في إطار سعيه إلى تعزيز حضوره في الأسواق العالمية الواعدة، شارك المغرب، ممثلا بالمكتب الوطني المغربي للسياحة، في المعرض الدولي للسياحة بمدينة شنغهاي، مستعرضا غنى عرضه السياحي وتنوع مقوماته الطبيعية والثقافية أمام أبرز الفاعلين الصينيين والدوليين في القطاع.
وقد شكل الرواق المغربي نقطة جذب متميزة داخل المعرض، بفضل تصميمه الذي عكس جوهر الهوية المغربية وتعدد روافدها الحضارية؛ فبين عبق الشاي المغربي، وأصداء موسيقى كناوة، وفنون الزخرفة والخط، إلى ركن يحاكي ألوان وأزقة مدينة شفشاون، تحول الفضاء المغربي إلى تجربة حسية متكاملة تأسر الزوار وتنقلهم إلى روح المغرب المتجذرة.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى المغرب إلى تعزيز الربط الجوي مع الصين، حيث تم إطلاق خطوط جوية جديدة بين البلدين؛ مما يُتوقع أن يسهم في زيادة كبيرة في أعداد السياح الصينيين، بحلول نهاية العام الجاري.
تُجسد هذه الدينامية السياحية المتجددة رؤية المغرب في جعل الانفتاح على السوق الصينية مدخلا لتعزيز موقعه ضمن الخريطة العالمية للوجهات السياحية ذات القيمة المضافة. فالسائح الصيني، الذي يولي اهتماما بالغا للتجارب الأصيلة والعمق الثقافي، يجد في المغرب تربة خصبة لاكتشاف حضارة ضاربة في التاريخ، وبيئة متنوعة تمتد من الأطلس إلى الصحراء، مرورا بالمدن العتيقة والأسواق التقليدية.
وهكذا، لا تمثل مشاركة المغرب في معرض شنغهاي مجرد حضور ظرفي أو تظاهرة دعائية؛ بل هي جزء من استراتيجية بعيدة المدى، تؤمن بأن مستقبل السياحة المغربية يمر أيضا عبر آسيا، وأن التنوع الجغرافي في الترويج للوجهة المغربية هو مفتاح الاستدامة ومواجهة التحولات المتسارعة التي يعرفها قطاع السياحة دوليا.
ضمن هذه الدينامية المتجددة، شكلت مشاركة المغرب في معرض الصين الدولي للسياحة 2025 محطة استراتيجية لتعزيز حضوره في السوق الصينية الواعدة؛ فقد توجت هذه المشاركة بتوقيع مذكرة تفاهم استراتيجية مع منصة “تريب.كوم” (Trip.com)، أكبر وكالة سفر عبر الإنترنيت في الصين، تهدف إلى استقطاب 1.15 مليون ليلة مبيت صينية في المغرب بحلول عام 2028، إلى جانب تعزيز صورة الوجهة السياحية المغربية في أسواق أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
كما أبرم المكتب الوطني المغربي للسياحة اتفاقيات شراكة مع فاعلين رئيسيين في القطاع السياحي الصيني؛ من بينهم “فليغي” (Fliggy)، و”سي.آي.تي.إس” (CITS)، و”يو.تي.إس” (UTS)، و”يوباي ترافل” (Youpai Travel)، تستهدف مدنا رئيسية مثل بكين وشنغهاي وقوانغتشو، بهدف تحقيق 100 ألف ليلة مبيت إضافية.
وتندرج هذه المبادرات ضمن رؤية شاملة للمملكة تهدف إلى تنويع شراكاتها السياحية والانفتاح على أسواق جديدة، مع التركيز على فهم خصوصيات الثقافة الاستهلاكية الصينية وتكييف العرض السياحي المغربي بما يتماشى مع تطلعات السائح الصيني الباحث عن الجودة والتجربة الفريدة.
وفي ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، يُعد هذا التوجه خطوة استراتيجية نحو تعزيز الحوار الحضاري وبناء جسور التقارب مع أحد أعرق الشعوب الآسيوية؛ مما يعكس التزام المغرب بتعزيز موقعه كوجهة سياحية متميزة على الخريطة العالمية.
ويُتوقع، وفقا لخبراء ومتابعين في القطاع السياحي، أن تُترجم هذه المقاربة الاستباقية إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، سواء من خلال ارتفاع عدد السياح الصينيين الوافدين إلى المملكة أو من خلال بروز المغرب كوجهة مفضلة ضمن الكُتيبات الرقمية لمنصات الحجز الصينية الكبرى. كما أن توسيع قاعدة الشركاء المهنيين من وكالات وأسفار ومؤثرين رقميين يُعَد خطوة محورية في ترسيخ صورة المغرب كسوق جاذب ومستقر ومتنوع.
