
حين يتحوّل مقطع ساخر على “فيسبوك” إلى “تسريب أمني” في تقارير إعلامية جزائرية، تدّعي فيه تدخلًا رسميًا مغربيًا في الشؤون الدينية، لا نكون إزاء سقطة مهنية فحسب؛ بل أمام نظام لا يرى في الكذب زلّة، بل وظيفة.
شابان مغربيان، يونس وزكرياء، يصوّران مقطعًا طريفًا كعادتهما، يسخر من الضغوط الاجتماعية المرتبطة بعيد الأضحى، وفيه يظهر أحدهما كمن يراقب سلوك الناس، في محاكاة ساخرة لسلوكيات اجتماعية مألوفة؛ لكن في قنوات “الجارة الشرقية” تم إبراز المشهد باعتباره “وثيقة إدانة” و”دليلا نادرا على تدخل أمني مغربي”، في حملة تضليل تزيح الهزل من أجل التحريض وتستبدل التحقق بالتحوير.
هذه الواقعة ليست معزولة، إنها جزء من نمط ثابت لإعلام يؤمن بأن “اختراع العدو” ضرورة للتمكن من طمس فشل الداخل؛ فالجزائر عاجزة عن مواجهة أسئلتها العميقة في التنمية والشرعية والحرية، وتجد في المغرب مرآةً تكسّر فيها خيبتها.. من مزحة إلكترونية إلى خريطة مفبركة، من نكتة شبابية إلى اتفاق دبلوماسي مزعوم.. هكذا تُبنى السياسة على الأوهام عندهم، وتُدار الدولة بخيوط المظلومية.
آخر فصول المهزلة المسترسلة جاء في زيارة رئيس رواندا إلى الجزائر، إذ لم يتحدث الضيف عن قضية الصحراء المغربية؛ لكن الإعلام الرسمي صاغ “توافقًا استراتيجيًا”، يُضاف إلى سلسلة من “الانتصارات الوهمية” التي لا يسندها تصريح أو وثيقة أو واقع.. والنتيجة أتت بمزيد من العزلة، وارتباك في الخطاب، وفقدان للثقة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
المؤلم هو أن هذا الانحدار لا يضر بصورة الجزائر فقط؛ بل يسيء إلى كرامة شعبها الذي يستحق إعلامًا نزيهًا لا جهازًا للبروباغندا الرخيصة.. لأن الأكاذيب، مهما تنوّعت أدواتها، لا تصنع تاريخًا ولا تحمي نظامًا ولا تؤسس لمستقبل؛ إنها تؤجّل لحظة الوعي بالحقيقة فقط.
وفي زمن الشفافية الرقمية، لم تعد هناك مسافات بين التضليل والانكشاف، ومن يزرع الوهم لا يجني سوى الخواء.