة. ويظهر السياسي الفاسد دازا متيما كشخصية تمثل الوجه القبيح للسلطة، حيث يستغل خطاب التحرر ليبرر ممارساته الاستبدادية. في المقابل، يمثل زوكو صوت الضمير الذي وإن كان صامتًا لسنوات يعود ليواجه الظلم. تقول ثاندي ماكيبا في أحد المشاهد مخاطبة خصومها السياسيين: “أنتم تخافون من زوكو لأنه لا يملك شيئًا ليخسره، ولأن قلبه لا ينبض بالخوف بل بالعدالة”، وهي جملة تلخص جوهر الصراع بين السلطة والحق.

أما البعد الاجتماعي فيتجلى من خلال تصوير التفاوت الطبقي والعرقي في مجتمع جنوب إفريقيا. وتتنقل الكاميرا بين أحياء فقيرة تعاني من التهميش، ومراكز سلطة فخمة تعج بالفساد، ما يعكس الفجوة العميقة بين الحاكم والمحكوم.

وتمثل شخصية ناليدي غوميدي، ابنة جوني كلاين، الجيل الجديد الذي يرفض الصمت ويطالب بالتغيير؛ تقول في أحد المشاهد: “لسنا أبناء الثورة فقط، نحن ورثتها، وعلينا أن نحمي إرثها من التشويه”، وهي عبارة تعبّر عن وعي اجتماعي متقدم لدى الشباب في محاربة فساد السلطة.

ولا يظهر البعد الاقتصادي بشكل مباشر، لكنه يتسلل عبر تفاصيل دقيقة، مثل الحديث عن صفقات مشبوهة، وخوصصة الموارد، وتلاعب النخبة بالثروات الوطنية. ويظهر ذلك في مشهد يجمع بين الصحفي مايك بريسيلر وزوكو، حيث يقول مايك: “الفساد ليس فقط سرقة المال، إنه سرقة المستقبل”، وهي جملة تختزل العلاقة بين الاقتصاد والسياسة في المجتمعات الانتقالية.

ويُجسد البعد النفسي من خلال شخصية زوكو، الذي يعيش صراعًا داخليًا بين ماضيه العنيف ورغبته في حياة هادئة؛ ويعاني من مشاعر الذنب والندم، ويظهر ذلك في مشهد مؤثر حين يقول: “كل رصاصة أطلقتها تركت ندبة في روحي، لكنني لم أكن أراها حتى نظرت في عيني ماليمي”، في إشارة إلى حبيبته التي تمثل له الأمل والخلاص. وهذا الصراع الداخلي يُضفي على الشخصية عمقًا إنسانيًا، ويجعل من الفيلم رحلة نفسية بقدر ما هو مغامرة خارجية.

أما البعد الرمزي فيتجلى في عنوان الفيلم نفسه “قلب الصياد”، الذي يُحيل على فكرة الغريزة والحدس والقدرة على البقاء. ويُقارن زوكو في أحد المشاهد بالملك التاريخي مزليكازي، ويقال إنه يحمل “روح الصياد” أي القدرة على اقتفاء الحقيقة وسط الغابة الكثيفة من الأكاذيب. كما أن شخصية تايغر دي كليرك، العدو اللدود لزوكو، تمثل الجانب المظلم من النفس البشرية، حيث تتحول المهارة إلى أداة للدمار بدلًا من التحرير.

يُعد فيلم “Heart of the Hunter” عملًا سينمائيًا متكاملًا يجمع بين التشويق السياسي والدراما النفسية، ويطرح أسئلة عميقة حول السلطة والهوية والعدالة. إنه فيلم لا يكتفي بسرد قصة، بل يدعو المشاهد إلى التفكير والمساءلة، ويُظهر كيف أن الفن يمكن أن يكون أداة مقاومة بقدرما هو وسيلة ترفيه. من خلال شخصياته المتعددة، وحبكته المتشابكة، وأبعاده الرمزية والجمالية، يُقدم الفيلم تجربة سينمائية غنية تستحق التأمل والتحليل. ويحمل الفيلم رسائل سياسية وإنسانية، ويُظهر كيف أن الفرد، حتى وإن كان ماضيه معقدًا، يمكن أن يكون أداة للتغيير في وجه الفساد والاستبداد، مقدما رؤية نقدية للواقع السياسي، ويُذكرنا بأن الحقيقة، مهما كانت مخفية، لا بد أن تجد طريقها إلى النور عبر النضالات الشعبية والجماهيرية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق مسجل خطر ينهي حياته بطلق ناري هربًا من كمين أمني على الطريق الدائري بالفيوم
التالى حضرت احتفالية.. محامي نوال الدجوي يرد على تحدي الخصوم: "الدجوي في كامل قواها العقلية