أخبار عاجلة
إزالة 30 حالة تعد بقرى 8 مراكز في أسيوط -
بالصور.. شاحنة تدهس عددا من السيارات بالبرنوصي -

الحرب المقدسة في الجغرافيا الملتهبة: صراع الرايات والخرائط!

الحرب المقدسة في الجغرافيا الملتهبة: صراع الرايات والخرائط!
الحرب المقدسة في الجغرافيا الملتهبة: صراع الرايات والخرائط!

محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية

في قلب منطقةٍ لم تعرف السكون يومًا، تستعر اليوم حربٌ جديدة، ولكنها ليست كسابقاتها. إنها ليست مجرد مواجهة جيوسياسية عابرة، بل صراعٌ تلبّس بطابع ديني وتاريخي، يحاكي الملاحم القديمة، ويعيد رسم خرائط المنطقة تحت رايات مقدسة، وبدماء ساخنة تُراق باسم العقيدة والهوية.

في المشهد الإقليمي الراهن، تُرسم خرائط جديدة بالحبر المقدس والدم الساخن، ويبدو أن الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل قد تجاوزت حدود الاشتباك العسكري التقليدي، لتدخل منطقة الحروب الرمزية والدينية، حيث تتواجه الروايات والأساطير القديمة مع حسابات السياسة والواقع.

ترفع إسرائيل راية تحمل مدلولًا توراتيًّا، تصف نفسها بـ"الأسد الصاعد"، في استحضارٍ لأسطورة قديمة متجذّرة في النصوص الدينية، تُضفي على نفسها دور المختار والمخلّص. وفي المقابل، تشهر إيران صرخة "يا لثارات الحسين"، المستخرجة من سياق مأساويّ طويل ظلّ حيًّا في وجدان الشيعة منذ واقعة كربلاء، حاملةً معها مزيجًا من الألم والثأر والتحدي.

وما بين هذين الشعارين، المتناقضين ظاهريًا والمتشابكين دلاليًا، تدور معركة لا تشبه سوى تلك التي كانت تُخاض على أطراف التاريخ، لكنها اليوم تجري على أطراف المدن الحديثة، في الموانئ، والمياه الإقليمية، وعبر منصات الصواريخ والطائرات المسيّرة، وتحت ظلال تحالفات تتغير كل لحظة.

وهنا تتحول طبيعة الصراع تدريجيًا من طابعه الجيوسياسي التقليدي - الذي كان يُدار عبر تحالفات ومصالح إقليمية - إلى طابع ديني صرف، يُستدعى فيه التاريخ والعقيدة والطائفية كوقود مباشر للحرب. وهذا التحول في طبيعة الصراع يضفي عليه صلابة وتعقيدًا، ويجعل من احتمالات التسوية أمرًا أكثر صعوبة، لأن ما يُخاض اليوم هو "حرب عقائد" لا "حرب نفوذ" فقط.

الإمارات، مثل دولٍ أخرى، تجد نفسها في قلب هذه العاصفة الجغرافية دون إرادة منها، أو لعلها دخلت الطوق بمحض مصالحٍ تراكمت حتى بات الانفكاك عنها مستحيلًا. موقعها الجغرافي الحرج، وتحالفاتها الأمنية، وضعتها في مرمى تهديدات مباشرة، وصلت إلى حد مطالبة بعض الأصوات من داخل إيران بأن يُرحّل سكان أبو ظبي إلى سلطنة عمان وقطر، في مشهد عبثي يشي بعمق التوتر الإقليمي.

المعركة التي تدور اليوم ليست مجرد مواجهة بين قوتين إقليميتين، بل هي امتحان جديد للعالم المعاصر: هل ينجو من فتنة دينية بحجم هذه الحرب، أم ينزلق في هاوية تطرف مزدوج.. .؟ فالحروب التي ترفع رايات دينية غالبًا ما تكون طويلة النفس، عنيفة الطابع، لا تنتهي إلا بانكسار واضح لأحد الأطراف، أو بانفجار داخلي ينهي الحلم الذي بدأ باسم المقدّس.

