تترنح سوق الهيدروجين في أستراليا تحت وطأة التأخير والتكلفة، بعدما كانت مرشحة للريادة العالمية بفضل مواردها المتجددة الهائلة وموقعها الإستراتيجي.
فقد أظهر تقرير حديث، اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)، أن أكثر من 80% من مشروعات الهيدروجين منخفض الكربون في البلاد ما تزال عالقة في مراحل التطوير المبكرة، في حين أُلغيت بعض المشروعات المهمة، محذرًا من أن البلاد قد تفقد ميزة الريادة حال عدم اتخاذ إجراءات عاجلة.
وكانت الحكومة الأسترالية قد أطلقت الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين لعام 2024، لرسم خريطة طريق واضحة لتحويل أستراليا إلى مركز رائد في القطاع بحلول 2030.
وبحسب موقع الحكومة، تمتلك أستراليا أكبر محفظة مشروعات للهيدروجين في العالم، بقيمة تتجاوز 225 مليار دولار.
تحديات تواجه سوق الهيدروجين في أستراليا
أوضح التقرير، الصادر عن شركة الأبحاث وود ماكنزي، أن سوق الهيدروجين في أستراليا تكافح رغم ثروتها المتجددة الهائلة والمساحات الشاسعة.
وأشار إلى أن أستراليا يمكنها الاستفادة من قربها الإستراتيجي من مراكز الطلب الآسيوية، لكن ارتفاع التكلفة المستوية للهيدروجين، وتكاليف الهندسة والمشتريات والبناء، فضلًا عن الكهرباء، مقارنة بأوروبا والشرق الأوسط، يجعلها متأخرة عن الركب.
فإسهامات أستراليا في السوق العالمية للهيدروجين منخفض الكربون لا تتجاوز 5% من إجمالي القدرة البالغة 6 ملايين طن سنويًا قيد التشغيل أو التطوير، في حين مشروعات، مثل "بي إي إم 50" التابع لشركة فورتسكيو، و"ويوري غرين أمونيا"، لا تتخطى قدرتها 10 آلاف طن سنويًا.
كما أثار إلغاء دراسات ومشروعات مهمة كانت تُعدّ علامة فارقة في مسار أستراليا مخاوف حول مستقبل القطاع وقدرته على المنافسة.
وقد سبق أن أعلنت شركة التعدين الأسترالية فورتسكيو في منتصف الشهر الجاري نيتها لإغلاق مصنع للتحليل الكهربائي، وتخطط لتعديل الجداول الزمنية لمشروعاتها المتعلقة بالهيدروجين الأخضر، إلى جانب خفض الإنفاق على الطاقة الخضراء بنسبة 20% في ظل حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية.
ويأتي هذا التحول في أعقاب إشارة حكومة غرب أستراليا تراجعها عن خطط سابقة لوضع أهداف صارمة لخفض الانبعاثات.

5 مسارات لسد الفجوة التنافسية
في ظل تراجع سوق الهيدروجين في أستراليا، بات من الضروري التحرك العاجل عبر 5 مسارات رئيسة، وهي:
- تحفيز الطلب المحلي:
يُعدّ ضعف الطلب المحلي العقبة الأساسية أمام التوسع في الإنتاج، رغم أن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يؤدي دورًا في إزالة الكربون من قطاعات، مثل صناعة الصلب والنقل الثقيل وتوليد الكهرباء.
وما يزال الإنتاج المحلي غير مجدٍ اقتصاديًا في ظل الأسعار الحالية، إذ يتجاوز متوسط تكلفة الهيدروجين في أستراليا حاجز 10 دولارات للكيلوغرام، في حين لا تتجاوز تكلفة استعماله بدلًا من مصدر آخر في توليد الكهرباء 0.80 إلى دولار واحد للكيلوغرام، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ودعا التقرير أستراليا إلى الاستلهام من تجارب ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، التي اعتمدت آليات "العقود مقابل الفروقات" لدعم السوق المحلية وتحفيز الطلب.
- تعزيز حوافز إنتاج الهيدروجين:
ما تزال أستراليا متأخرة في سباق الحوافز رغم إطلاق برامج حكومية، مثل الحوافز الضريبية لإنتاج الهيدروجين (HPTI) ومبادرة "هيدروجين هيد ستارت"، إلا أن الدعم دون المستوى المطلوب لمنافسة العروض العالمية.
على سبيل المثال، توفّر واشنطن دعمًا يصل إلى 3 دولارات/كيلوغرام ضمن برنامج الائتمان الضريبي للإنتاج، في حين لا تتجاوز الحوافز الأسترالية 1.30 دولارًا/كيلوغرام.
ويُضاف إلى ذلك أن معايير الكثافة الكربونية في أستراليا مرتفعة نسبيًا، ويقف ذلك حائلًا أمام العديد من المشروعات للحصول على الدعم.

- دعم الهيدروجين الأزرق وقودًا انتقاليًا:
يُعدّ الهيدروجين الأزرق -المنتج من الغاز الطبيعي مدعومًا بتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه- خيارًا انتقاليًا يمكّن أستراليا من التقدم نحو الهيدروجين الأخضر.
وبالاعتماد على احتياطيات الغاز الهائلة في غرب أستراليا، تبدو البلاد مؤهلة إلى إنتاج الهيدروجين الأزرق محليًا، ما يمهّد لتسريع بناء البنية التحتية اللازمة لإزالة الكربون على المدى الطويل.
- تنسيق المعايير مع الأطر الدولية:
تتطلّب سوق الهيدروجين في أستراليا مواءمة معاييرها مع الأطر الدولية، إذ تشترط حدًا أدنى لكثافة الكربون عند 0.6 كيلوغرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون/كيلوغرام هيدروجين، في حين تسمح دول مثل اليابان وأوروبا بعتبات أعلى تصل إلى 3.4 و3.38 كيلوغرامًا على التوالي.
وسيُسهم توحيد هذه المعايير مع الشركاء التجاريين الرئيسين والتوافق مع البرامج الدولية في تعزيز قدرة أستراليا التنافسية، وفرصتها التصديرية.
- تعزيز التعاون الدولي:
يعتمد نجاح سوق الهيدروجين في أستراليا على تعزيز التعاون بين الحكومات والمطورين والشركاء الدوليين، لتأمين اتفاقيات شراء واستثمارات مضمونة على المدى الطويل.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر..