
بعنوان “قراءة في إخفاقات النخب بمغرب القرن التاسع عشر” صدر عن دار النشر سليكي أخوين كتاب جديد لأستاذ العلوم السياسية نجيب المهتدي، يهتم بكشف لغز “عدم اكتراث النخب بالتحديث”، ومؤشرات “تقاعس المجتمع المغربي” منذ ما قبل القرن التاسع عشر، والهزائم السياسية والعسكرية والنفسية الممهّدة لسقوط المغرب في شرك الاستعمار الأجنبي، رسميا، في القرن العشرين.
ويقول الكتاب الجديد: “إن ما كان يجري داخل المجتمع، إنْ على المستوى التجاري والاقتصادي، أو على المستوى الفكري والثقافي، له دوره كذلك في تحديد نوعية السياسات المتبعة، وتكريس الرأي الراجح كما تبلوره النخبة اللصيقة بالحكم وتدافع عنه داخل دواليب المخزن وفي حضرة السلطان إن كان لها حظ في ذلك”.
ويضيف المؤلف: “تكمن أهمية القرن التاسع عشر في كونه أرّخ لنهاية ما بقي من إمبراطورية امتدت أطرافها للأندلس شمالا، والقيروان شرقا، ولنهر السنغال جنوبا؛ وبعبارة أدق نهاية حقبة، وانطلاق أخرى عرفت بالركود والتقهقر والارتجال، انتهت بالتوقيع على اتفاقية الحماية سنة 1912”.
هذه إذن، وفق المنشور الجديد، “حقبة من الزمن بمثابة خزان لما كان عليه المغرب من قبل، ومرآة لما كان عليه الفكر التقليداني، ونظم هيمنة الحكم السلطاني مع ما يحمله من مضامين أصبحت في ما بعد عوائق سياسية وفكرية، ومحل صراعات وتناقضات في عهد الدولة المستحدثة ما بعد الحماية”؛ وهي “تناقضات مازلنا نعيش تفاعلاتها داخل النسيج السياسي والمجتمعي والمؤسساتي”.
ويقف العمل الجديد عند أبرز الوقائع التي هزت أركان الدولة السلطانية طيلة القرن التاسع عشر وما قبله، التي “ساهمت بشكل من الأشكال في التحولات الذهنية التي طرأت على مستوى البنيات الفكرية، رغم صعوبة العملية بالنظر إلى المعطى الأنثروبولوجي المغربي وتعقيد مكوناته الروحية والعقائدية”.
ويردف الكتاب: “من الظروف التي مهدت لبروز ظواهر شاذة داخل المجتمع المغربي خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر كون الدولة المغربية عاشت عقدين عصيبين جراء مخلفات حرب تطوان، إذ كان عليها أداء تعويض عن الحرب في شكل غرامة ثقيلة فرضتها إسبانيا لاسترجاع المدينة، وتعويض ما أنفقته في حربها. وإثر ذلك دخل المغرب في مرحلة انكماش اقتصادي، تزامن مع تعدد أشكال مواجهة الأطماع الأوروبية وأزلامها المحليين من مضاربين وسماسرة، بل من بينهم كذلك أعيان وخدام للسلطة ورجال تصوف!”.