شهدت الساعات الأخيرة عاصفة إلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي، محورها اسم أثار الجدل والذهول في الأوساط الإيرانية والدولية على حد سواء.. كاترين بيريز شاكدام.
اسم كاترين بيريز شاكدام كان حتى وقت قريب مرادفًا للولاء للنظام الإيراني في كتاباتها وتحليلاتها الإنجليزي، تحول فجأة إلى بؤرة اتهامات خطيرة من قبل ناشطين إيرانيين بأنها "جاسوسة للموساد الإسرائيلي"، في قصة تبدو مستوحاة من روايات التجسس الأكثر تعقيدًا.
البداية: من لندن إلى قلب طهران
تعود جذور القصة إلى عام 1999. كانت كاترين بيريز شاكدام، الفرنسية المولد واليهودية الأصل، طالبة في كلية لندن للاقتصاد المرموقة (LSE). هناك، التقت بزوجها المستقبلي، وهو مسلم سني من صنعاء باليمن، وتزوجا بعد ستة أشهر فقط من التعارف، وفقًا لما أوردته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
على الرغم من كون زوجها سنيًا، انجذبت كاترين بقوة نحو المذهب الشيعي الاثني عشري، دين الدولة الرسمي في إيران، اعتنقت الإسلام الشيعي، وارتدت الحجاب بصرامة، وتحولت إلى "شيعية ملتزمة" بحسب وصفها ووصف وسائل إعلام موالية لإيران مثل "إيران إنترناشيونال".
الصعود داخل دهاليز النظام الإيراني
بجواز سفرها الفرنسي وهوية مسلمة شيعية جديدة، دخلت شاكدام إلى دائرة النظام الإيراني من أوسع الأبواب، حيث شرعت في بناء مسيرة إعلامية متميزة بالولاء. كتبت عشرات المقالات باللغة الإنجليزية في صحف إيرانية رسمية وقنوات إعلامية موالية، ركزت فيها على تغطية أخبار النظام وأنشطة وكلائه في المنطقة (مثل حزب الله وحرس الثورة الإسلامية) بشكل إيجابي وممجّد.
بلغ ولائها المعلن ذروته في مقالات مثل التي نشرتها عام 2014 في صحيفة إيرانية رسمية، عنونت فيها: "الصهاينة يخططون لإبادة الإسلام"، ووصفت المستوطنين الإسرائيليين الذين يصعدون للصلاة في الحرم القدسي بـ"الكلاب المسعورة".

توطدت مكانتها أكثر فأكثر، حتى وصلت إلى قمة الهرم السياسي. في عام 2017، خلال الحملة الانتخابية للرئاسة الإيرانية، أجرت مقابلة تلفزيونية مهمة مع إبراهيم رئيسي (الذي أصبح رئيسًا لاحقًا ثم توفي في حادث طائرة) لقناة "روسيا اليوم".
هذه المقابلة، حيث ظهرت كمحايرة محجبة وملتزمة، رفعتها إلى مصاف الشخصيات الإعلامية البارزة والموثوقة داخل النظام.
بلغت ثقة النظام بها درجة منحها تصريحًا خاصًا لمرافقة رئيسي في حملته الانتخابية إلى مدينة رشت الإيرانية، وتسجيل تقارير معه.
الأكثر إثارة للدهشة، وفقًا لتقارير إعلامية، هو حصولها على إذن بنشر ما لا يقل عن 18 مقالًا على الموقع الرسمي للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، وهو امتياز نادر جدًا لغير الإيرانيين.
الانقلاب.. العودة إلى الجذور وفضيحة الهوية
بعد خمس سنوات فقط من تلك المقابلة المحورية مع رئيسي، حدث ما هزّ الصورة التي بنتها شاكدام بعناية.
في عام 2022، أعلنت كاترين بيريز شاكدام عودتها إلى ديانتها الأصلية، اليهودية. وفي مقابلة صادمة مع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، قدمت تفسيرًا شخصيًا عميقًا ومثيرًا لسنوات ولائها الظاهري للنظام الإيراني: "بدأت أدرك أنني لسنوات كنت أخدم مصالح نفس أولئك الذين يريدون رحيلنا (أي اليهود)... لسنوات، كان دافعي نابعًا عن كراهية الذات، لكن مع الوقت تستيقظ وتدرك أنه لا يمكنك إنكار هويتك".
كشفت عن أن خلفيتها اليهودية كانت مصدر خلاف كبير مع عائلة زوجها اليمني، بل و"مصدر عار" لها في ذلك المحيط.
اتهامات التجسس والعاصفة الجدلية
لم تمر هذه العودة بهدوء، فجر الكشف عن هويتها اليهودية الأصلية وروايتها عن "كراهية الذات" عاصفة هائلة من الجدل والاتهامات في إيران، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي ومن قبل ناشطين موالين للنظام.
سرعان ما تحولت الاتهامات من مجرد خداع إلى ادعاءات خطيرة بأن نشاطها طوال السنوات الماضية كان غطاءً لعملية تجسس معقدة لصالح الموساد الإسرائيلي.
وجدت هذه المزاعم أرضًا خصبة في ظل العداء التاريخي العميق بين إيران وإسرائيل والبيئة المشبعة بالشكوك داخل المؤسسة الإيرانية.

وتصاعدت حدة الاتهامات عندما تبنى أنصار الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، الرواية وذهبوا إلى أبعد من ذلك، حيث أشار مسؤولون في معسكره، وفقًا لتقارير نشرتها وسائل إعلام مثل "إندبندنت فارسي"، إلى مزاعم غير مؤكدة تفيد بأن شاكدام "أقامت علاقات جنسية مع العشرات من المسؤولين" الإيرانيين كجزء من عملية التجسس المزعومة. ورد المسؤولون الإيرانيون الذين تم تسميتهم بنفي هذه العلاقات بشدة.
الإنكارات والمستقبل الغامض
واجهت شاكدام هذه الاتهامات بالرفض القاطع. نفت بشكل قاطع أي علاقة لها بالموساد أو أي نشاط تجسسي، مؤكدة أن رحلتها كانت بحثًا شخصيًا عن الهوية. من جانبه، نفى مكتب المرشد الأعلى آية الله خامنئي رسميًا أي علاقة له بها أو علم بنشاطها المزعوم، محاولًا وضع مسافة بين المؤسسة العليا في النظام والفضيحة المتصاعدة.
--
مصادر التقرير:
إيران إنترناشيونال
صحيفة "تايمز أوف إسرائيل
وسائل التواصل الاجتماعي والناشطين الإيرانيين
إندبندنت فارسي
بيانات النفي الصادرة عن ممثلي كاترين بيريز شاكدام ومكتب المرشد الأعلى الإيراني