اقرأ في هذا المقال
- إيران أقرت رسميًا تعدين البيتكوين بصفته نشاطًا صناعيًا في عام 2018
- تعدين العملات المشفرة في إيران يؤدي إلى انقطاعات التيار الكهربائي واستياء الرأي العام
- محطات التعدين واسعة النطاق تستعمل الكهرباء بصورة متكررة مجانًا أو بأسعار مخفضة للغاية
- بعض مراكز تعدين العملات المشفرة يستعمل الكهرباء المجانية في أماكن مثل المساجد
تتزايد التساؤلات حول تحفيز أسعار الكهرباء المنخفضة في إيران تعدين العملات المشفرة محليًا، الأمر الذي أدى إلى انقطاع التيار بصورة متكررة.
وقد أقرّت إيران رسميًا تعدين البيتكوين بصفته نشاطًا صناعيًا في عام 2018، وبلغ إنتاج البلاد ما يُقدّر بنحو 3.1% من إنتاج العالم بحلول عام 2022، بفضل أسعار الكهرباء المنخفضة للغاية التي بلغت نحو 0.002 دولارًا للكيلوواط/ساعة.
وقد استقطب هذا التعدين الشركات المحلية والأجنبية، إلا أن ذلك جاء بتكلفة باهظة: انقطاعات واسعة النطاق للتيار الكهربائي، واستياء الرأي العام.
بدورها، ردّت الحكومة بحظر التعدين بصفة دورية خلال فترات ارتفاع الطلب، ما سلّط الضوء على التضارب بين الربح المالي مع انخفاض أسعار الكهرباء في إيران وأمن الطاقة.
انقطاعات التيار وأسعار الكهرباء في إيران
تشهد إيران، حاليًا، انقطاعات حادة في التيار الكهربائي، التي تتفاقم بسبب استهلاك تعدين العملات المشفرة الكثيف للطاقة.
ويشكّل الاستهلاك الكبير للكهرباء من جانب الشركات المرخصة وغير المرخصة، على حد سواء، عبئًا على الشبكة الوطنية، ويؤدي إلى إجراءات صارمة تنظيمية.

تأثير تعدين العملات المشفرة
تستعمل مراكز التعدين واسعة النطاق، غير القانونية وشبه الرسمية، وبعضها مرتبط بالحرس الثوري، الكهرباء بصفة متكررة، سواء بخفض أسعار الكهرباء في إيران بصورة كبيرة، أو تقديمها مجانًا، ما يحرم عامة الناس من الكهرباء ويفاقم مشكلة انقطاع التيار.
ووفقًا لوزارة الطاقة الإيرانية، يمكن أن يستهلك تعدين العملات المشفرة في ساعات الذروة ما يصل إلى 2000 ميغاواط (2 غيغاواط)، وهو ما يعادل إنتاج مفاعليْن أو 3 مفاعلات نووية.
وفي عام 2024، ارتفع الطلب على الكهرباء بنسبة 16%، بسبب التعدين غير القانوني وحده، وتم ضبط أكثر من 5 آلاف آلة تعدين غير قانونية في مايو/أيار 2025.
تجدر الإشارة إلى أن بعض مراكز التعدين غير المرخصة تستعمل أكثر من 4 آلاف ميغاواط، وهي كهرباء كافية لإمداد عدة محافظات.
ويمكن استعمال أكثر من 300 ميغاواط/ساعة، أي ما يعادل الاستهلاك اليومي لـ35 ألف أسرة إيرانية، لتعدين قطعة بيتكوين واحدة.
استجابة الحكومة ودور مراكز التعدين المرخصة
سمحت إيران لنحو 30 مركزًا لتعدين العملات المشفرة، معظمها في محافظات مازندران والبرز وسمنان. لتخفيف ضغط الشبكة خلال فترات ارتفاع استهلاك الكهرباء، وقد يُطلب إيقاف بعض العمليات المرخصة.
من ناحية ثانية، فإن الربحية الهائلة للتعدين، المدعومة بأسعار كهرباء منخفضة، تتراوح بين 0.01 و0.05 دولارًا للكيلوواط/ساعة، تجعل إنفاذ القانون صعبًا.
لذلك، لجأت الحكومة إلى مصادرة المعدات وفرض غرامات وبرامج مكافآت عامة للإبلاغ عن الأنشطة غير القانونية لمنع التعدين غير القانوني.
وفي عام 2021، فُرض حظر على التعدين لمدة 4 أشهر خلال فترات انقطاع التيار الكهربائي بسبب الجفاف، إدراكًا منها أن 85% من التعدين غير قانوني، ويستهلك أكثر من 2 غيغاواط يوميًا.
ولتحقيق التوازن بين المتطلبات التنظيمية والمكاسب المالية التي يحقّقها القطاع في ظل العقوبات، طبّقت إيران مراقبة أكثر صرامة للعملات المشفرة بحلول عام 2025 لإدارة المخاطر الاقتصادية وعدم استقرار الطاقة.
فرض قيود على جميع أنشطة التعدين
بحلول مايو/أيار 2025، واستجابةً لتفاقم نقص الكهرباء، فُرضت قيود على جميع أنشطة التعدين، حتى في المراكز المرخصة، حتى سبتمبر/أيلول المقبل.
ويُعدّ هذا الحظر جزءًا من مبادرات أوسع نطاقًا لخفض الاستهلاك، نظرًا إلى توقع عجز قدره 25 ألف ميغاواط، أي ما يقارب ثلث استهلاك البلاد.
وقد أغلقت البنوك والمدارس والمباني الحكومية أبوابها مؤقتًا لتوفير الكهرباء.
ولذلك يتطلّب استقرار النظام ومنع انقطاع التيار الكهربائي إيقاف أنشطة التعدين.
بدورها، استولت شركة توليد وتوزيع الكهرباء الإيرانية "توانير" (Tavanir) على أكثر من 240 ألف منصة تعدين بين عامَي 2022 و2025، أي ما يعادل 800 ميغاواط من سعة محطة بوشهر النووية.
في المقابل، يُزعم أن ما يصل إلى 2000 ميغاواط تُستعمل من قِبل 700 ألف منشأة غير قانونية.
من جهته، صرّح النائب محمد علي داد، من شركة "توانير" على مواقع التواصل الاجتماعي في 28 مايو/أيار 2025، بأن جميع عمليات التعدين عُلّقت، سواءً كانت مرخصة أم لا، بسبب الوضع الراهن.
ومن المتوقع أن يستمر الحظر حتى سبتمبر/أيلول المقبل؛ إذ تواجه شركات التعدين غير القانونية غرامات تصل إلى 3 أضعاف قيمة الآلة، بالإضافة إلى مصادرة معداتها.

سبب أزمة الكهرباء في إيران
يرى العديد من مراكز تعدين العملات المشفرة بأن سبب أزمة الكهرباء في إيران ليس التعدين بحد ذاته، وإنما قصور السياسات وتهالك البنية التحتية.
ويستعمل بعض مراكز تعدين العملات المشفرة الكهرباء المجانية في أماكن مثل المساجد، على الرغم من ارتفاع تكلفة الكهرباء لمراكز التعدين المُرخّص لها.
وقد تفاقمت التوترات بين السلطات المُصرّة على فرض إجراءات صارمة من خلال الحوافز والعقوبات، ومراكز تعدين العملات المشفرة، التي تعدّ العملات المشفرة شريان حياة اقتصاديًا في ظل العقوبات.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
على الرغم من القيود الدولية، يُسهم قطاع تعدين العملات المشفرة في إيران بصورة كبيرة في تسوية النزاعات التجارية الدولية.
وكان من المتوقع أن تصل إيرادات تعدين العملات المشفرة في إيران إلى نحو مليار دولار سنويًا في عام 2020.
وقد يتأثر هذا السند الاقتصادي الحيوي بالحظر الشامل حتى سبتمبر/أيلول 2025.
لهذا، اضطرت السلطات إلى إعطاء الأولوية القصوى لتوفير الكهرباء للبنية التحتية العامة والخدمات المهمة، نظرًا إلى الحاجة المُلِحّة لاستقرار الشبكة الكهربائية، لا سيما خلال ذروة الصيف.
وبعد سبتمبر/أيلول المقبل، من المرجح أن تستند القرارات إلى حالة إمدادات الكهرباء ومدى كفاءة الحدود الحالية.
وينطوي نقص الكهرباء هذا على تداعيات اجتماعية واقتصادية كبيرة، فقد تسبّب الإغلاق الجماعي للمؤسسات العامة والبنوك والمدارس في اضطرابات بالحياة اليومية، ولفت الانتباه إلى العواقب الأوسع نطاقًا لسوء إدارة الطاقة.
ولإظهار الإدارة المالية في مواجهة معدلات التضخم التي تزيد على 40%، شددت الحكومة الرقابة التنظيمية على الأصول الرقمية، بما في ذلك حظر المدفوعات من الريال الإيراني إلى العملات المشفرة من خلال مواقع الويب منذ ديسمبر/كانون الأول 2024.
إسهام مراكز التعدين المرخصة في نقص الكهرباء
على الرغم من أن مراكز تعدين العملات المشفرة المرخصة تُسهم في تفاقم مشكلات الكهرباء في إيران، فإن تأثيرها أقل بكثير من تأثير الأنشطة غير المشروعة.
ووفقًا للتقديرات، تستهلك المراكز المرخصة نحو 800 ميغاواط (0.8 غيغاواط)، وهي كمية كبيرة، لكنها أقل بكثير من 2000 ميغاواط أو أكثر المنسوبة إلى التعدين غير القانوني، الذي أدى وحده إلى زيادة الطلب على الكهرباء في البلاد بنسبة 16% خلال السنوات الأخيرة.
وللحد من تأثيرها في الشبكة، تخضع المراكز المرخصة لإغلاقات حكومية خلال فترات الاستعمال المرتفع. ورغم القيود الحكومية، تواصل هذه المراكز الاستفادة من الكهرباء الرخيصة والمدعومة، ما يجعل أعمالها مربحة للغاية وجذابة.
خلاصة القول، تؤدي عمليات التعدين غير المشروعة من حيث حجمها ودورها إلى تفاقم أزمة الكهرباء المستمرة في إيران، وتُسهم المراكز المرخصة بنحو 0.8 غيغاواط في استهلاك الكهرباء المرتبط بالعملات المشفرة.

استهلاك مراكز تعدين "الحرس الثوري" للكهرباء
وفقًا لدراسة مستقلة، وبحسب وزير الطاقة الإيراني السابق، رضا أردكانيان، قد تُستعمل ما يصل إلى 10% من إجمالي إمدادات الكهرباء في إيران في عمليات تعدين العملات المشفرة التي يديرها أو يرعاها الحرس الثوري الإيراني.
ووفقًا للتقارير، يمكن لعمليات التعدين التابعة للحرس الثوري الإيراني أن تستهلك ما بين 6 و7 غيغاواط إجمالًا، حيث يستهلك كل مركز ما يصل إلى 175 ميغاواط.
ويعني هذا الاستهلاك أن المراكز التابعة للحرس الثوري الإيراني وحدها مسؤولة عن أكثر من عُشر الطلب على الكهرباء في إيران، بالنظر إلى أن إجمالي قدرة إنتاج الكهرباء في البلاد يتراوح بين 60 و70 غيغاواط.
وغالبًا ما تستمر هذه المراكز في العمل حتى بعد صدور أوامر إغلاق رسمية، ما يزيد العبء على الشبكة الوطنية ويزيد بصورة كبيرة من وتيرة انقطاع التيار الكهربائي.
وتعتمد صناعة تعدين العملات المشفرة القانونية في إيران بصورة كبيرة على الكهرباء المدعومة، ما يجعل العملية في متناول الجميع؛ إذ تتراوح أسعارها بين 0.01 دولارًا و0.05 دولارًا للكيلوواط/ساعة.
ومنذ أن شرّعت الحكومة أنشطة التعدين من خلال نظام ترخيص في عام 2019، تمكنت مراكز التعدين المعتمدة من الوصول إلى هذه الكهرباء منخفضة التكلفة مقابل بيع عملاتها المشفرة المعدّنة إلى البنك المركزي الإيراني.
وبحلول أواخر عام 2024، وعلى الرغم من تقلب أسعار البيتكوين العالمية بين 30 ألفًا و40 ألف دولار، تمكنت مراكز التعدين الإيرانية من إنتاج كل بيتكوين بتكلفة منخفضة تصل إلى 1300 دولار، ما أدى إلى هوامش ربح كبيرة.
ومع أن اللوائح التنظيمية تمنع مراكز التعدين غير المرخصة من استعمال الكهرباء المدعومة، إلا أن العمليات المرخصة ما تزال تتمتع بهذه الأسعار المخفضة.
وعلى الرغم من أن القانون يفرض على محطات الكهرباء المشاركة في تعدين البيتكوين استعمال وقود غير مدعوم، فإن تطبيق هذا الشرط كان مرنًا.
في غضون ذلك، لا تزال الكهرباء المدعومة تشكّل عاملًا رئيسًا في دفع ربحية التعدين المرخص، على الرغم من أنها تؤدي إلى تفاقم النقص المستمر للكهرباء في إيران.
الخلاصة..
ترتبط أزمة الكهرباء في إيران ارتباطًا وثيقًا بقطاع تعدين العملات المشفرة، حسبما يتضح من الحظر الحكومي الأخير على التعدين على مستوى البلاد، الذي من المقرر أن يظل ساريًا حتى سبتمبر/أيلول 2025، في محاولة لاستقرار الشبكة في ظل تزايد الطلب والتحديات التنظيمية.
وعلى الرغم من أن مراكز التعدين المرخصة تُسهم في زيادة الضغوط، فإن الجزء الأكبر من العبء ينبع من عمليات غير منظمة، يرتبط العديد منها بكيانات قوية مثل الحرس الثوري الإيراني.
وما يزال توافر الكهرباء المدعوم بصورة كبيرة يُغذّي التعدين القانوني وغير القانوني، ما يُقوض الجهود المبذولة للتوفيق بين اعتماد البلاد الاقتصادي على العملات المشفرة واحتياجاتها المُلحة من الكهرباء.
إزاء ذلك، كثّفت السلطات إنفاذ القانون من خلال مصادرة المعدات، وحوافز الإبلاغ للمواطنين، وفرض قيود على المدفوعات المتعلقة بالعملات المشفرة.
وفي الوقت نفسه، ما تزال هناك معضلة أساسية دون حل.. فهل تستطيع إيران الحفاظ على موثوقية الشبكة مع الاستفادة من العملات المشفرة لتعويض تأثير العقوبات الدولية، أم أن السعي وراء مكاسب مالية قصيرة الأجل سيُزعزع استقرار مستقبلها في مجال الطاقة على المدى الطويل؟
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..