إلى جهة غير معلومة، نقلت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب قبيل تنفيذ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عمليات جوية استهدفت مواقع نووية إيرانية، وهو تطور يعني حقيقة جديدة على الأرض: اختفاء اليورانيوم المخصب. ويبدو الأمر بمثابة انفجار قنبلة دبلوماسية مرعبة تسببت في ارتباك أجهزة القوى الكبرى، فقد بات العالم أمام اختفاء مفاجئ لـ 409 كيلوجرام من اليورانيوم الإيراني المخصب بنسبة 60%.، وأثار هذا الاختفاء ارتباكًا وقلقًا شديدين في الأوساط الدولية، خاصة في واشنطن.
ولا يقتصر التهديد الناجم عن اختفاء هذا المخزون الحيوي من اليورانيوم المخصب على زعزعة الأمن العالمي فحسب، بل يساهم في إشعال فتيل سباق تسلح نووي محتمل في منطقة الشرق الأوسط المتوترة. وقد تشعر دول إقليمية أخرى، مثل السعودية أو تركيا، بضرورة ملحة لتطوير برامج نووية خاصة بها لضمان أمنها القومي في وجه هذا التهديد الغامض. هذا السيناريو قد يحول المنطقة من "برميل بارود" تقليدي إلى "برميل بارود نووي" لا يمكن التنبؤ بنتائجه الكارثية لأن امتلاك اليورانيوم المخصب بقدرة عسكرية، حتى لو كان سريًا، يمنح إيران نفوذًا هائلًا وقدرة على الابتزاز النووي، مما يدفع بالقوى الإقليمية إلى إعادة حساباتها الاستراتيجية.
عبقرية استراتيجية إيرانية أم إخفاق استخباراتي غربي؟
كان هدف الضربات الجوية التي استهدفت البرنامج النووي الإيراني: إصابة قدراته بالشلل التام، ولكن اختفاء اليورانيوم المخصب كشف عن فشل ذريع، وتشير صور الأقمار الصناعية التي التقطت قبل الضربات إلى تحركات مريبة للمادة، وهو ما أكدته صحيفة التليجراف البريطانية وفشلت الضربات الأمريكية في تدمير المخزون بالكامل، ويقف مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون ودوليون، بمن فيهم نائب الرئيس جي دي فانس وبنيامين نتنياهو ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، في حيرة وعجز عن تحديد المكان الجديد لذلك المخزون.
أعلنت إيران رسميًا نقل المادة إلى موقع سري دون الكشف عن تفاصيل إضافية، وفقًا لصحيفة فاينانشال تايمز في خطوة تُعد تحديًا واضحًا لواشنطن وحلفائها. وأثار هذا الفشل الاستخباراتي والعسكري جدلًا واسعًا في واشنطن، وانتقدت مجلة بوليتيكو بعض الجهات الرواية الرسمية لنجاح الضربات، مؤكدة أن اختفاء اليورانيوم يقوض رواية "الانتصار بالضربات الناجحة" ويكشف عن عمق التحدي الذي تواجهه واشنطن في الملف النووي الإيراني. وقد أثار هذا الفشل دعوات لفرض عقوبات اقتصادية أكثر قسوة على طهران.
عملية النقل السري: خدعة إيرانية مدروسة؟
قبل أيام قليلة من الضربات الجوية الأمريكية والإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية في نطنز وفوردو وأصفهان، رصدت صور الأقمار الصناعية تحركات مكثفة لشاحنات غامضة داخل منشأة فوردو النووية. تشير هذه التحركات إلى أن إيران كانت تخطط لشيء مهم، وتأكدت هذه الشكوك لاحقًا، ووفقًا لصحيفة ذا تريبيون، فإن هذه العملية السرية لم تقتصر على فوردو فحسب، بل شملت أيضًا نقل مخزون كبير من اليورانيوم، وربما أجهزة طرد مركزي، من منشأة أصفهان. هذا يعزز الفرضية بأن طهران كان لديها توقع دقيق للضربات، ونفذت عملية نقل سرية ومحكمة لـ 409 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب إلى جهة غير معلومة. يُرجح أن إيران استخدمت شبكة من الأنفاق المحصنة تحت الأرض لإتمام عملية النقل، وفقًا لصحيفة هندوستان تايمز ما يعكس تخطيطًا إيرانيًا استباقيًا متقنًا وعبقرية استراتيجية في تفادي الضربة.
هل اقتربت إيران من عتبة السلاح النووي؟
تجدر الإشارة إلى أن اليورانيوم المخصب بنسبة 60% يُعد عتبة خطيرة للغاية في مسار تطوير الأسلحة النووية، حيث يُعتبر مجرد خطوة تقنية تمهد للوصول إلى درجة 90% اللازمة لصنع قنبلة نووية. يمثل هذا المخزون تهديدًا مباشرًا وفوريًا وفقًا لتقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في واشنطن، ويثير نقل المخزون إلى جهة غير معلومة مخاوف حقيقية من أن إيران قد تسعى لتحقيق هذه الخطوة النهائية والحاسمة بعيدًا عن أعين الرقابة الدولية.
