إنتاج النيكل في إندونيسيا لن يحرّر السيارات الكهربائية من الوقود الأحفوري (تقرير)

لطالما يُنظر إلى إنتاج النيكل في إندونيسيا بوصفه داعمًا للصناعات النظيفة عالميًا، خصوصًا صناعة السيارات الكهربائية وطاقة الرياح البرية والبحرية.

ورغم شيوع هذا الاعتقاد بالنسبة إلى النيكل والمعادن الحيوية بصفة عامة، فما زالت سلاسل توريد هذه المعادن معتمدة على الوقود الأحفوري، خاصة أنشطة الإنتاج والتكرير في الدول المنتجة.

ويمثّل إنتاج النيكل في إندونيسيا نموذجًا لهذه المعضلة، إذ لا يزال تشغيل عمليات المناجم ومصافي التكرير معتمدًا على الفحم بصورة مباشرة، بحسب تقرير حديث اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).

وتتركّز مرافق معالجة النيكل وتكريره لدى إندونيسيا في مناطق غنية بالموارد، لكنها فقيرة من حيث البنية التحتية، مثل جزر سولاوسي ومالوكو وبابوا، كما تفتقر إلى المرافق اللازمة لدمج الطاقة النظيفة بها، ما يجعل المنتجين يعتمدون على الفحم لتسيير عمليات التشغيل.

ويُستعمل النيكل إلى جانب الليثيوم والمنغنيز في تصنيع الكاثود، وهو أحد الأقطاب الكهربائية الرئيسة الموصلة للتيار في بطاريات السيارات الكهربائية، ويتميّز المعدن بقدرته على زيادة كثافة الطاقة وسعة البطارية، ما يحسّن من أداء الكاثود، ويمنح السيارات مدى أطول.

إنتاج النيكل في إندونيسيا خلال 2024

تُصنّف إندونيسيا بصفتها أكبر منتج للنيكل في العالم، بالإضافة إلى كونها أكبر دولة مالكة لاحتياطياته عالميًا، بما يُقدّر بنحو 55 مليون طن أو أكثر من ضعف احتياطيات أستراليا في المركز الثاني، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.

وبلغ إنتاج النيكل المستخرج من المناجم في العالم قرابة 3.9 مليون طن خلال عام 2024، بزيادة 10% عن مستواه البالغ 3.6 مليون طن في عام 2023.

وجاء ذلك مع ارتفاع إنتاج النيكل في إندونيسيا بنسبة 25% إلى 2.46 مليون طن خلال العام الماضي، ما شكّل 63% من إجمالي الإنتاج العالمي.

وشهد إنتاج النيكل في إندونيسيا نموًا متسارعًا خلال السنوات الـ10 الأخيرة، إذ ارتفع منذ 2015 بمعدل 16 مرة، بحسب بيانات أحدث تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية (مايو/أيار 2025).

ومن المتوقع نمو إنتاج النيكل في إندونيسيا المستخرج من المناجم بنسبة 25%، ليصل إلى 3 ملايين طن بحلول عام 2030.

تكرير النيكل في إندونيسيا

تُصنّف إندونيسيا بصفتها أكبر مكرر للنيكل في العالم مع وصول حجم إنتاجها من المواد المكررة إلى 1.49 مليون طن في عام 2024، أو ما يمثّل 43% من إنتاج المواد المكررة منه عالميًا.

وتواصل إندونيسيا تعزيز قدراتها التكريرية للمعادن الحيوية وفي القلب منها النيكل، خاصة بعد أن قرّرت حظر تصديره وغيره من خامات المعادن الحيوية إلى الخارج منذ عام 2014.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ترتفع القدرة التكريرية للنيكل في إندونيسيا بنسبة 40% بحلول عام 2030، ما سيمكّنها من الحفاظ على الصدارة، مع ضمان بقاء الفجوة متسعة بينها وبين الصين، ثاني أكبر مكرر للمعدن عالميًا.

استنادًا إلى ذلك، يُرجح ارتفاع إنتاج النيكل المكرر في إندونيسيا إلى أكثر من مليونَي طن بحلول عام 2030، بزيادة 36.5% عن عام 2024.

بينما يُتوقع ارتفاع إنتاج النيكل المكرر في الصين إلى 1.48 مليون طن بحلول عام 2030، ما يعني أن الفجوة بينهما ستظل أكبر من 500 ألف طن.

إنتاج النيكل يعتمد على الفحم

تشمل عملية تكرير النيكل تحويله إلى معدن أو أكسيد أو كبريتات أو مواد أخرى، وتمتلك إندونيسيا عددًا كبيرًا من مرافق معالجة النيكل، وتنقسم إلى 39 منشأة للتعدين الحراري، و5 منشآت للتعدين المائي.

وتضم هذه المنشآت 226 خط صهر، يتطلّب تشغيل كل واحد منها 30 إلى 50 ميغاواط سنويًا، وأغلبها يعتمد على الفحم لتوليد الكهرباء المطلوبة، ما يعقّد من مشكلة انبعاثات الإنتاج والتكرير في البلاد، حسب التقرير المنشور على موقع ريكسسري المتخصص (Reccessary).

ونظرًا إلى وقوع مناجم إنتاج النيكل في إندونيسيا بمناطق ضعيفة من حيث البنية التحتية للكهرباء، فعادة ما يُستهلك الفحم فيها خارج الشبكة، وفق ما يُطلق عليها "المحطات الأسيرة"، وهي محطات تُستعمل لتشغيل الأغراض الصناعية والتعدينية النائية في البلاد.

وزادت قدرة محطات الكهرباء الأسيرة العاملة بالفحم في إندونيسيا 8 مرات خلال 10 سنوات، لترتفع من 1.4 غيغاواط عام 2013، إلى 10.8 غيغاواط في عام 2023، أو ما يمثّل 25% من إجمالي القدرة التشغيلية.

واستحوذت عمليات معالجة المعادن الحيوية في إندونيسيا، ومنها النيكل، على 8.2 غيغاواط من إجمالي قدرة محطات الفحم العاملة خارج الشبكة خلال عام 2023، بحسب تقديرات مؤسسة غلوبال إنرجي مونيتور.

مشكلة انبعاثات النيكل وحلولها

تهيمن 4 شركات تعدين كبرى على إنتاج النيكل في إندونيسيا من المناجم، من أبرزها شركة فالي إندونيسيا "Vale Indonesia" التابعة لشركة فالي البرازيلية، وهي شركة رائدة في خفض انبعاثات الكربون من عملياتها في العالم.

وتستعمل الشركة 3 محطات كهرومائية، بقدرة 365 ميغاواط، لتشغيل عمليات التعدين التابعة في إندونيسيا، في حين ما زالت الشركات الأخرى معتمدة على الفحم إلى حد كبير.

وأدى اعتماد شركة فالي على الطاقة الكهرومائية إلى خفض انبعاثاتها لكل طن من النيكل إلى 29 طنًا من ثاني أكسيد الكربون، في حين تراوحت انبعاثات الشركات الأخرى المعتمدة على الفحم من 57 إلى 70 طنًا لكل طن من النيكل، بحسب تقديرات معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي.

ويعتمد مستقبل إنتاج النيكل في إندونيسيا من منظور بيئي على خفض البصمة الكربونية لسلسلة القيمة الشاملة، بداية من المنبع وحتى المصب، خاصة أن البلاد تتجه إلى تعزيز قدرة التكرير والمعالجة وعدم تصدير خاماتها إلى الخارج.

وبلغ إجمالي إنتاج الشركات من النيكل في إندونيسيا قرابة 353 ألف طن خلال عام 2023، ما أدى إلى انبعاثات وصلت إلى 15.3 مليون طن.

وإذا نجحت الشركات في تنفيذ خطط زيادة الإنتاج مرتَيْن بحلول عام 2028 ليتجاوز مليون طن، فمن المتوقع أن تصل انبعاثاتها إلى 38.5 مليون طن، لكنها قد تتمكّن من خفضها إلى 22.3 مليون طن، إذا اتبعت نهج شركة فالي في توفير الكهرباء من مصادر نظيفة أو منخفضة الكربون، بحسب التقرير.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر:

1. بيانات إنتاج النيكل في إندونيسيا وتكريره واحتياطياته من وكالة الطاقة الدولية.
2. مشكلة انبعاثات النيكل ومبادرات شركة فالي لحلها في إندونيسيا من مركز بحثي آسيوي.
3. تقديرات انبعاثات إنتاج النيكل في إندونيسيا من معهد اقتصادات الطاقة.