قدمت إسرائيل حجتين رئيسيتين لمنع وفد وزاري عربي من زيارة رام الله ، أولها "مخالفة الاتفاقات (بما فيها أوسلو)"، والثانية الدعوة لإقامة دولة إرهابية حسب وصف الاحتلال.
وفقاً للمستشار في الخارجية الفلسطينية، منير الجاجوب في تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط"، أبلغت إسرائيل السلطة الفلسطينية بأن "مثل تلك الزيارات تُخالف الاتفاقات المبرمة بين الطرفين، ومنها (اتفاق أوسلو)". ورد الجاجوب بأنه "لا يوجد في اتفاقية أوسلو أو أي اتفاقات أخرى ما يمنع السلطة من استقبال ممثلي الدول في مقرها برام الله".
واستشهد بزيارات ثلاثة رؤساء أميركيين (كلينتون، ترامب، بايدن) وعشرات المسؤولين الأوروبيين والعرب للضفة والتقائهم مسؤولي السلطة منذ توقيع أوسلو عام 1993.
ووصف الموقف الإسرائيلي بأنه "محاولة لفرض سلطة الأمر الواقع ومحاصرة السلطة ومنعها من أداء مهامها".
كما نقلت وسائل إعلام عبرية عن بيان لمسؤول إسرائيلي صدر ليلة الجمعة اتهم فيه السلطة الفلسطينية برفض إدانة "مجزرة السابع من أكتوبر"، وزعم أن هدف الاجتماع في رام الله هو "الترويج لإقامة دولة فلسطينية ستكون بلا شك (دولة إرهابية) في قلب أرض إسرائيل".
وأعلنت إسرائيل رفضها "التعاون مع تحركات من هذا النوع، والتي تهدف إلى الإضرار بها وبأمنها"، ودعت السلطة الفلسطينية إلى "التوقف عن الإخلال بالاتفاقات مع إسرائيل على جميع المستويات".
ويعد منع إسرائيل لوفد وزاري رفيع المستوى من الوصول إلى رام الله بالضفة الغربية المحتلة، تصعيد دبلوماسي جديد، مما دفع اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمة العربية- الإسلامية إلى تأجيل الزيارة المخطط لها، فيما أثار المنع إدانات عربية ودولية.
فصول المنع والتأجيل
أعلنت وزارة الخارجية الأردنية في بيان رسمي صدر السبت (الموافق لتاريخ البيان في النص الأصلي) أن الوفد الوزاري، الذي يضم وزراء خارجية دول عربية وإسلامية، قرر تأجيل زيارته إلى رام الله. وجاء القرار "في ضوء تعطيل إسرائيل لها، من خلال رفض دخول الوفد عبر أجواء الضفة الغربية المحتلة التي تُسيطر عليها إسرائيل". وكان من المقرر أن ينطلق الوفد من عمّان صباح الأحد.
تشكيل الوفد الوزاري وأهداف الزيارة
الوفد هو جزء من "اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمة العربية-الإسلامية الاستثنائية بشأن قطاع غزة" التي تشكلت في نوفمبر 2023. وتضم اللجنة في عضويتها وزراء خارجية: السعودية، الأردن، قطر، مصر، البحرين، تركيا، إندونيسيا، نيجيريا، فلسطين، بالإضافة إلى الأمينين العامين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. وكان من المقرر أن يضم وفد رام الله المحدد وزراء خارجية: السعودية (الأمير فيصل بن فرحان)، البحرين (عبد اللطيف الزياني)، مصر (بدر عبد العاطي)، الأردن (أيمن الصفدي)، وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.
ووفقاً للسفير الفلسطيني لدى السعودية مازن غنيم في تصريحات لقناة "الإخبارية"، كانت الزيارة تهدف إلى: تجسيد وحدة الموقف العربي الإسلامي تجاه القضية الفلسطينية، وبحث آليات حراك عربي مشترك لحشد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، والاستماع لملاحظات القيادة الفلسطينية قبل المؤتمر الدولي رفيع المستوى لحل الدولتين المزمع عقده في الأمم المتحدة بنيويورك (17-20 يونيو 2024) برئاسة مشتركة سعودية-فرنسية.
الموقف العربي والإدانة
وصف الوفد الوزاري العربي في "موقف مشترك" قرار المنع بأنه: "خرقاً فاضحاً لالتزامات إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال"، ودليلاً على "حجم غطرسة الحكومة الإسرائيلية، وعدم اكتراثها بالقانون الدولي"، واستمراراً لـ"إجراءاتها وسياساتها اللاشرعية التي تُحاصر الشعب الفلسطيني الشقيق وقيادته الشرعية، وتكرس الاحتلال، وتقوّض فرص تحقيق السلام العادل والشامل".
رسالة سلبية قبيل انعقاد المؤتمر الدولي في نيويورك حول حل الدولتين
يأتي المنع في سياق تصاعد التوترات في الضفة الغربية، وفي أعقاب حادثة دولية مقلقة تمثلت في إطلاق قوات إسرائيلية النار على وفد دبلوماسي متعدد الجنسيات (يضم ممثلين عن فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، مصر، المغرب) في جنين قبل أيام، مما أثار استنكاراً دولياً واسعاً.
يرسل المنع رسالة سلبية قبيل انعقاد المؤتمر الدولي المهم في نيويورك حول حل الدولتين، والذي تسعى المبادرة العربية لتعزيز الزخم تجاهه. ويرى الجانب الفلسطيني والعربي أن الزيارة كانت ستوجه "رسالة قوية... مفادها فلسطين أولوية عربية وإسلامية" (على لسان السفير غنيم).
ويعكس المنع، من وجهة النظر الفلسطينية والعربية، استمرار سياسة إسرائيل الرامية إلى عزل السلطة الفلسطينية دولياً وإفشال أي مساعٍ دبلوماسية جادة نحو حل الدولتين. كما يؤكد الجاغوب أن "السلطة ترى أن إسرائيل تريد قطع أي دعم عن الفلسطينيين لحرمانهم من حقهم في إقامة دولتهم"، وأنها أبلغت المجتمع الدولي بهذا الموقف.
إن إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، أو ما يعرف بـ اتفاقية أوسلو وُقّعت بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن عام 1993 برعاية أمريكية. وهي تنظم العلاقات الانتقالية وتفويضات السلطة الفلسطينية، لكنها لا تتضمن - كما يؤكد الجانب الفلسطيني والدلائل العملية لزيارات سابقة - نصاً يمنع السلطة من استقبال الوفود الدبلوماسية في مقرها.