لم تعد إشكالية الكراء بمدينة سلا هي الأخرى خافية، إذ يتواصل الإقبال على كراء الشقق المتوسطة، ل اسيما بالأحياء الكبرى والأكثر تجهيزا، مقابل العرض الذي يظل “محدودا للغاية”؛ الأمر لا يساهم في تلبية الطلبات الكثيرة التي تستقبلها الوكالات العقارية إلى جانب السماسرة.
ونتج ذلك الوضع بشكل مباشر عن عدد الطلبات التي ترد عن موظفين وطلبة ومستخدمين وعمال ممّن يشتغلون أساسا بمدينة الرباط؛ وهو ما تعزّز أكثر بوجود طلبٍ متواصل من المهاجرين من جنوب الصحراء، والذين يقطنون في الغالب بأحياء كـ”تابريكت” و”بطانة” و”حي كريمة”.
وحسب الإفادات التي قدّمها وكلاء عقاريون لهسبريس، فإن “إيجاد شقق جيّدة للكراء بأقل من 3000 درهم بات صعبا، مع وجود استثناءات على مستوى الأحياء الشعبية والأقل تجهيزا؛ بل إن سلا الجديدة، هي الأخرى، باتت توفر عروضا كراء محدودة وبأثمنة مرتفعة”.
وقال هؤلاء الوكلاء العقاريون إن “بقاء الأمور على حالها، من ارتفاعٍ في الطلب وقلةٍ في العرض وعدم وضع أثمنة مرجعية من لدن السلطات الوصية على قطاع السكنى، من شأنه أن يفتح الباب أمام ارتفاع سومة الكراء بهذه المدينة سنة بعد سنة، لتقترب من ملامسة الأثمنة المُعتمدة بمدنٍ كالرباط والدار البيضاء وطنجة، على سبيل المثال”.
وأوضح عبد المجيد العسري، وكيل عقاري معتمد بمدينة سلا، أن “التحول السريع في أثمنة كراء الشقق بالمدينة بات واضحا، إذ ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة في ظرف سنوات قليلة، لاسيما بعد فترة جائحة كورونا؛ مما أفرز واقعا راهنيا مطبوعا بارتفاع الطلب ومحدودية العرض الذي يوفّره المُلاّك”.
وأكد العسري، في تصريح لهسبريس، أن “كراء شقة متوسطة الحجم، من غرفتين على الأقل، صار شبه مستحيل، لا سيما بالأحياء الكبرى؛ بما فيها تابريكت وبطانة أو حي كريمة، حيث صرنا نتحدث عن سومة كرائية تنطلق من 2500 درهم شهريا على الأقل”، موضحا أن “الأثمنة المعتمدة داخل الأحياء الشعبية البعيدة عن الخدمات الرئيسية تظل منخفضة نسبيا”.
كما لفت إلى أن “الأثمنة المعمول بها، اليوم، تصل إلى 3000 و3500 درهم، وتلامس أيضا حاجز 4000 درهم”، مفيدا بأن “أصحاب المنازل موضوع الكراء باتوا يشترطون أن يكون المُكتري موظفا أو ذا أجرة قارة، وذلك مخافة السقوط في نزاعات مستقبلا”.
وأفاد المتحدث ذاته أيضا بأن “أصحاب الوكالات العقارية يتوصّلون يوميا باستفسارات الزبناء بخصوص وجود شقق جاهزة للكراء، وهي الاستفسارات التي لا يمكن الجواب عليها كما يجب؛ بالنظر إلى أزمة العرض بالمدينة ومحدوديته التي لا يمكن نكرانها”.
من جهته، صرّح خالد صادق، وكيل عقاري، بأن “المشهد العقاري بمدينة سلا يتسم، حاليا، بارتفاع الطلب ومحدودية العرض؛ وذلك بفعل قرب المدينة من الرباط التي تضم من جهتها جامعات وإدارات عمومية (..)”، موضحا أن “السومة الكرائية بسلا باتت تزيد عن 3500 درهم، وتلامس أيضا مستويات لم تكن مطروحة خلال السنوات الماضية”.
وأوضح صادق، في تصريح لهسبريس، أن “الطلب على العقار بالمدينة يأتي من جهة الموظفين والطلبة والمهاجرين من دول جنوب الصحراء، الذين لا يجدون فرصة للاندماج بمدينة الرباط، ليقصدوا بذلك جارتها سلا”، كاشفا أن أحياءً كـ”تابريكت” وبطانة” و”حي كريمة”، فضلا عن سلا الجديدة، “شهدت ارتفاعا في السومة الكرائية المُقترحة؛ وذلك بفعل كونها أحياء متوفرة على الخدمات الرئيسية، على رأسها خدمة الترامواي للتنقّل إلى مقرات العمل أو الدراسة”.
كما سجّل أن “العرض العقاري بهذه المدينة بات جد محدود، لا سيما أن عددا من المُكترين يفضلون الاستقرار بشقق بعينها بدون الانتقال إلى أخرى؛ وذلك تجنّبا لمناورات أصحابها الذين يبحثون عن فرص سانحة من أجل الرفع من السومة الكرائية بما يصل في بعض الأحيان إلى 500 درهم”، معتبرا أن “مدينة سلا شكلت دائما مأوى لفئات واسعة من الموظفين المشتغلين بالعاصمة الرباط”.
وزاد الوكيل العقاري ذاته قائلا: “للأسف، مصالح الوزارة الوصية على قطاع السكنى لا تقوم باعتماد أثمنة مرجعية بالنسبة للكراء، خلافا لعمليات الشراء؛ في حين من المفروض تصنيف الأحياء بغرض عقلنة تحديد السومة الكرائية”، مردفا “الكثيرُ من الزبناء يطالبوننا بإيجاد شقق بأثمنة معقولة، إلا أن الغلبة تبقى للطّلب على حساب العرض؛ وهو ما يؤثر بشكل مباشر على مردودية نشاطنا”.