في اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، تجدد منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تأكيدها على التزامها الراسخ بدعم الجهود التحولية التي تقودها المملكة العربية السعودية لإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، ومكافحة زحف الرمال، وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ.
وتحت شعار “استعادة الأراضي وإطلاق الفرص”، يسلط هذا اليوم الضوء على الدور الحيوي الذي تلعبه استعادة الأراضي في تعزيز الاستدامة البيئية، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتحقيق الرفاه الاجتماعي. كما يتزامن مع عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام البيئي(2021–2030)، والذي يمثل دعوة عالمية للدول والمجتمعات والمنظمات لتوحيد الجهود من أجل استعادة النظم البيئية المتدهورة وتعزيز قدرتها على الصمود.ويأتي هذا اليوم أيضًا ليحتفي بأكثر من ستة عقود من الشراكة المتينة والمثمرة بين المملكة العربية السعودية ومنظمة الفاو — وهي شراكة استراتيجية أثمرت عن إنجازات ملموسة في مجالات الإدارة المستدامة للأراضي، والتكيف مع تغير المناخ، وتعزيز الأمن الغذائي.
إرث من الشراكة الراسخة من أجل التنمية المستدامة
منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي، شكّلت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) شريكًا استراتيجيًا للمملكة العربية السعودية في مسيرة التنمية الزراعية والبيئية. بدأت هذه الشراكة بمشاريع ري رائدة في وادي جازان، وسرعان ما توسعت لتشمل دعم سبل العيش في المناطق الريفية، وإدارة الغابات، واستعادة وتأهيل المراعي، وبناء القدرات المؤسسية.واليوم، تواصل المملكة تعزيز هذا الإرث من خلال تصدرها للجهود العالمية الرامية إلى مكافحة تدهور الأراضي، والتخفيف من آثار الجفاف، وخفض الانبعاثات الكربونية، وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ. ويأتي ذلك عبر تبني سياسات مبتكرة وتنفيذ مبادرات طموحة تتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، مما يجعلها نموذجًا عالميًا في الاستدامة البيئية والتنمية المتوازنة.
ريادة سعودية من خلال مبادرات قوية لاستعادة الأراضي ومواجهة التصحر
تواصل المملكة العربية السعودية ترسيخ مكانتها كقوة دافعة على الساحة الدولية في مجال استعادة الأراضي، من خلال الجمع بين الدبلوماسية الفاعلة والتمويل الطموح. ففي ديسمبر 2024، استضافت الرياض مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، حيث جمعت ما يقارب 200 دولة تحت سقف واحد، وأطلقت مبادرة رائدة بعنوان “شراكة الرياض العالمية من أجل القدرة على الصمود في مواجهة الجفاف”.وقد نجحت هذه المبادرة في حشد أكثر من 12 مليار ريال سعودي (نحو 3.2 مليار دولار أمريكي)، موجهة لدعم الدول المعرضة للجفاف عبر استثمارات من القطاعين العام والخاص. وتستهدف هذه الشراكة أكثر من 80 دولة من بين الأكثر هشاشة، مما يعزز قدرتها على التصدي لتدهور الأراضي والتكيف مع تحديات الجفاف المتزايدة.
في إطار رؤية المملكة 2030، أطلقت المملكة العربية السعودية “مبادرة السعودية الخضراء”، التي تهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة، وتوسيع نطاق المناطق الطبيعية المحمية لتغطي 30% من مساحة المملكة، بالإضافة إلى تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة. واعتبارًا من عام 2023، تم زراعة أكثر من 41 مليون شجرة بنجاح في مختلف أنحاء المملكة والمنطقة، في خطوة تعكس ريادة المملكة في جهود التشجير على المستويين الإقليمي والعالمي.وبالتوازي، تقود المملكة أيضًا “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”، التي تهدف إلى زراعة 40 مليار شجرة إضافية في أنحاء المنطقة، مما يضع السعودية في طليعة واحدة من أكثر حملات التشجير طموحًا على مستوى العالم.
وتجسد مشاريع ميدانية مثل إعادة تأهيل منطقة البيضاء قرب مكة المكرمة مثالاً حيًا على دمج تقنيات حصاد المياه التقليدية مع أساليب الزراعة المستدامة في البيئات الجافة. كما شهد منتزه ثادق الوطني عمليات إعادة تأهيل ناجحة، تم خلالها زراعة مئات الآلاف من الشتلات المحلية، ما ساهم في تثبيت التربة، والحد من التعرية، وتحسين الصحة البيئية للنظام الطبيعي.
دعم متواصل من الفاو ورؤية مستقبلية واعدة
تواصل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) دورها كشريك فني موثوق للمملكة العربية السعودية، من خلال برنامج التنمية الزراعية الريفية المستدامة، بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، ووزارة البيئة والمياه والزراعة. ويهدف هذا التعاون إلى تنفيذ أطر فعالة للإدارة المستدامة للأراضي، وتوسيع نطاق مشاريع إعادة تأهيل الموارد الطبيعية، وبناء القدرات الوطنية.
