دخل التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل يومه السادس، منذ أن شنت تل أبيب غارات جوية مكثفة على منشآت نووية إيرانية في 13 يونيو، في تطور وصفه مراقبون بأنه الأخطر في تاريخ الصراع بين الطرفين، ما يسلط الضوء على الحاجة الملحة لتحرك دبلوماسي عاجل للحيلولة دون انزلاق المنطقة نحو حرب شاملة.
وبينما أعلنت إيران ردها الصاروخي الكثيف على تل أبيب وحيفا، بدا واضحًا أن الصراع خرج من دائرة الاستهداف الرمزي إلى مرحلة جديدة من المواجهة المباشرة، تتضمن تدميرًا ممنهجًا للبنية التحتية الحيوية لدى الطرفين.
الضربة الإسرائيلية، بحسب صحيفة "الجارديان"، تسببت في تدمير أكثر من 15 ألف جهاز طرد مركزي بمنشأة نطنز، أحد أهم مراكز تخصيب اليورانيوم في إيران. وأكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، تعرض المنشأة لأضرار جسيمة، وسط تقديرات إسرائيلية بأن البرنامج النووي الإيراني قد تراجع "لفترة طويلة جدًا"، وفق تصريحات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
كما أسفرت العملية عن مقتل قادة عسكريين بارزين في الحرس الثوري الإيراني، بينهم اللواء علي شادماني الذي لم يمضِ على تعيينه سوى أربعة أيام. وأشادت وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها "جويش نيوز" و"أويل برايس"، بما وصفته بـ"السيطرة الجوية شبه الكاملة" لتل أبيب على المجال الجوي الإيراني.
إيران ترد بضربات استراتيجية واسعة
وردت طهران عبر عملية "الوعد الصادق 3" بإطلاق وابل من الصواريخ الباليستية على مواقع حيوية داخل إسرائيل، منها مقر وزارة الدفاع (الكرياه) في تل أبيب، ومعهد وايزمان للعلوم في رحوفوت، وقاعدتا نواتيم وتل نوف الجويتان. ووفق تقارير لـ"نيويورك تايمز" و"هآرتس"، خلفت الضربات دمارًا واسعًا، بما في ذلك تدمير تسعة مبانٍ سكنية في رامات جان.
ورغم فعالية منظومة القبة الحديدية، إلا أن حجم الاستهداف أعاد إلى الأذهان سيناريوهات الحروب الشاملة، فيما وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بجائي، الهجمات بأنها "رد مشروع على عدوان إسرائيلي سافر".
في ظل الغموض الذي يلف مستقبل المواجهة، تتفاقم الأزمات في دول المنطقة، وعلى رأسها مصر التي تعاني من آثار مباشرة على قطاع الطاقة. فقد أدى إغلاق حقل ليفياثان الإسرائيلي إلى توقف واردات الغاز، ما أجبر القاهرة على اللجوء إلى الاستيراد بأسعار مرتفعة، عبر 290 شحنة تم التعاقد عليها حتى 2027، وفق ما أوردته وكالة "رويترز".
وفي السياق ذاته، تراجعت إيرادات قناة السويس إلى 1.8 مليار دولار في النصف الأول من العام المالي الحالي، بانخفاض حاد نتيجة اضطرابات البحر الأحمر، واحتمال امتداد التصعيد إلى مضيق هرمز، ما يهدد بتراجع أكبر في حركة الملاحة، بحسب تقديرات حكومية نقلها "الرئيس نيوز".
ترامب يصعّد
وعلى الجانب السياسي، دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتجاه مزيد من التصعيد، داعيًا إلى "استسلام كامل" لإيران، بعد أن اتهمها بتجاهل مهلة تفاوضية. وألغيت على إثر ذلك محادثات كان من المقرر عقدها في عمان، بينما لم تُسجل أي اعتداءات إيرانية على المصالح الأمريكية منذ بدء التصعيد، وفق تقرير لموقع "إنرجي إنتليجنس".
في المقابل، تبذل أوروبا جهودًا لاحتواء الأزمة. وأكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاجا كالاس، أهمية المسار الدبلوماسي بعد محادثات مع نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. كما أبدت دول مجموعة السبع، خلال قمتها في كندا، قلقًا من انزلاق المنطقة نحو كارثة نووية.
القلق من “السيناريو الإشعاعي”
حذرت تقارير إسرائيلية من إمكانية لجوء إيران إلى استخدام "أسلحة ملوثة إشعاعيًا"، وسط مخاوف متزايدة من ضربات انتقامية ضد مصالح غربية. وكشف تقرير بريطاني استخباراتي في 2022 عن قائمة أهداف إيرانية في المملكة المتحدة، ما دفع منظمة "أمن المجتمع اليهودي" إلى التحذير من احتمالية تعرض الجاليات لهجمات.
وهددت طهران أيضًا بإغلاق مضيق هرمز، ما قد يعطل نحو 20% من إمدادات النفط العالمية، بينما ألمح محللون إلى إمكانية استهداف قواعد أمريكية في الخليج حال تطور الصراع.
رغم التصريحات التصعيدية من كلا الجانبين، تبرز مبادرات دبلوماسية بديلة. فقد عرض كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، الوساطة لوقف الأعمال العدائية، وسط تقارير عن استعداد إيراني لتقديم "مرونة نووية" مقابل وقف الغارات الإسرائيلية.
ووسط انسداد الأفق، يبدو أن مصير الشرق الأوسط معلق على مدى قدرة القوى الكبرى على ضبط النفس، وإيجاد مخرج سياسي سريع قبل أن تنفجر المنطقة برمتها.