في هذه الأيام أخصص سويعات من نهاري، أعاود فيها قراءة صفحات من “تهافت التهافت” لابن رشد، الغائب الأكبر عن رشدنا اليوم، والحاضر دوما حيث تعلمون؛ لدى هذا الغرب الذي يبزنا في كل شيء؛ حتى في إرث ابن رشد، وابن خلدون، وابن طفيل… وغيرهم.
ومن الصدف الطريفة أن يشرد ذهني أحيانا إلى تهافت آخر، فضحته وسائل التواصل الاجتماعي أنعته بـ”تهافت اللحامة” – نعم من اللحم” – يجري في خلسة من قرار ملكي سام، قضى ألا ذبيحة هذا العام؛ رفعا للحرج عن فقراء الوطن، وعن قطيع وقع ضحية لمغرب أخضر، تحول بقدرة قادر إلى مغرب أفقر.
يتهافتون على تفاصيل الخرفان أنى ثقفوها، ولسان حالهم: “نتفة من لخروف ولا يمشي سالم”.
قارنوا بين تهافت الماضي الفلسفي الراقي، وهذا التهافت اللحمي “الدواري” لتقفوا على عوامل التعرية، بل التصحر، التي نالت من العقول.
ولتعلموا إلى أي حد تصدق مقولة: “الملكية المتقدمة عن الشعب”
استعيدوا ما كان يجري من تهافت لحمي، يوم قرر المرحوم الحسن الثاني ألا ذبيحة، ولظروف اقتصادية شبيهة.
وعودوا إلى ما جرى في مملكة الحسن الأول من اعتراض شعبي على البعثات الطلابية إلى الخارج، ولسان الحال وقتها: “نبعث بأبنائنا مجلببين، ليعودوا إلينا مطربشين، ويتبولون وقوفا”.
والأخطر ما كان يحصل في فجر المد الكولونيالي، من طلب بعض أغنياء البلاد للحماية من قناصل الدول الأجنبية. حماية للاستقواء على المخزن.
ولم يكن هذا، في الواقع، سوى تهافت خياني، مهد لدخول المستعمر.
بعد هذا أتساءل: هل هؤلاء الذين يخذلون، سرا وعلانية، في مواجهة قرار ملكي، وهو بحجية قوية، وفي صالحهم وصالح البلاد، يمكن أن يعول عليهم، في حال نزول المكاره بالبلاد لا قدر الله؟
هل من لا يصبر على اللحم، أياما معدودات، يمكن أن يصبر على الشدائد، ويهب مضحيا ومتطوعا؟
ويخجلني شعب فلسطين بغزة، بصبره بل استماتته، وكان بوسعه أن يتهافت مستسلما، ليحظى ليس باللحم فقط، بل بالسلم والشبع.
إن الشعوب تعركها الحروب والشدائد، وتنحتها نحتا.
فأي شعب نحن؟