باتت الطاقة المتجددة، وتحديدًا الشمس والرياح تشكّل اليوم ركيزة أساسية لتحقيق أمن الطاقة، سواء على المستوى الوطني أو العالمي.
فقد كشف تقرير -اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)- 3 حقائق تؤكد أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح قادرتان على خفض الاعتماد على الوقود المستورد وتقليل التكاليف، ومن ثم تحقيق أمن الطاقة.
وأظهر التقرير أن طاقتي الشمسية والرياح أصبحتا قادرتين على منافسة الوقود الأحفوري من حيث الكلفة والحجم.
ومع ذلك، لا يمكن فصل هذا التقدم عن السياق الاقتصادي الأوسع، فعلى الرغم من النمو الواضح لحصّة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء، لا يرتبط هذا التوسع دائمًا بزيادة فعلية في سعة توليد الطاقة المتجددة على حساب الوقود الأحفوري، بل قد يكون نتاجًا لانخفاض الطلب العام على الطاقة خلال أوقات الركود الاقتصادي.
ففي أوقات تباطؤ النمو، يقلّ الاعتماد على المصادر التقليدية مثل الفحم والغاز، بسبب انخفاض الاستهلاك وارتفاع التكاليف التشغيلية، بينما تظل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مستقرة في إنتاجها، لأنها تعتمد على موارد طبيعية لا تتأثر بالظروف الاقتصادية.
الطاقة المتجددة في مواجهة الوقود الأحفوري
تستند الحقيقة الأولى في التقرير الصادر عن مركز أبحاث الطاقة النظيفة "إمبر" إلى أن 74% من سكان العالم يعيشون في دول تعتمد على استيراد الوقود الأحفوري.
وهو ما زاد بعد تحوّل الولايات المتحدة من مستورد صافٍ إلى مُصدر صافٍ للوقود الأحفوري منذ عام 2019، وتخطط لتعزيز صادراتها في السنوات المقبلة.
بالإضافة إلى ذلك، تسيطر 12 دولة فقط على 80% من صادرات النفط والغاز والفحم، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
في الوقت نفسه، ما تزال غالبية الدول تعتمد على الوقود الأحفوري المستورد لتلبية احتياجاتها من الطاقة، مثل اليابان، التي تعتمد على الواردات لتلبية 87% من احتياجاتها، وكوريا الجنوبية (81%)، وتركيا (69%)، وألمانيا (67%).
في المقابل، تمكنت الصين من تقليل اعتمادها على الواردات، حيث لا يشكّل الوقود المستورد سوى 21% من احتياجاتها، بفضل إستراتيجيتها في الاعتماد على الفحم المحلي والكهرباء النظيفة، وهو ما يعكس توجهها نحو تقليل الاعتماد على النفط والغاز.
ونتيجة لذلك سلّط التقرير الضوء على أن الاستثمار في الطاقة المتجددة -خاصة الشمس والرياح- يمكن أن يحدّ من واردات الوقود الأحفوري.

استرداد تكلفة استيراد الألواح الشمسية
أضاف التقرير أن الحقيقة الثانية تكمن في إمكان استرداد تكلفة استيراد الألواح الشمسية في غضون عام واحد فقط، مقارنة بتكلفة استيراد الغاز لتوليد الكهرباء.
ووفقًا للتقرير، فإن تكلفة استيراد 1 غيغاواط من الألواح الشمسية (100 مليون دولار)، بناءً على متوسط السعر العالمي البالغ 0.1 دولارًا لكل واط لعام 2024، تعادل تكلفة استيراد الغاز لتوليد الكمية نفسها من الكهرباء -أي نحو 1.5 تيراواط/ساعة سنويًا- وذلك بناءً على متوسط سعر الغاز المسال البالغ 11 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في عام 2024.
غير أن الفرق الرئيس بين الخيارين هو أن الألواح الشمسية تتطلب تكلفة استيراد لمرة واحدة فقط، بينما تتكرر تكلفة استيراد الغاز كل عام.
كما يمكن أن تحقق الألواح الشمسية -على مدار عمرها الممتد 30 عامًا- توفيرًا يعادل 30 عامًا من تكاليف استيراد الغاز وفقًا لأسعار عام 2024، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ومع ذلك، يتعين مراعاة أن هناك تكاليف إضافية لتركيب الألواح الشمسية تتجاوز سعر الألواح نفسها، مثل تكاليف العمالة والأراضي والتمويل، التي يمكن أن تصل إلى نحو 0.50 دولارًا لكل واط، وفقًا لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" في 2023.
وفي ظل هذه التكاليف، يستثمر العديد من الدول في تصنيع البطاريات المحلية لتقليل الاعتماد على الواردات.
ويوضح الرسم التالي -إعداد وحدة أبحاث الطاقة- أكبر 10 دول في قدرة الطاقة الشمسية العاملة حتى 2024:
الطاقة المتجددة تتفوق على البنزين
الحقيقة الثالثة التي يستند إليها التقرير هي أن العالم اليوم ينتج من الكهرباء النظيفة -وتحديدًا من الشمس والرياح- ما يكفي لاستبدال استهلاك البنزين في قطاع النقل.
فقد بلغ الطلب العالمي على البنزين في 2024 نحو 27.25 مليون برميل يوميًا، ما يعادل 14.042 ألف تيراواط/ساعة من الطاقة، لكن مع تدنّي معدل كفاءة محركات الاحتراق الداخلي (24%)، فإن الاستفادة الفعلية لا تتجاوز 3.370 ألف تيراواط/ساعة.
على الجانب الآخر، أنتجت طاقة الشمس والرياح عالميًا 4.625 ألف تيراواط/ساعة خلال العام نفسه، ومع الكفاءة العالية للسيارات الكهربائية التي تصل إلى 84%، يمكن تحويل هذا الإنتاج إلى 3.886 ألف تيراواط/ساعة من الطاقة.
ويعني ذلك أن الطاقة المتجددة يمكنها توليد ما يكفي من الكهرباء لتعويض الطلب العالمي على البنزين من السيارات، وتشغيل أسطول السيارات الكهربائية.
يأتي ذلك مع تسارع نمو الطاقة الشمسية والرياح، حيث تضاعف 3 مرات خلال السنوات الـ7 الماضية، ليشكّل 15% من إجمالي إنتاج الكهرباء العالمي في 2024.
في الوقت نفسه، من المتوقع ارتفاع الطلب على الكهرباء من السيارات الكهربائية إلى قرابة 1000 تيراواط/ساعة بحلول 2030، مقارنة بـ115 تيراواط/ساعة -حاليًا-، بحسب توقعات وكالة الطاقة الدولية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر..