أخبار عاجلة
دوى انفجارات فى تل أبيب والقدس -

بدون عنوان: القنب الهندي المغربي.. من الحقول التقليدية إلى رفوف الصيدليات

بدون عنوان: القنب الهندي المغربي.. من الحقول التقليدية إلى رفوف الصيدليات
بدون عنوان: القنب الهندي المغربي.. من الحقول التقليدية إلى رفوف الصيدليات

في حُقولٍ لطالما كانت مَسرحًا للغُموضِ والمُطاردةِ، حيثُ تتجذَّرُ زراعةُ القنَّبِ الهنديِّ عبرَ قرون، بدأتْ رياحُ التغييرِ تَهبُّ، نبتةٌ ارتبطتْ طويلًا بالمحظورِ تَفتحُ اليومَ آفاقًا جديدةً، خصوصًا في المجالِ الطبيِّ.

من زمن المطاردة إلى زمن القانون

لم تَعُدِ النبتةُ تُزرَعُ خُفيةً، بل ضمنَ تعاونياتٍ مُرخَّصةٍ، تَسعى إلى تحويلِ “الكِيفْ” من مادَّةٍ مُخدِّرةٍ إلى عناصرَ مُفيدةٍ، سواءٌ دوائيَّةٌ، تجميليَّةٌ، أو غيرِها.

يقول الغالي البادي، فلاح ستيني: “والدي كان يزرع القنب الهندي منذ زمن، ونحن بدورنا واصلنا ذلك، لكن الحياة حينها كانت مليئة بالخوف والذل. كنا نعيش في قلق دائم من رجال الدرك، نراقب الطريق، نخشى الاقتحام والاعتقال. لم يكن غرضنا المتاجرة بالمخدرات، بل كنا نزرع لنعيش. اليوم، وبفضل القانون الجديد، تنفسنا الصعداء، شعرنا بالحرية. لم يعد أحد يهددنا، أو يخيفنا. نشكر الله وندعو بالنصر لجلالة الملك على هذه المبادرة المباركة”.

أما محمد مخلوف، فلاح آخر، فيصف التحول قائلًا: “ولدت وأنا أرى ‘الكيف’ يُزرع حولي، عشت سنوات أعمل فيه، لكن لم أشعر يومًا بأن لي حياة طبيعية. كنا نعيش مهددين ليل نهار. اليوم، بفضل التعاونية، نبيع منتجنا بشكل قانوني، وتتم معالجته لأغراض طبية وتجميلية. شعرنا بالارتياح، وأبعدنا أبناءنا عن عالم الخطر والانحراف”.

فَتَحتْ نبتةُ القنَّبِ الهنديِّ آفاقًا جديدةً للاستثمارِ المشروعِ. تقنينٌ أطلقَ ديناميةً اقتصاديَّةً جذبتْ مُستثمرين مغاربةً وأجانبَ، رأَوا في هذه الأرضِ المعروفةِ تقليديًّا بـ”الكِيفْ” فرصةً لتأسيسِ صناعةٍ واعدةٍ.

صدر القانون 13.21 سنة 2021 ليؤطر الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، وخاصة في المجالات الطبية والتجميلية والصناعية. ومنذ ذلك الحين بدأت تعاونيات وفِرق بحث ومقاولات ناشئة تحويل هذه الزراعة من نشاط غير قانوني إلى صناعة وطنية متكاملة.

يقول عزيز مخلوف، رئيس تعاونية “بيوكانات” ومؤسس مشارك في شركة “كانافليكس”: “كانت البداية عامَ 2021 بمحض الصدفة، حين شاهدت تقريرًا عن توجه المغرب نحو تقنين الاستعمالات الطبية للقنب الهندي. كنت على دراية بتجربة بلجيكا منذ 2010، حيث يتم إنتاج النبتة في إطار قانوني. تساءلت: لماذا لا نفعل المثل؟ بدأت بأبحاث بسيطة، وفعلاً أسسنا مشروعًا برأسمال صغير لم يتجاوز 1500 درهم. منذ دخول القانون حيز التنفيذ شرعنا في دراسة السوق والمنتجات الممكنة، واليوم نحن جزء من هذه الدينامية”.

من الحقل إلى المختبر: سلسلة إنتاج دقيقة

من حُقولِ “الكِيفْ” التقليديةِ إلى مصانعَ حديثةٍ تعتمدُ تكنولوجيا مُتطوِّرةً، هكذا تُولدُ اليومَ صناعةٌ مغربيَّةٌ جديدةٌ للقنَّبِ الهنديِّ الطبيِّ، بطموحاتٍ تتجاوزُ الحدودَ الوطنيَّةَ. هسبريس تتبعتْ رحلةَ هذه النبتةِ، من تُربةِ الحقولِ الخصبةِ، مرورًا بمُختبراتِ التحويلِ الدقيقةِ، وصولًا إلى مُنتجاتٍ باتتْ تُعرَضُ اليومَ في رفوفِ الصيدلياتِ، حاملةً معها آمالًا علاجيَّةً وفرصًا اقتصاديَّةً واعدةً.

