بريادةٍ عربية ووصافةٍ إفريقية، تستمر سواحل المملكة المغربية في حيازة شرف رفع “اللواء الأزرق” الذي من المفترض أن يُرفرف في 33 موقعا، هي 28 شاطئا وأربعة موانئ ترفيهية؛ انضافت إليها في نسخة هذه السنة بُحيرة جبلية واحدة (أگلمام أزكزا الجبلية، الواقعة داخل المنتزه الوطني لخنيفرة).
بلاغ لمؤسسة محمد السادس لحماية البيئة أوضحَ أن جميع الشواطئ الـ27 التي حصلت على “اللواء الأزرق” في سنة 2024 تجدَّد اعتمادها لهذه الشارة البيئية صيف سنة 2025؛ “ما يعكس استمرارية الجهود التي تبذلها الجماعات الترابية، وشركاؤها الاقتصاديون، وجمعيات المجتمع المدني للحفاظ على المعايير البيئية الصارمة طيلة الموسم الصيفي، مشيرا ضمن السياق إلى “شاطئ الصول (إقليم طنجة-أصيلة) المُضاف إلى لائحة الشواطئ المعتمدة سنة 2025 ليرفع عددها، إجمالا، إلى 28 شاطئا.
و”اللواء الأزرق” هي أهم شارة بيئية عالمية تُكافئ التدبير الإيكولوجي المتميّز أحدثتها ‘مؤسسة التربية البيئية’ سنة 1987. وبلغ السنة الجارية عدد المواقع الحاصلة عليها ضمن الشبكة العالمية للواء الأزرق عبر العالم ما مجموعه 5195 موقعا؛ 95 في المائة منها (4928 موقعا) بالنصف الشمالي للكوكب.
فضلا عن شواطئ مغربية اعتادت رفرفة اللواء الأزرق، على امتداد السواحل المتوسطية والأطلسية، بدا لافتا تأهُّل بحيرة “أگلمام أزكزا” بعد “تهيئة الطرق المؤدية إليها، وبناء مرافق خدماتية، ومساحات تخييم، ومرافق صحية؛ مما أهّلها إلى أن تكون “أول بحيرة طبيعية” في المملكة تحُوز الشارة المذكورة.
لم يمرّ كل ما سبق دون تثمينٍ واضح من فاعلين بيئيين مغاربة، مهتمين بالشأن الإيكولوجي والتنمية المستدامة؛ في وقت أكدوا لـ هسبريس أن تبوُّأ المغرب المرتبة الحادية والعشرين عالميا من بين 50 دولة، والريادة العربية، يتوّج مسار جهود متضافرة مؤسساتيا ومدنيا غير فاترة منذ 2002 سنةِ إدخال هذه العلامة البيئية من لدن مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة في إطار برنامج “شواطئ نظيفة”؛ ما يعكس –بحسبهم- جعل المغرب “رمزا للتميز في مجال التدبير البيئي للفضاءات المخصصة للسباحة”.
“تقدّمٌ دون التطلعات”
أيوب كرير، باحث جامعي في المناخ والتنمية المستدامة ورئيس جمعية “أوكسيجين للبيئة والصحة”، أكد أن “المغرب منخرطٌ بقوة في برنامج اللواء الأزرق، الذي يعد مبادرة بيئية-إيكولوجية عالمية تعني ليس فقط الشواطئ بل المحميات والمناطق الرطبة البحرية أيضا”؛ وهو ما أهل أول بُحيرة طبيعية جبلية بالمغرب لتدخل ضمن التصنيف هذه السنة”.
وشرح كرير، ضمن تصريحه لهسبريس، أن “أبرز متطلبات اللواء الأزرق أن تكون مياه السواحل والمرافئ نظيفة خالية من كل أشكال الملوثات، مع الحرص على إجراء تحليلات دورية لجودة مياه الاستحمام وفق معايير منظومة دولية محددة تستوفي شروطا صارمة في هذا الصدد”.
واستحضر الباحث الجامعي في المناخ والتنمية المستدامة أهميةَ أن “جميع الشواطئ الحاصلة على اللواء الأزرق مدمجة ضمن برنامج “شواطئ نظيفة”، الذي يعبئ كل صيف 68 جماعة ترابية بدعم من المديرية العامة للجماعات الترابية، و25 شريكا اقتصاديا، وأكثر من 100 جمعية محلية، وبتنسيق مع عدد من الشركاء المؤسساتيين”، منوها على الخصوص بجهود “المختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث” (التابع لوزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة)، ومختلف المتدخلين الرسميين.
مطالب قائمة
أيوب كرير قال إن منح الشارة قبل كل صيف يتم طِبق نتائج “تحيين المعطيات للبحث وتحليل جودة مياه الاستحمام والسباحة (من جيدة، ومتوسطة إلى مستوى غير صالحة)، مؤكدا “ضرورة الحرص على استيفاء معايير: جودة نظافة المياه/نقاوتها، سلامة المصطافين (خدمات الإنقاذ ومرافق الطوارئ المجهَّزة…) وكذا “مدى الحفاظ على البيئة والتوعية البيئية (لوحات إرشادية..) فضلا عن توفر الشواطئ على “برامج إدارة النفايات وتقليص البلاستيك”.
وزاد رئيس جمعية “أوكسيجين للبيئة والصحة” معلقا “ما حقّقناه بوصول 33 موقعا، ضمنها شاطئ إضافي وبحيرة جبلية لأول مرة، هو تقدّم ملحوظ بحقّ؛ لكن الأمر يبقى دون التطلعات والانتظارات التي يطالب بها المجتمع المدني البيئي بالمغرب”، خاصا بالذكر “مطلب متجددا بشأن توفير دورات المياه والحرص على نظافة المرافق الصحية في كل شاطئ على امتداد سواحل المملكة، لا سيما تلك التي تعرف كثافة في مُرتاديها”.
وختم الناشط الإيكولوجي ذاته منبها إلى أن “عشرات الشواطئ الأخرى التي لا ترفع اللواء الأزرق ما زالت تعيش وضعا مزريا يستدعي من الجماعات الترابية الساحلية تدبيرا أمثلَ للشواطئ وفضاءاتها من خلال تعزيز البنية التحتية البحرية والبيئة الساحلية والبحرية؛ لأن لذلك انعكاساتٍ كبيرة بالحصول على الشارة: دعم السياحة البيئية، تسريع حركية الاقتصاد المحلي، وجعل كل جماعة ساحلية وجهة سياحية تلتزم بالمعايير البيئية، ومجالا ترابيا جاذبا للاستثمارات”.
“ضُعف الوعي البيئي”
من جهته، أوضح محمد بنعطا، خبير إيكولوجي منسق التجمع البيئي لشمال المغرب، أن “اللواء الأزرق هو علامة بيئية دولية تُمنح للشواطئ والمرافئ التي تلتزم بمعايير صارمة لجودة المياه والبيئة والسلامة”، وأُنشئ من قبل منظمة غير ربحية في الدنمارك تُعنى بالتعليم البيئي”.
وأورد بنعطا، في تصريح لهسبريس، أن “الحصول على اللواء الأزرق يتطلب الالتزام بمعايير جودة المياه ونظافة الشواطئ، كما يشجع اللواء الأزرق الوعي البيئي بين المصطافين ويحثهم على المشاركة في الحفاظ على نظافتها”.
واستحضر منسق التجمع البيئي لشمال المغرب أهمية توفره بالسواحل المغربية لكون “العلامة اعترافا دوليا بالجودة البيئية للمواقع السياحية؛ مما يجذب مزيدا من السياح”، مردفا بالتنبيه: “في المغرب، توجد شواطئ حاصلة على اللواء الأزرق؛ ولكن الوعي البيئي بين المواطنين ما زال ضعيفا”.
وبينما أثنى الخبير البيئي بعمل مؤسسة محمد السادس للبيئة التي “ساهمت في تجهيز بعض البحيرات والشواطئ بمعايير اللواء الأزرق”، شدد على أن “ثمّة نقصا في الثقافة البيئية لدى المواطنين المغاربة رغم الجهود المبذولة لرفع الوعي”، بتعبيره.
واسترسل المتحدث عينه بأن “بعض المواقع الطبيعية الجميلة المُبهرة في المغرب ما زالت تئنّ تحت عدم الاهتمام بنظافتها؛ مما يؤثر سلبا على المنظومات البيئية وتداخلها (الشواطئ، المحيطات، التنوع البيولوجي…)، خالصا إلى “تثبيت مسؤولية الإعلام لتعزيز الوعي البيئي وحث المواطنين على المشاركة في الحفاظ على البيئة”.