لطالما وقف الأزهر الشريف، عبر أكثر من ألف عام، كمنارة للعلم والمعرفة والوسطية الإسلامية، حاملاً لواء تعزيز الهوية العربية والإسلامية. وفي العصر الحديث، أدرك الأزهر الدور المحوري لمرحلة الطفولة المبكرة في تشكيل شخصية الفرد وقيمه، فامتدت رؤيته التربوية لتشمل (رياض الأطفال)، ليكون حجر الأساس في بناء جيل جديد متزن، متعلّم، ومتّسم بالأخلاق الفاضلة ،هذه الرؤية الشاملة والمتوازنة هي سرّ تميُّز الأزهر، وجوهر كونه الخيار التربوي الأبرز للأسر المسلمة الواعية التي تُدرك أهمية التأسيس المبكر للهوية والقيم.
فيتم ذلك من خلال (البداية المبكرة وغرس البذور الصالحة )
تؤمن فلسفة التربية في الأزهر بأن التربية الصحيحة تبدأ من المهد، فمرحلة رياض الأطفال (ما قبل المدرسة) ليست مجرد تحضير أكاديمي، بل هي مرحلة تأسيسية حاسمة لـ:
1- غرس القيم الإسلامية السمحة: يتعرف الطفل في بيئة الأزهر الآمنة والمحفزة على مبادئ الإسلام الأساسية بطريقة مبسطة تناسب عمره، مثل المحبة، الصدق، الأمانة، الرحمة، واحترام الكبير والعطف على الصغير، وتُقدم هذه القيم من خلال القصص الهادفة، الأناشيد الجميلة، الأنشطة التفاعلية، وسلوك المربين أنفسهم كنماذج يُحتذى بها.
2 - تعزيز الهوية والانتماء: يترسخ لدى الطفل شعور بالفخر بانتمائه لأمة الإسلام، ومعرفة مبادئها السمحة، واحترام رموزها الدينية، ويتعلم حب القرآن الكريم من خلال الاستماع إليه وتلاوة بعض السور القصيرة بطريقة محببة، ويتعرف على شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم كمثال للخلق العظيم.
3 - تنمية المهارات الحياتية الأساسية: يركز منهج الأزهر في رياض الأطفال على تطوير المهارات الاجتماعية (التعاون، المشاركة، احترام الآخر)، والعاطفية (التعبير عن المشاعر، ضبط النفس)، واللغوية (تعزيز اللغة العربية الفصحى المبسطة، والإنجليزية أحياناً)، والإدراكية (الاستكشاف، حل المشكلات البسيطة، الإبداع) والجسدية.
4 - بناء علاقة إيجابية مع الدين والتعلم: يحرص الأزهر على أن تكون أولى تجارب الطفل مع المفاهيم الدينية والتعليمية تجارب إيجابية، مليئة بالفرح والاستكشاف واللعب الهادف، بعيدة عن الترهيب أو الحفظ الجاف، مما يغرس فيه حب التعلّم وحب الدين.
أولا : خصائص منهج التربية الأزهرية في رياض الأطفال:
٭ التربية المتكاملة (التوحيد): تهدف إلى تنمية الطفل تنمية شاملة متوازنة (روحياً، عقلياً، وجدانياً، اجتماعياً، جسدياً) دون إهمال أي جانب.
٭ الوسطية والاعتدال: تقديم الإسلام بصورته الصحيحة السمحة ، البعيدة عن الغلو والتطرف، مع التركيز على القيم الإنسانية المشتركة.
٭ تحقيق التوازن بين الأصالة والمعاصرة: الحفاظ على الثوابت الدينية والهوية العربية مع دمج أساليب تربوية حديثة تعتمد على اللعب النشط، التعلم بالاستكشاف، واستخدام الوسائل التكنولوجية المناسبة للعمر.
٭ التركيز على البيئة الآمنة والمحفزة: توفير بيئات جذابة وآمنة تشجع الطفل على الحركة واللعب والتفاعل الإيجابي مع أقرانه ومعلميه.
