على ضوء التقرير الاستخباراتي الإسباني الأخير الذي كشف عن تصاعد الأنشطة الإرهابية لصحراويي مخيمات تندوف ومنتسبي جبهة “البوليساريو” في منطقة الساحل، أكد مهتمون أن تحول هذه البقعة الأرضية الجزائرية إلى مصدر للتطرف يفرض إجراء مراجعات عميقة للتصورات الأمنية في الساحل من أجل وقف هذا التهديد الذي يؤثر على معادلة الأمن الإقليمي والدولي.
وشدد خبراء في قضايا السياسة والأمن في المنطقة، في تصريحات لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن هذا التحول الأمني الخطير يفرض على أوروبا، خصوصا إسبانيا، إعادة تقييم سياساتها الأمنية وتكييفها مع هذا المعطى الذي يلامس عمق الأمن القومي الأوروبي. كما يفرض عليها أيضا تعزيز تعاونها مع شركائها الجنوبيين، خاصة المغرب، من أجل صياغة استجابات أمنية متكاملة وشاملة.
في هذا الصدد، قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، إن “مضمون التقرير الاستخباراتي الإسباني يسلط الضوء على تطور مقلق وغير مفاجئ، يعكس انتقالا تدريجيا لبعض مكونات جبهة “البوليساريو” من النزعة الانفصالية إلى التطرف الجهادي المسلح؛ وهو ما يعكس هشاشة هذا الكيان المفتعل وافتقاده للضبط الأمني الداخلي”.
وأبرز معتضد، في تصريح لهسبريس، أن “توصيف العناصر القادمة من تندوف كـ”قيادات ميدانية” ضمن شبكات إرهابية مثل الدولة الإسلامية – فرع إفريقيا أو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين يبيّن حجم هذا الاختراق وخطورته”.
وأضاف الباحث في الشؤون الاستراتيجية أن “هذا التطور يؤكد التحذيرات المتكررة التي أطلقها المغرب منذ سنوات حول تحول مخيمات تندوف إلى نقطة سوداء في أمن الساحل، في ظل غياب رقابة دولية فعلية ورفض الجزائر تسجيل أو مراقبة سكان تلك المخيمات”، لافتا إلى أن “الأمر لا يتعلق فقط بشباب غاضب يبحث عن مخرج؛ بل بمسارات ممنهجة للتجنيد والتعبئة العسكرية والإيديولوجية”.
وتابع المتحدث عينه: “ما يعطي لهذا التقرير مصداقية أكبر هو مصدره: أجهزة الاستخبارات الإسبانية؛ وهي أجهزة ذات خبرة عميقة في مراقبة الخطر الجهادي، وتتابع منذ عقود تحركات شبكات التطرف في شمال إفريقيا”، معتبرا أن “الكشف العلني عن هذا التقرير من طرف الإعلام الإسباني ليس تفصيلا بريئا؛ بل هو رسالة مشفّرة تؤكد أن التهديد لم يعد نظريا بل انتقل إلى حافة أوروبا، وأن تندوف لم تعد فقط منطقة إنسانية، بل قنبلة موقوتة على بعد مئات الكيلومترات من مدريد”.
وأكد معتضد أن “مخيمات تندوف تحولت من فضاء لجوء إنساني إلى منطقة رمادية خارج رقابة المؤسسات الدولية. هذا الواقع خلق بيئة هشة تستغلها التنظيمات المتطرفة لاستقطاب الشباب الناقم، وتوظيف الإحباط الجمعي كوقود تعبوي”، مبرزا أن “العزلة السياسية والفكرية التي يعيشها شباب تندوف، والفراغ المؤسسي الذي يتركهم عرضة لأي خطاب تعبوي بديل، فعندما تفشل الجبهة في تقديم مشروع حياة، يصبح الانخراط في الجهاد الراديكالي حلا “وجوديا” عند بعض الشباب الذين يبحثون عن “معنى” أو “هدف” في ظل الإحباط الاجتماعي والسياسي”.
