في خطوة متوقعة على نطاق واسع، قرر بنك اليابان (BOJ) خلال اجتماعه اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025، الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، مع إعلانه خطة لتقليص تدريجي في وتيرة مشترياته من السندات الحكومية اليابانية بدءًا من السنة المالية المقبلة، في إشارة إلى بداية تحوّل حذر في سياسته النقدية شديدة التيسير.
السياسة النقدية: الاستمرارية الحذرة
أبقى البنك المركزي الياباني سعر الفائدة عند النطاق الحالي بين 0.0% و0.1%، مؤكدًا أنه لا يزال يرى حاجة إلى ظروف تمويل ميسرة لدعم التعافي الاقتصادي المستدام، لا سيما في ظل بقاء التضخم الأساسي دون المستهدف البالغ 2% في معظم الشهور الماضية.
لكن الأهم في البيان الصادر عن لجنة السياسة النقدية، هو إعلانها نيتها تقليص حجم مشترياتها من السندات الحكومية طويلة الأجل، وهي أداة استخدمها البنك لعقود ضمن سياسة "التحكم في منحنى العائد" (Yield Curve Control) لدفع العوائد للبقاء عند مستويات منخفضة للغاية، وتحفيز الإقراض والاستثمار.
ورغم أن البنك لم يحدد أرقامًا دقيقة لخفض المشتريات، إلا أن الخطوة تعكس تزايد قلق صانعي السياسة من حجم الميزانية العمومية للبنك، التي تجاوزت 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وتباطؤ فعالية التحفيز النقدي.
السياق الاقتصادي: تضخم منخفض ونمو هش
القرار يأتي وسط ظروف اقتصادية معقدة. فبينما أظهرت بعض المؤشرات تحسنًا طفيفًا في النشاط الصناعي والصادرات خلال الربع الأول من 2025، لا تزال معدلات النمو الاقتصادي بطيئة، والطلب المحلي ضعيف نتيجة شيخوخة السكان وتباطؤ نمو الأجور.
أما معدل التضخم الأساسي (باستثناء المواد الطازجة)، فقد تراجع خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلى أقل من 1.8%، ما يُبقي البنك في موقف المتريث بشأن أي رفع لأسعار الفائدة.
كما تلقي الاضطرابات الجيوسياسية العالمية، وعلى رأسها الحرب المفتوحة بين إيران وإسرائيل، بظلالها على آفاق الطاقة والتجارة، وهو ما يدفع البنك للموازنة بين مخاطر التضخم المستورد من الخارج، ومخاطر الركود الداخلي.
مقارنة دولية: تمايز السياسات النقدية
قرار بنك اليابان يبرز التباين الحاد بين نهجه ونهج بنوك مركزية أخرى:
البنك المركزي سعر الفائدة الحالي التوجه العام
الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي 5.25% – 5.50% تثبيت مؤقت مع ميل للخفض نهاية 2025
البنك المركزي الأوروبي 4.25% بدأ خفض تدريجي في يونيو 2025
بنك إنجلترا 4.75% تخفيض محتمل في الربع الثالث من 2025
بنك اليابان 0.0% – 0.1% تيسير مستمر مع تقليص أدوات الدعم غير التقليدي
هذا التباين يعكس خصوصية الحالة اليابانية، حيث لا تزال البلاد تعاني من إرث عقود من الانكماش والتضخم السلبي، ما جعل التحفيز النقدي ضرورة لا خيارًا.
الرؤية المستقبلية: ما الذي يمكن أن يتغير؟
رغم إبقاء أسعار الفائدة على حالها، فإن تقليص مشتريات السندات قد يُعد أول إشارة حقيقية على استعداد بنك اليابان للانتقال تدريجيًا إلى مرحلة "تطبيع السياسة النقدية"، إذا ما استمر التضخم في الاقتراب من المستهدف واستمر الاقتصاد في النمو.
لكن أي تحرك متسارع نحو التشديد قد يؤدي إلى:
رفع عوائد السندات الحكومية اليابانية، ما يزيد من كلفة خدمة الدين العام.
زيادة في قيمة الين الياباني، ما قد يضغط على الصادرات ويضعف الأداء التجاري.
انكماش في السيولة داخل السوق المحلي، ما ينعكس سلبًا على أسواق الأسهم والعقارات.
قرار بنك اليابان اليوم يعكس توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على الدعم النقدي اللازم للتعافي، وبين الاعتراف بحدود فعالية أدوات التيسير بعد عقدين من استخدامها المكثف. الخطوة نحو تقليص مشتريات السندات تمثل تحولًا محسوبًا، لكنها تظل مشروطة بعدم تدهور الأوضاع الاقتصادية أو تصاعد التضخم العالمي.
الأسواق الآن تترقب مزيدًا من الإشارات في الاجتماعات القادمة لتحديد إن كان هذا بداية لتحوّل تدريجي أوسع في مسار السياسة النقدية اليابانية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.