تجربة مثيرة أجراها فريق من الباحثين في هولندا، حيث قاموا بتغذية مجموعة من فئران التجارب بوجبات غنية بشحم الخنزير ثم زرعوا مجموعة من الديدان الطفيلية داخل أجسامها. وفي إطار هذه التجربة التي تندرج في إطار أبحاث التمثيل الغذائي والسمنة، شقت الديدان طريقها تحت جلد الفئران وتسللت إلى الأوعية الدموية المحيطة بالأمعاء ووضعت بيضها.
برونو جويجاس، الباحث المتخصص في علم الأحياء الجزيئية في مركز الأمراض المعدية التابع لجامعة لايدن الهولندية، قال: “لقد كانت النتيجة رائعة”، موضحا أن الفئران التي تحتوي أجسامها على الديدان فقدت الوزن بشكل كبير مقارنة بالفئران السليمة، وفي غضون شهر واحد أصبحت أكثر نحافة بشكل واضح إلى درجة أنه لم تعد هناك حاجة إلى استخدام الميزان للتيقن من نتيجة التجربة.
وعلى الرغم من أنه من البديهي أن الديدان تقتات على الغذاء الذي يدخل جسم العائل مما يؤدي إلى النحافة جراء نقص المغذيات، فإن هناك آلية أخرى تعمل داخل الجسم ترتبط بمبحث علمي جديد يعرف باسم التمثيل الغذائي المناعي ويتعلق بالعلاقة بين النظام المناعي وعملية الأيض أو التمثيل الغذائي.
وبعد عقود من البحث، توصل العلماء إلى أن دور الجهاز المناعي لا يقتصر على مكافحة العدوى فقط؛ بل يرتبط بوظائف أعضاء أخرى في الجسم مثل الكبد والبنكرياس والانسجة الدهنية، وأنه يلعب دورا مهما في بعض الاضطرابات مثل السمنة وأمراض مثل النوع الثاني من السكري، حيث إن المناعة قد تصيب الجسم بالالتهاب أثناء مكافحة العدوى وأن الالتهاب يؤثر بدوره على التمثيل الغذائي.
وفي إطار دراسة نشرتها الدورية العلمية Annual Review of Nutrition المتخصصة في أمراض التغذية، توصل فريق بحثي خلال تجارب سريرية لأشخاص يعانون من مشكلة الديدان بشكل طبيعي أو تم زرع الديدان داخل أجسامهم لغرض التجارب إلى أن الديدان تقلل بالفعل من التهابات الجسم لأسباب فسيولوجية لا تزال غير واضحة تماما.
وقال الباحث برونو جويجاس في تصريحات للموقع الإلكتروني “Knowable Magazine” المتخصص في الأبحاث العلمية: “بالطبع، لن نعالج أمراض التمثيل الغذائي عن طريق زرع الديدان داخل أجسام المرضى، بسبب الأعراض الجانبية التي تتسبب فيها؛ ولكن الديدان تعتبر أداة ثمينة بالنسبة للعلماء لدراسة العلاقة بين الالتهاب والتمثيل الغذائي، وقد تؤدي نتائج التجارب إلى اكتشاف وسائل جديدة لعلاج مشكلات مثل السمنة وغيرها.
وركزت الدراسة على بعض أنواع الطفيليات، مثل الديدان المسطحة والخيطية؛ وهي آفة يعاني منها قرابة 1,5 مليارات شخص حول العالم. وفي حالة انتشار هذه الديدان بأعداد كبيرة داخل الجسم، فإنها تصيب الشخص بأعراض مثل الإسهال وسوء التغذية وتؤثر بشكل خطير على بعض الفئات مثل الأطفال والحوامل ومن يشكون من أمراض مناعية.
وفي تصريحات لموقع Knowable Magazine، أبرز الباحث بول جياكومين، خبير أمراض المناعة بجامعة جيمس كوك الأسترالية، أنه “بالنسبة لغالبية البشر، أن الإصابة ببضع ديدان تعتبر عدوى حميدة، وأعتقد أن هناك نوعا من الهدنة بين الانسان والديدان تحققت على مدار تطور وارتقاء البشر”.
وأوضح جياكومين أن الديدان تحمل داخلها نوعا من الجزيئات المتقدمة تخاطب الجهاز المناعي للجسم كما لو كانت تقول له “أنا لست هنا… لا تقلق بشأني”. ولعل هذه النوعية من الجزيئات هي التي تخفف من تأثير الالتهابات داخل أجسام البشر.
وقد لاحظ العلماء العلاقة بين أمراض التمثيل الغذائي وبين العدوى بالديدان من خلال سلسلة أبحاث أجريت في أستراليا والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا، حيث تبين أن الأشخاص الذين يعانون من أمراض تمثيل غذائي مثل السكري يكونون أقل عرضة للإصابة بالديدان الطفيلية وأن الديدان تقلل أيضا فرص الإصابة بمثل هذه الأمراض.
وأكد أري مولوفسكي، الباحث المتخصص في أمراض المناعة بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، أن “هذه الملاحظة قوية للغاية”. كما وجد العلماء أن أدوية القضاء على الديدان الطفيلية تزيد من أمراض التمثيل الغذائي في الجسم.
أما الفرضية العلمية التي تشرح هذه العملية، فهي أن مشكلات التمثيل الغذائي تؤدي إلى استثارة رد فعل مناعي حاد داخل الجسم، حيث يبعث العضو المريض بمشكلة تتعلق بالأيض إشارة استغاثة لجهاز المناعة. وعندما تصل الخلايا المناعية إلى العضو المصاب، فإنها تحدث نوعا من الالتهاب يعرف باسم TH 1. وعلى الرغم من فائدة هذه الالتهابات في مكافحة الفيروسات، فإنها تفاقم من مشكلة التمثيل الغذائي عن طريق منع إفراز الإنسولين وزيادة مقاومة الجسم له.
وتبين للعلماء أن الديدان تساعد في كسر هذه الدائرة، حيث إن تلك الجزيئات المتقدمة التي تحملها تبعث برسالة “أنا لست هنا”؛ مما يخفف من تأثير الالتهاب TH 1 وتقوم بتطبيع استجابة الجسم لمشكلة التمثيل الغذائي أو الأيض.
وأبرز الباحثون أن الديدان تساهم بطريقة أخرى في إنقاص الوزن عن طريق تقليل الشهية وتغيير التركيب الميكروبي للجهاز الهضمي، وكلها عوامل تساهم في مكافحة السمنة.
ويأمل الباحثون في استخلاص تلك المركبات المفيدة من الديدان لعلاج مشكلات الأيض والجهاز المناعي دون الحاجة إلى زرع تلك الطفيليات في أجسام المرضى.
وقد أسس الباحث جياكومين، بالفعل، شركة أطلق عليها اسم Microbiome Therapeutics تهدف إلى تطوير جزيئات مستخلصة من الديدان تستخدم في الأغراض العلاجية. وقال الباحثون إن هذه العلاجات ستكون في صورة عقاقير أسهل في تناولها من ابتلاع ديدان تتلوى وتنبض بالحياة.