ووفقًا لمجلة نيوزويك، حذر عضو مجلس الأمن القومي الروسي، ديمتري ميدفيديف من أن الضربات قد تدفع إيران لتكثيف التخصيب بشكل غير مسبوق أو حتى السعي للحصول على رؤوس نووية من دول أخرى، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات مرعبة ويهدد بالانتشار النووي. كما تم الكشف عن تحركات غير مسبوقة لخبراء نوويين إيرانيين إلى مواقع مجهولة، مما يعزز الشكوك حول نوايا طهران. وهناك قلق إقليمي متزايد من احتمال تهريب هذا المخزون الحساس إلى جماعات مسلحة أو جهات غير حكومية، وفقًا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل مما قد يغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط والعالم بأسره.
تقويض الرقابة الدولية: الوكالة الذرية في مأزق
رفضت إيران التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تتبع مصير اليورانيوم المخصب المفقود. طالبت الوكالة بتفتيش عاجل للمواقع الإيرانية، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز لكن طهران أغلقت الأبواب في وجه المفتشين، مما أدى إلى تقويض غير مسبوق لآليات الرقابة الدولية. هذا الرفض يعني أن المجتمع الدولي قد يواجه سيناريو مظلمًا حيث قد تتمكن إيران من تطوير قدرات نووية عسكرية بعيدًا عن أي رقابة أو تدقيق. هذا الوضع يبرز هشاشة الاتفاقيات الدولية ويعقد أي محاولات مستقبلية لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
الرد الدولي: عجز وانقسام يهددان الأمن العالمي
وسط هذا الغموض، طالبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش عاجل وفوري للمواقع الإيرانية لتحديد مصير اليورانيوم المخصب. لكن الرد الإيراني كان حازمًا وصادمًا: رفض التعاون الكامل. يرى المجتمع الدولي أن هذه المادة تشكل خطرًا وجوديًا لا يمكن التهاون معه. دعت دول أوروبية رئيسية، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا، إلى فرض عقوبات أشد على إيران، حيث أشار المستشار الألماني فريدريش ميرز إلى أن "سعي إيران لامتلاك قنبلة نووية لم يعد محل شك" وفقًا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل. واقترحت فرنسا عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة الأزمة.
في المقابل، تُظهر المواقف الروسية انقسامًا دوليًا حادًا، حيث عارضت روسيا فرض عقوبات جديدة على إيران، وفقًا لصحيفة برافدا معتبرة الضربات الأمريكية "انتهاكًا للسيادة الإيرانية". هذا الانقسام الدولي يصعب بشكل كبير من الجهود الجماعية لاحتواء التهديد النووي الإيراني. في آسيا، تستمر الصين في الدعوة إلى "ضبط النفس" والتركيز على الحلول الدبلوماسية. أكد مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي شمخاني أن إيران تحتفظ بالمخزون والمعرفة التقنية، مهددًا برد "مدمر" إذا تصاعدت الضغوط الدولية، وفقًا لوكالة أنباء فارس.
السيناريوهات المحتملة: كارثة نووية وشيكة أم ورقة سياسية؟
يفتح مصير اليورانيوم المفقود الباب على مصراعيه أمام سيناريوهات مرعبة. قد تكون إيران قد نقلت المخزون إلى مواقع سرية ومحصنة تحت الأرض لمواصلة برنامجها النووي بعيدًا عن أي رقابة، مما يثير تساؤلات حول قدرتها على استئناف التخصيب، وربما الوصول إلى تخصيب 90% تحت الأرض.
هناك أيضًا تكهنات بأن إيران قد تسعى للحصول على رؤوس نووية من دول أخرى، مما يعقد المشهد الجيوسياسي ويدخل العالم في سباق تسلح نووي جديد وخطير. ومع ذلك، قد يكون هناك سيناريو آخر، وهو أن إيران قد تستغل هذا المخزون كورقة ضغط دبلوماسية قوية للتفاوض مع القوى الغربية واستخراج تنازلات، أو حتى لتعزيز نفوذها في المنطقة. يؤكد مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي شمخاني أن إيران تحتفظ بالمعرفة التقنية اللازمة لإعادة بناء برنامجها النووي، مما يعزز هذه المخاوف ويزيد من غموض المشهد العام. تثير تحركات خبراء نوويين إيرانيين إلى مواقع مجهولة الشكوك حول نوايا طهران، سواء كانت تخطط لتطوير سلاح نووي بشكل مباشر أو تستعد لمواجهة طويلة الأمد مع المجتمع الدولي.
سباق مع الزمن لكشف اللغز قبل فوات الأوان
إن اختفاء 409 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب إلى جهة غير معلومة ليس مجرد أزمة إقليمية عابرة، بل هو تهديد عالمي مباشر ووجودي يتطلب تحركًا دوليًا عاجلًا وغير مسبوق. إن استمرار البحث عن المخزون دون جدوى يزيد من التوتر بشكل كبير، بينما تُظهر وفقًا لصحيفة إيكونوميك تايمز قدرة إيران على نقل المادة قبل الضربات تفوقها الاستراتيجي وقدرتها على المباغتة والمناورة ببراعة في أصعب الظروف. مع تصاعد التوترات ورفض إيران المستمر للشفافية، يبقى السؤال المحوري الذي يطرح نفسه بقوة على جميع القوى العالمية: هل سيتمكن العالم من احتواء هذه المصيبة النووية قبل أن تتحول إلى كارثة عالمية شاملة وغير مسبوقة؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة، لكن الخطر يظل قائمًا وملحًا، ويستدعي تحركًا عالميًا فوريًا وحاسمًا قبل فوات الأوان، وقبل أن تتجاوز الأمور نقطة اللاعودة.