أخبار عاجلة

يوميات حاج (8): الهدي ورمي الجمرات .. تطهير النفس وتحرير الروح

يوميات حاج (8): الهدي ورمي الجمرات .. تطهير النفس وتحرير الروح
يوميات حاج (8): الهدي ورمي الجمرات .. تطهير النفس وتحرير الروح

في هذا اليوم المبارك، لا يكون المجد في الزينة ولا في مظاهر الفرح العابرة؛ بل في القرار الوجودي الذي يتخذه القلب: أن يُتمّ ما بدأه في عرفة. أن ينتقل من مقام الانكشاف إلى مقام الفعل، من التضرّع الصامت إلى الحركة التي تُبرهن على صدق النية، وعلى أن الرحمة التي سكنت القلب بالأمس قد أثمرت اليوم فعل تضحية وتحرّر.

رمي الجمرات ليس رجمًا لحجارة ساكنة؛ بل هو رميٌ للقيود الخفية التي تشدّ الروح إلى الأسفل: الشهوة، الغضب، الحسد، الكِبر، الوهم.

حين يرمي الحاج، لا يرجم كائنًا خارجيًا؛ بل يواجه نفسه، ويقول لها بوضوح: “أعرفكِ، لكنني لن أخضع لكِ”.

كل جمرةٍ علامةٌ على لحظةٍ داخلية:

تسقط بها غواية الماضي، وتُعلن بها النية في الحاضر، وتُؤسّس به الخطوة في المستقبل.

ولهذا، فالرجم ليس فعلًا عابرًا؛ بل طقسٌ متكرر يدل على أن الصراع مع النفس لا يُحسم مرة واحدة، بل يُجدد في كل موسم، ويُقاوَم في كل نفس.

وفي ذلك المشهد المهيب، تمتد الصفوف، تمضي الخطوات، وتُمسك الأيادي بالحصى كمن يُمسك بشيء من ذاته يريد أن يُبعده عنه.

إنه تطهير بالإرادة، لا بالبكاء.

لأن من وقف في عرفة باكيًا عليه أن يُثبت اليوم صدق بكائه بالفعل.

ثم يأتي ذبح الهدي، لا بوصفه طقسًا دمويًا، بل كأسمى تعبير عن الرغبة في القرب، عن التضحية الرمزية بما هو أعزّ.

كما ذبح إبراهيم عليه السلام رؤياه، يذبح الحاج اليوم نفسه القديمة.

وكما فدى الله إسماعيل، يُفدى الحاج من قيده حين يقدّم هديه عن نية طاهرة، عن قول صامت:

“هذا ليس لحمًا، هذا ثقلٌ قديم أضعه هنا، كي أمشي من بعده بخفّة جديدة”.

الهدي هو الامتنان الذي لا يُقال بالكلمات، بل يُنحر بالفعل.

هو إعلان صامت يقول: “لم أعد كما كنت.”

وكأن ما يسفك على الأرض ليس دمًا، بل هو بقايا من الأنا، من الأنانية، من التعلّق الزائف بما لا يُغني.

وهكذا، تلتقي الرمزية بالفعل، ويتجسد الإيمان في اليد التي ترجم، وفي القلب الذي يذبح، وفي الجسد الذي يتحرك نحو الله، لا بالشعارات، بل بالأثر.

وفي هذا اليوم، لا يعود الحاج كما جاء.

لقد صار: من رمَى، ومن ذبَح، ومن شهد على نفسه بالتغيير.

صار: من اغتسل من ركامه، ووقف على مشارف ولادة جديدة، لا كقادم إلى المناسك، بل كعائد إلى الحياة بقلبٍ أكثر صفاءً، وعينٍ ترى الأمور بميزانٍ آخر.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق أيمن أبو عمر: أيام التشريق تجليات رحمة ومغفرة.. وفرصة لليقظة وقت غفلة الناس
التالى صور تهنئة عيد الأضحى 2025.. أروع الكلمات جاهزة للنسخ والمشاركة