وشدد الباحث في الشؤون الاستراتيجية على أن “الوجود المتزايد لمتطرفين منحدرين من تندوف داخل بنية التنظيمات الجهادية يخلق تهديدا مركبا؛ فمن جهة يمنح هذه الجماعات امتدادا لغويا وثقافيا يسمح لها باختراق مجتمعات محلية في شمال مالي وموريتانيا وحتى المغرب والجزائر، ومن جهة أخرى يؤسس لنوع جديد من “الجهاد العابر للهوية”، حيث يلتقي الانفصال السياسي بالتطرف الديني”.
وذكر المتحدث سالف الذكر أن “التحذير الإسباني يأتي بمثابة ناقوس خطر على أبواب أوروبا، لأن انهيار الأمن في الساحل لن يبقى حبيس المنطقة؛ بل ستكون له ارتدادات مباشرة في الضفة الشمالية للمتوسط، سواء عبر موجات هجرة غير نظامية أم تهديدات إرهابية مباشرة أم انهيار المنظومة الأمنية التي تعوّل عليها أوروبا في الجنوب”.
وشدد معتضد على أنه “يجب على إسبانيا وأوروبا أن تعترفا صراحة بأن أمنها القومي يبدأ من الجنوب، وبأن التعاون مع المغرب ليس خيارا دبلوماسيا بل ضرورة استراتيجية، إذ تظل الرباط الشريك الأكثر فعالية واختراقا استخباريا في منطقة الساحل، وبدون تبادل فوري للمعطيات وعمليات استباقية مشتركة، يصبح الخطر غير قابل للسيطرة”.
من جهته، أوضح محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة، أن “التقرير الاستخباراتي الإسباني الأخير يشير إلى تصاعد انخراط عناصر من جبهة “البوليساريو” في جماعات جهادية تنشط بمنطقة الساحل؛ ما يكشف عن تحول مقلق في طبيعة التهديدات المقبلة من مخيمات تندوف”.
وأضاف عطيف، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذا المعطى يتجاوز الطابع السياسي للنزاع الإقليمي، ليأخذ بُعدا أمنيا عابرا للحدود؛ مما يفرض إعادة قراءة دور هذه المخيمات في زعزعة الاستقرار الإقليمي”.
وسجل الأستاذ الجامعي ذاته أن “هناك عوامل عديدة ساهمت في جعل تندوف بيئة خصبة للتجنيد الجهادي؛ أبرزها التهميش الاجتماعي وغياب الأفق السياسي للشباب، إلى جانب غياب الرقابة الدولية الفعلية، وسط تحكم “البوليساريو” في حياة السكان بمنطق عسكري منغلق؛ الشيء الذي أسهم في خلق فراغ أمني استغلته التنظيمات المتطرفة لاستقطاب وتدريب عناصر جديدة”.
وشدد المتحدث على أن “انخراط متطرفين من تندوف في القاعدة أو “داعش” يمثل تهديدا مباشرا لاستقرار دول المغرب الكبير والساحل، إذ يعزز من قدرات هذه الجماعات في التغلغل داخل شبكات التهريب والإرهاب. كما أن التداخل بين الانفصال والتطرف يزيد من تعقيد النزاع ويحوّل المخيمات إلى بؤر محتملة لزعزعة الاستقرار الإقليمي”.
وخلص عطيف إلى أن “هذا الوضع يفرض على الدول الأوروبية، وعلى رأسها إسبانيا، تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي مع المغرب، بوصفه شريكا محوريا في محاربة الإرهاب. كما ينبغي إدراج هذه التهديدات ضمن استراتيجية أوروبية شاملة تشمل دعم التنمية، ومراقبة الحدود، والتعامل بحزم مع الأطراف التي تحتضن أو تتساهل مع الحركات المتطرفة”.