رحلة تحويل القنب الهندي تبدأ من استلام المواد الخام من الفلاحين، مرورًا بعمليات الفرز والتجفيف، وصولًا إلى استخلاص المركبات الفعالة (مثل الـCBD)، وهي مادة غير مؤثرة نفسيًا لكنها تحمل خصائص طبية مهمة.

يقول عادل حيون، مسؤول الإنتاج بتعاونية “بيوكانات” التحويلية: “نتسلم المواد الأولية من التعاونيات الفلاحية، ثم نقوم بفرزها حسب النوع والجودة. نفصل بين البذور والأوراق، لتتم معالجتها لاحقًا بشكل منفصل. من الأوراق نستخرج زيت الكانابيديول، وهو الأساس في الصناعات الدوائية والتجميلية”.

أما أيوب عبد الرحماني، المسؤول عن عملية الاستخلاص، فيوضح: “نخضع كل دفعة لعملية استخلاص دقيقة باستخدام ثاني أوكسيد الكربون، وهي تقنية صديقة للبيئة. نراقب درجة الحرارة والضغط بعناية لنضمن جودة المركبات الفعالة”.

ويشرح أسامة الغروص، مسؤول الجودة: “بعد الاستخلاص نمر بمراحل تنقية دقيقة. نضع المادة الخام في أجهزة التبريد لفصل الجزيئات، ثم نمررها عبر عملية التقطير التي تضمن استخلاص مركب الـCBD النقي، الذي نرسله إلى المختبرات المعتمدة”.

منتجات قانونية بتراخيص دقيقة

وهكذا، عبرَ سلسلةٍ من العملياتِ المُعقَّدةِ والدقيقةِ، تتحوَّلُ أوراقُ القنَّبِ الهنديِّ إلى موادَّ نقيَّةٍ عاليةِ الجودةِ، جاهزةٍ لتُصبحَ أساسًا لمُنتجاتٍ صيدلانيَّةٍ وتجميليةٍ تحملُ آمالًا جديدةً. تنقلتْ هسبريس إلى واحدٍ من المعاملِ حيثُ تتخذُ هذه الجُزيئاتُ النقيَّةُ مَسارَها نحوَ تطبيقاتٍ مُتعدِّدةٍ.

يؤكد مصطفى العدناني، المسؤول عن إنتاج المكملات الغذائية ومواد التجميل: “خضعنا لمجموعة من التراخيص من الوكالة الوطنية للأدوية، والمكتب الوطني للسلامة الصحية. المنتجات التجميلية يجب أن تحتوي على 0% من مادة THC، والمكملات لا تتجاوز 0.3%. نُجري تحاليل دقيقة ونقدّم الملفات للجهات المختصة قبل أي عملية تسويق”.

أمل طبي.. وتوسع في الاستخدامات

هي معاييرُ دقيقةٌ وعمليَّاتُ إنتاجٍ تخضعُ لرقابةٍ صارمةٍ تَضمنُ أنَّ الموادَّ المُستخلَصةَ من القنَّبِ الهنديِّ تتوافقُ مع المواصفاتِ المطلوبةِ، سواءٌ للمُكمِّلاتِ الغذائيَّةِ أو لمُستحضراتِ التجميلِ والأدويةِ.

وفي وحداتِ إنتاجٍ مُتخصِّصةٍ يتمُّ دمجُ جُزيئاتِ القنَّبِ الهنديِّ مع مُكوِّناتٍ أخرى مُختارةٍ بعنايةٍ، ليتحوَّلَ إلى مُنتجاتٍ مُبتكرةٍ تحملُ علاماتٍ تجاريَّةً مغربيَّةً. مُستحضراتٌ تجميليَّةٌ تستفيدُ من خصائصِ القنَّبِ الهنديِّ للعنايةِ بالبشرةِ والشعرِ، ومُكمِّلاتٌ غذائيَّةٌ تهدفُ إلى تعزيزِ الاسترخاءِ أو المُساعدةِ على النومِ، وغيرها من التطبيقاتِ الواعدةِ. هذه المُنتجاتُ بعدَ حصولِها على كافَّةِ التراخيصِ اللازمةِ من الجهاتِ المُختصَّةِ، كوزارةِ الصحَّةِ، تبدأُ رحلتَها الأخيرةَ نحوَ المُستهلكِ.

الدكتور محمد أبو الزهور، صيدلاني، يرى أن القنب الهندي يمثل إضافة حقيقية للطب: “يُستخدم في علاج الأرق، آلام المفاصل، التشنجات العصبية، وأمراض مثل الصرع والباركنسون. الأطباء أصبحوا يصفونه بشكل متزايد ضمن وصفات طبية”.

من تخفيفِ الآلامِ المُزمنةِ إلى المُساعدةِ على الاسترخاءِ وتحسينِ جودةِ الحياةِ، مرورًا بتطبيقاتٍ واعدةٍ في عالمِ التجميلِ، يفتحُ القنَّبُ الهنديُّ الطبيُّ بالفعلِ أبوابًا جديدةً في المغربِ. ورغمَ هذه الآفاقِ المُبشِّرةِ فإنَّ الطريقَ أمامَ هذا القطاعِ الناشئِ ليس مُمهَّدًا بالكاملِ، فمازالَ يُواجهُ مجموعةً من التحدِّياتِ الجوهريَّةِ التي تتطلَّبُ معالجةً دقيقةً.

ويقول الدكتور يونس كاديل، المتخصص في الصيدلة والأبحاث: “للقنب إمكانيات علاجية واسعة، بفضل نظامه التفاعلي في الجسم. المغرب قادر على تطوير أدوية حقيقية مبنية على هذه النبتة، لكن لا بد من تشجيع البحث العلمي وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص”.

نحو الأسواق العالمية

القنَّبُ الهنديُّ المغربيُّ وجهتُه أبعدُ من حدودِ الصناعاتِ المحليَّةِ، تصديرٌ للأسواقِ العالميَّةِ: هدفٌ إستراتيجيٌّ واعدٌ، وغايةُ هذا التصديرِ: الإسهامُ في إنتاجِ أدويةٍ بمعاييرَ دوليَّةٍ. نبتةُ “البلديَّةِ” الأصيلةُ: ركيزةٌ أساسيَّةٌ لهذا التوجُّهِ الطبيِّ العالميِّ.

محمد الورياشي، مستثمر ومستشار في مجال القنب الهندي بأوروبا، كشف أن المغرب بدأ بالفعل بتصدير أولى الشحنات إلى أوروبا، موردا: “أرسلنا أولى دفعات القنب نحو سويسرا لإجراء تجارب طبية. نحن نملك خبرة تاريخية وجودة عالية، ويمكننا أن نتميز عالميًا”.

تحديات حقيقية رغم الانطلاقة الواعدة

رؤيةٌ مُتفائلةٌ وآمالٌ كبيرةٌ يحملُها المُستثمرونَ والفاعلونَ في قطاعِ القنَّبِ الهنديِّ المغربيِّ، مُستندينَ إلى إرثٍ تاريخيٍّ وخبرةٍ مُتراكمةٍ، وإلى الخطواتِ الأولى المُشجِّعةِ نحوَ الأسواقِ العالميَّةِ، ولكن، لتحويلِ هذه الطموحاتِ إلى صناعةٍ دوائيَّةٍ مُستدامةٍ وقادرةٍ على المُنافسةِ عالميًّا يرى خبراءُ آخرونَ أنَّ المسارَ مازالَ يتطلَّبُ معالجةَ مجموعةٍ من التحدِّياتِ.

ويقول مخلوف: “نواجه صعوبات في النقل، خصوصًا من الدواوير المعزولة، إضافة إلى تحد أمني لضمان ألا يتحول المنتج المشروع إلى مسارات غير قانونية. بفضل التنسيق مع الوكالة الوطنية، لم نسجل أي خروقات إلى حد الآن”.

قصص من العفو والكرامة

هي تحدِّياتٌ مُتعدِّدةٌ وجوانبُ تنظيميَّةٌ دقيقةٌ تُواجهُ هذه الصناعةَ الناشئةَ في المغربِ، وتَتطلَّبُ تضافرَ جهودِ مُختلفِ الفاعلينَ لتجاوزِها وبناءِ قطاعٍ قويٍّ ومُستدامٍ. ولكنْ، رغمَ هذه العقباتِ لا يُمكنُ إغفالُ الأثرِ الإيجابيِّ الملموسِ الذي بدأ يظهرُ، ولو بشكلٍ تدريجيٍّ، على تنميةِ المناطقِ التي اشتهرتْ تاريخيًّا بزراعةِ القنَّبِ الهنديِّ.

تقنين القنب الهندي ترافق مع إصدار عفو ملكي عن عدد من الفلاحين. محمد العزوزي، أحد المستفيدين، يقول: “منذ حصولي على العفو تغيرت حياتي بالكامل. لم أعد أخاف على أولادي، ولا على نفسي. اليوم أريد أن أزرع بشكل قانوني، أعيش بكرامة، وأطمح لأن أكون جزءًا من تنمية بلدي”.

من الظلِّ إلى النورِ، ومن الخوفِ إلى الأملِ. قصةُ القنَّبِ الهنديِّ في المغربِ تُعيدُ كتابةَ نفسِها، حاملةً معها وعودًا بتغييرِ حياةِ الآلافِ وتحقيقِ تنميةٍ طالَ انتظارُها. التحدِّي الآنَ يكمنُ في تحويلِ هذه الوعودِ إلى واقعٍ ملموسٍ يستفيدُ منه الجميعُ.

" frameborder="0">

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رشوان توفيق ينعي سميحة أيوب: موهبتها خارقة.. وكانت ملكة المسرح العربي
التالى حضرت احتفالية.. محامي نوال الدجوي يرد على تحدي الخصوم: "الدجوي في كامل قواها العقلية