٭ إعداد المربيات المؤهلات : الاهتمام بتدريب وتأهيل معلمات رياض الأطفال على أساليب التعامل مع هذه الفئة العمرية الحساسة، ودمج القيم الإسلامية في الأنشطة اليومية بشكل طبيعي وفعّال، مع التركيز على القدوة الحسنة.
(الأزهر شريك وطني في بناء الإنسان ) :
لا تقتصر رياض الأطفال الأزهرية على الجانب الديني فقط، فهي تتبنى المنهج الوطني لرياض الأطفال الصادر عن وزارة التربية والتعليم المصرية، مضيفةً إليه البُعد القيمي والروحي المميز. فهي تهدف إلى تخريج طفل:
(معتز بدينه وهويته) يعرف مبادئه ويعيشها ببساطة.
(متحلياً بالأخلاق الحميدة ) يتعامل برقي واحترام مع الجميع.
(مستعداً نفسياً واجتماعياً وعقلياً ) لديه المهارات الأساسية للانتقال للمرحلة الابتدائية بثقة.
(متحمساً للتعلم ) يرى في المدرسة والمعرفة مصدراً للبهجة والإنجاز.
ثانيا :فلسفة التربية الأزهرية في رياض الأطفال (التوازن بين الأصالة والحداثة )
يرتكز منهج الأزهر لرياض الأطفال على فلسفة تربوية فريدة، تجمع بين (حفظ الهوية الإسلامية ) و (مواكبة العلوم التربوية الحديثة )،هذه الفلسفة تنطلق من رؤية شاملة تُعَدُّ الطفل لبنةً أساسية في بناء المجتمع، وتُرسِّخ المفاهيم التالية:
1 - التربية المتكاملة (الروح والعقل والجسد): فلايقتصر المنهج على الجانب المعرفي، بل يدمج (التنمية الروحية ) (غرس محبة الله والرسول ﷺ عبر القصص والأناشيد)، و (النمو الاجتماعي ) (التعاون، احترام التنوع)، و (التطور الجسدي ) (أنشطة حركية هادفة).
كمثال: كأن يُقدَّم مفهوم "النظافة" كعبادة (إماطة الأذى عن الطريق) وعادة صحية في آنٍ واحد.
2 - الوسطية والاعتدال: فيُجنَّب الأطفال التعقيدات الفقهية، ويُركز على (القيم الإنسانية) مثل الصدق والأمانة والرحمة، مع تقديم الإسلام بصورة سمحة تُحفز التساؤل دون جمود.
كمثال: قصة (الطفل الذي أعاد لعبة صديقه ) لتعزيز الأمانة بدلاً من خطاب التخويف.
3 -التعلم من خلال اللعب والاستكشاف: فيحوِّل المنهج المفاهيم المجردة إلى (أنشطة حسية )(لعب تمثيلي، تجارب علمية بسيطة، رحلات)، لضمان تفاعل الطفل مع المحتوى الديني والعلمي بشغف.
كمثال: استخدام الرمل لرسم الحروف العربية، أو زراعة النبتات لتعريفهم بنعم الله.
٤-القدوة الحية: تُعدُّ المربيات (نموذجًا عمليًا ) للقيم، حيث يختبر الأطفال السلوكيات الأخلاقية (كالتسامح أو مساعدة الآخرين) من خلال تفاعل يومي مباشر.
٥ -الاندماج مع المنهج الوطني: يتبنى الأزهر المنهج المصري لرياض الأطفال (المستند إلى "دليل معايير التعلم")، مع إضافة حصة النشاط الديني اليومية (أناشيد، قصص السيرة، آداب الإسلام) دون إرباك الجدول الدراسي.
ثالثا: لماذا نختار التعليم الأزهري لأبنائنا؟
في ظلّ التحديات الفكرية والاجتماعية المعاصرة، يبحث الآباء عن بيئة تعليمية لا تُقدّم المعرفة فحسب، بل تُرسّخ (الهوية