وفي خلفية هذا التصعيد، تبرز إشارات لا يمكن تجاهلها: الحديث المتزايد عن "نهاية دور" حزب الله، ومحاولات تقليم أظافر حسن نصرالله سياسيًا وعسكريًا، إلى جانب التآكل المتسارع لنظام بشار الأسد، كلها لم تكن سوى مقدمات موجعة لمعركةٍ كانت مؤجلة، لكنها اليوم تبدو وكأنها خرجت من صندوق الحسابات الاستراتيجية، لتأخذ شكل المواجهة العارية.

السؤال الجوهري هنا: هل تلعب الولايات المتحدة وإسرائيل على وتر تفكيك منظومة المحور الإيراني - السوري - اللبناني من الداخل، عبر إنهاك الرموز والتخلص من الكيانات المرتبطة بـ"ولاية الفقيه"، تمهيدًا لتصفية المركز.. .؟ أم أن ذلك مجرد جزء من حرب استنزاف طويلة، تتقاطع فيها الجغرافيا مع المصالح ومراكز القوى القديمة والجديدة.. .؟

في خضم هذا الصراع، تتراءى لنا مشاهد أخرى لا تقل خطورة: سقوط مفاجئ لطائرة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، ثم اغتيالات متوالية تطال قادة في حماس، وأحداث تُنذر بتفكك البنية الإقليمية التي كانت تمثل مظلة استراتيجية لطهران. في دمشق، لم تعد ملامح النظام كما كانت، والمشهد السياسي يتغير بصمت لكنه بثقل زلزالي. هل هو تمهيد لتغيير قادم في طهران.. .؟ أم هي فقط رسائل قاسية تُبعث من غرف القرار الدولي.. .؟

وهنا يلوح سؤال مركزي في خضم هذه التقلبات: هل تسقط ولاية الفقيه في طهران.. .؟ أم أن تاريخ الفرس الطويل في الحروب، وحنكتهم التاريخية في الالتفاف على المحن، سيمنحهم مرةً أخرى فرصة للبقاء وإعادة التموقع.. .؟ لا شك أن إيران تمتلك عمقًا تاريخيًا وجيوسياسيًا يجعل سقوط نظامها الحالي غير مرهون بضربة واحدة، لكن المؤشرات تُظهر أن نظام "ولاية الفقيه" بات أمام اختبار وجودي حقيقي، تتداخل فيه المعطيات المحلية والدولية، ما بين تآكل داخلي وتطويق خارجي.

ربما تكشف الأيام القادمة عن تفاهمات جديدة، بين قوى كانت حتى الأمس القريب سندًا للوجود الإيراني، وها هي اليوم تُراجع حساباتها، أو تُهيئ البديل. فالجغرافيا لا ترحم، والدين حين يتحول إلى وقود حرب، يخلط الأوراق ويهزّ الثوابت.

هي ليست حربًا بين شرق وغرب، ولا بين عرب وفرس، بل صراع هويات مُثقلة بتاريخ طويل من الدم والرماد.ومن قلب اللهيب، ينطلق سؤال حائر: هل سينتصر منطق المصالح الإنسانية في النهاية، أم أن الطوفان قادم لا محالة.. .؟

النهاية مفتوحة لكل الاحتمالات،

لأنّ علم السياسة لم يكن يومًا علمًا يقينيًا، بل هو علم الاحتمالات، حيث لا تسود فيه المعادلات الثابتة، بل تتغير المواقف بتغيّر المصالح وتحوّلات الجغرافيا وصعود القوى. والشرق الأوسط تحديدًا أثبت عبر قرونٍ من الحروب والتحالفات والانهيارات، أن ما يبدو حتميًا اليوم قد يصبح مستبعدًا غدًا، وأن الحسم في صراعٍ كهذا لا يُقاس فقط بتفوقٍ عسكري أو عقائدي، بل بمدى قدرة الأطراف على قراءة المتغيرات، وامتلاك أدوات البقاء في قلب الإعصار.. .!!

ــ محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسة والصراعات الدولية.. .!

[email protected]

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق محلل مالي: ارتفاع أسعار النفط لحظي ولا يعوّل عليه السوق
التالى حضرت احتفالية.. محامي نوال الدجوي يرد على تحدي الخصوم: "الدجوي في كامل قواها العقلية