وفي أفق السنوات المقبلة، يُراهن المكتب الوطني المغربي للسياحة على تعميق هذا التوجه، عبر تعزيز الحضور المغربي في تظاهرات آسيوية كبرى، وتكثيف الحملات الترويجية الموجهة عبر الوسائط الاجتماعية والمحتوى السمعي البصري المعد خصيصا للمتلقي الآسيوي. كما يجري التنسيق مع المتدخلين في القطاع الفندقي والنقل الجوي والمؤسسات التكوينية، لضمان انخراط شمولي في المشروع الترويجي الجديد ولترسيخ مكانة المغرب ضمن لائحة الوجهات الآسيوية المفضلة ذات البعد الثقافي والروحي.
وهكذا، تُجسد مشاركة المغرب في معرض شنغهاي للسياحة ترجمة عملية لرؤية بعيدة المدى، تنظر إلى السياحة لا كمجرد نشاط اقتصادي؛ بل كبوابة استراتيجية نحو تعددية الأسواق وتوسيع النفوذ الثقافي وبناء شراكات متوازنة مع قوى اقتصادية صاعدة، في عالم يتغير بإيقاع سريع، وتفرض فيه القدرة على التكيف والانفتاح شروط الاستمرارية والنجاح.
هو، حسب مصدر لجريدة هسبريس الإلكترونية من داخل المكتب الوطني المغربي للسياحة، لا ينفصل الرهان المغربي على السوق الصينية عن التحول الأكبر الذي تشهده السياسة السياحية الوطنية، القائمة على مفهوم “السياحة الموجهة بالطلب” بدلا من “السياحة الموجهة بالعرض”، بما يضمن صياغة منتجات وتجارب متكاملة تستجيب فعليا لحاجيات الزبائن المستهدفين، وتراعي تنوع خلفياتهم الثقافية واهتماماتهم الفردية.
وأكد المصدر ذاته أن إدماج السوق الصينية ضمن هذه الرؤية يُبرز نضج المقاربة المغربية، وقدرتها على استشراف آفاق جديدة تتجاوز الطابع الموسمي للسياحة، في اتجاه نموذج متجدد ومستدام. إن الصين، بفضل قاعدتها السكانية الضخمة وطبقتها الوسطى المتوسعة واهتمامها المتزايد بالأسفار، تمثل فرصة استراتيجية واعدة لا ينبغي الاكتفاء باستكشافها ظرفيا؛ بل استثمارها بنفَس طويل المدى.
وأضاف أن البداية من شنغهاي ليست سوى أولى الخطوات في مسار أوسع، يتجاوز مجرد التمثيل في المعارض، ليشمل حضورا ثقافيا ودبلوماسيا وسياحيا مستمرا، يعكس طموح المغرب في أن يكون جسرا حضاريا بين الشرق والغرب، وفضاء مفتوحا لتلاقي الثقافات وإعادة تشكيل العلاقات الدولية بمنظور ناعم وفعال.
وأضاف المصدر ذاته لهسبريس أن من أبرز ما يُميز هذا التوجه المغربي أنه لا ينبني على انبهار لحظي بالسوق الآسيوية؛ بل يستند إلى قراءة معمقة للتحولات الجارية في سلوك المسافر الدولي، وفي مقدمتها تزايد الإقبال على الوجهات الأصيلة والهادئة، بعيدا عن المدن الصاخبة والأنماط السياحية النمطية.
وأشار إلى أن المغرب يقدم نفسه كبديل حضاري متكامل، يزاوج بين البساطة والرفاه، وبين التاريخ الحي والحداثة المسؤولة، مضيفا أن هذا التموقع لا يهدف فقط إلى جذب السائح الصيني كزائر عابر؛ بل يسعى إلى تحويله إلى “سفير ضمني” للوجهة المغربية، عبر تجربة إنسانية راسخة تُروى شفهيا ورقميا في محيطه، ما يخلق موجات ترويج عضوي تفوق أحيانا فعالية الحملات التسويقية التقليدية.
ولفت المصدر نفسه إلى أن الاستثمار في جودة الانطباع وخصوصية التجربة بات رأسمالا رمزيا حاسما، في ظل تصاعد تأثير المؤثرين الرقميين في خيارات السفر؛ وهو ما تعيه جيدا استراتيجية المغرب القائمة على الجودة بدل الكم، والتفاعل الثقافي بدل الاستهلاك السريع.