ويضطلع المركز، وهو أحد المراكز التابعة لوزارة البيئة والمياه والزراعة، بدور محوري في إعداد وتنفيذ خطط استراتيجية لمكافحة التصحر والجفاف وزحف الرمال. وبفضل الدعم الفني من الفاو، أعد المركز خطة وطنية شاملة تتضمن أنظمة للإنذار المبكر، وبرامج للتشجير، واستعادة المراعي، ومبادرات مجتمعية لإعادة تأهيل الأراضي. وقد بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها في مناطق ذات أولوية مثل الجوف وتبوك والمنطقة الشرقية.
كما يسهم المركز في تعزيز التزامات المملكة الدولية في مجال مكافحة التصحر وتدهور الأراضي، ويسعى إلى تحقيق هدفي التنمية المستدامة 13 و15، ودعم الخطة الاستراتيجية للأمم المتحدة للغابات، والإطار الاستراتيجي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى جانب المساهمة في تحدي بون العالمي.
وفي عام 2024، نظّمت الفاو بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر والشبكة العالمية لنهج وتكنولوجيا حفظ المواردبرنامجًا تدريبيًا متقدمًا لأكثر من 40 خبيرًا وطنيًا في تقنيات الإدارة المستدامة للأراضي. وأسفرت هذه الجهود، بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني، عن إنشاء مشاتل للنباتات المحلية، وتشكيل أحزمة شجرية، واستخدام حواجز ميكانيكية من سعف النخيل الجاف للحد من زحف الرمال، إلى جانب تنفيذ حملات توعية مجتمعية، مما مكّن المجتمعات المحلية من حماية وإعادة تأهيل أراضيها.
وفي جهد تعاوني لمكافحة التصحر، نفذت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر زيارة دراسية إلى معهد قانسيو لبحوث السيطرة على التصحر في الصين. وعليه، تم تنفيذ أربع تجارب ميدانية مبتكرة لتثبيت الرمال في المنطقة الشرقية، من خلال دمج تصاميم ميكانيكية متطورة مع أدوات مراقبة حديثة. وتُظهر هذه التجارب نتائج واعدة في تثبيت حركة الكثبان الرملية، وزيادة الغطاء النباتي، واستعادة التوازن البيئي في المناطق الهشة.
وفي مشروع مشترك آخر، تعمل الفاو مع المؤسسة العامة للري على تنفيذ مشروع لاستعادة الأراضي على الحدود الشمالية للطريق الدائري الشمالي لبحيرة الأصفر، بمساحة تقارب 47.3هكتارًا. ويعتمد المشروع على أربع تقنيات مبتكرة تشمل: تتبع حركة الكثبان الرملية، وقياس تدفق الرمال، ومراقبة نمو الغطاء النباتي، وتحليل كثافة ومسامية مصدات الرياح، بهدف تقييم فعالية وتحسين أنشطة وجهودالحد من زحف الرمال.
وتجسد هذه الجهود المتواصلة التزام الفاو الراسخ بتعزيز الحلول العلمية لمكافحة التصحر، والعمل جنبًا إلى جنب مع وزارة البيئة والمياه والزراعة، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي، والمؤسسة العامة للري، لتسليط الضوء على أهمية الحواجز الميكانيكية والاستراتيجيات المبتكرة في استعادة النظم البيئية وبناء القدرة على الصمود في البيئات الجافة.
مسؤولية جماعية لاستعادة الأراضي
تُجسد تجربة المملكة العربية السعودية نموذجًا ملهمًا لما يمكن تحقيقه عندما تتكامل العلوم والسياسات والرؤى في إطار واحد. فهذه الجهود لا تقتصر على إحداث تحولات جذرية في المشهد البيئي الوطني، بل تقدم أيضًا دروسًا قيّمة للمجتمع الدولي. ومن خلال الحلول التمويلية المبتكرة، والمبادرات القابلة للتوسع في استعادة الأراضي الجافة، تؤكد المملكة أن تدهور الأراضي والجفاف ليسا قدرًا محتومًا، بل تحديات يمكن التغلب عليها بالإرادة والعمل المشترك.
يمثل تدهور الأراضي تحديًا كبيرًا، لكنه في الوقت ذاته فرصة فريدة. فمن خلال الابتكار، والتعاون، والالتزام الراسخ بالحلول العلمية، يمكننا إعادة تأهيل أراضينا، وإنعاش النظم البيئية، وفتح آفاق مستقبل مستدام للمملكة ولدول المنطقة، وحماية كوكبنا للأجيال القادمة. فكل خطوة نتخذها اليوم تقربنا من عالم تصبح فيه الأرض مصدرًا للصمود والفرص.
تفخر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدةبالعمل جنبًا إلى جنب مع المملكة ومنظومة وزارة البيئة والمياه والزراعة وشركائنا الوطنيين لتسليط الضوء على هذه الجهود الرائدة. وفي هذا اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، نحتفي بما تحقق من تقدم، ونتبادل المعرفة، ونجدد التزامنا المشترك بحماية الأراضي وإعادة تأهيلها لخدمة الأجيال الحالية والمستقبلية.”