طالبت فرق ومجموعات المعارضة بمجلس المستشارين الحكومة بـ”وقف تسليع الخدمات العمومية والحماية الاجتماعية، وإصلاح شامل للمنظومة الصحية والتعليمية يضمن مجانية وجودة الخدمة العمومية”، مع “إعادة النظر في المؤشر الذي يحدد الاستحقاق لنيل الدعم الاجتماعي المباشر، ووضع خطة تصحيحية شجاعة تضمن الإنصاف في المساهمات، والفعالية في العلاج، والكرامة في التعليم والشغل”.
وخلال جلسة عامة شهرية، الثلاثاء، خُصصت لتقديم الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، حول موضوع “السياسة العامة المرتبطة بترسيخ مقومات الإنصاف والحماية الاجتماعية”، طالبت المعارضة أيضًا بـ”ضرورة تحرك الحكومة بالحزم اللازم لمحاسبة ومعاقبة المصحات الخاصة التي مازالت تطلب الشيكات كضمانة، في معاكسة واضحة للقانون”.
“مؤشر زئبقي”
أشار امبارك السباعي، رئيس فريق الحركة الشعبية بمجلس المستشارين، إلى اعتماد السجل الاجتماعي الموحد على أساس المداخيل، واعتبر ذلك “جيدًا ومقبولًا”، وزاد: “لكن في المقابل تم تأسيس الدعم الاجتماعي المباشر على مؤشرات مصاريف الأشخاص والأسر، وبناءً على التصريحات، لنصبح أمام مؤشرات متحولة تتغير كل يوم، ويصبح الاستحقاق الاجتماعي رهينًا لعملية التنقية، وليس حقًا دستوريًا يضمن العيش الكريم وواجب الولوج إلى الصحة والتعليم والسكن، والتكافؤ في الفرص بين جميع المواطنات والمواطنين”.
وأوضح السباعي أن “المواطن أصبح رهينًا لعتبات جوفاء وصمّاء جعلته لا يرغب في المبادرة حتى لا يغادر طبقة الفقر ويسقط في مجموعة الهشاشة، وحتى لا يفقد هذا الحد الأدنى، ويُحسب ظلمًا في الطبقة المتوسطة المغلوبة أصلًا على أمرها”، مطالبًا الحكومة بالانتباه إلى “تحول فقراء الوطن وعديمي الدخل والشغل إلى أرقام افتراضية، والحال أن الفقر والهشاشة ليسا قدرًا، بل صناعة سياسية وبشرية”.
وتساءل المتحدث بشأن “وعود الحكومة بخصوص مدخول الكرامة، الذي يوفر قبل نهاية الولاية 1000 درهم لكل شيخ من شيوخ الوطن”، وتابع: “ماذا عن بطاقة الرعاية الذكية التي تجعل أبواب الصيدليات والمستشفيات تُفتح أمام المواطنين بالمجان؟ وماذا عن طبيب لكل أسرة، والمواطنون لا يجدون غالبًا طبيبًا في المستشفى الجامعي، فضلًا عن الإقليمي أو المحلي؟”.
وناقش القيادي الحركي مسألة تمويل الورش، مسجلًا أن “أكثر من نصف الاعتمادات تأتي من جيوب المساهمين والمواطنين، وما تبقى يأتي من ميزانية الدولة”، وأردف: “والواقع أن المساهمات والاشتراكات دون مستوى الطموحات، في ظل توسع القطاع غير المهيكل، وتردد ذوي المهن الحرة في الاشتراك، وتوسع البطالة وفقدان الشغل. فمن أين وكيف ستضمنون استدامة التمويل؟”.
وبخصوص تعميم التقاعد والمعاش والتعويض عن فقدان الشغل استفسر المستشار ذاته بشأن “رؤية الحكومة لتنزيل هذين الورشين، وكيفية تمويلهما، علمًا أننا على بعد أشهر قليلة من نهاية السقف الزمني لتنزيلهما بموجب القانون الإطار وتوجيهات الملك محمد السادس”، مشددا كذلك على ضرورة “بناء ورش الحماية الاجتماعية على مؤشرات جهوية منصفة تراعي التفاوتات المجالية والاجتماعية”، وكذا “جمع شتات الورش الموزع بين أربعة قطاعات حكومية دون رؤية موحدة”.
“منظومة وأسئلة”
سجل يوسف أيدي، رئيس فريق الاتحاد الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بالغرفة البرلمانية الثانية، بأسف، أن “أعضاء البرلمان ساهموا في النقاش العام والسياسي، وفي إقرار نصوص تشريعية مؤطرة بشكل إجمالي، لكن النقاط الأساسية المرتبطة اليوم، التي تؤثر على ولوج المواطن إلى هذه الخدمات الاجتماعية، غائبة عنا كمؤسسة تشريعية”، وأوضح: “لا نعرف ما هو المؤشر، كيف يُحتسب، كيف يتأثر صعودًا أو نزولًا، وهل له ارتباط بتطور تكلفة العيش اليومي للمواطن أو لا؟”.
وأكد أيدي أن “هذه أسئلة لا نعرف الإجابة عنها”، وتابع: “عندما يسألنا المواطنون ويقول أحدهم: ‘كنت أستفيد من الدعم وتم حرماني منه’ لا نمتلك الميكانيزمات للجواب الحقيقي والموضوعي، ولا الآليات الرقابية التي تضمن وصول هذا الدعم إلى مستحقيه”، وزاد: “هناك كذلك حالات احتيالية على هذا الدعم؛ فهناك عدد من المواطنين يشتغلون ويُصرّحون بالعكس بتواطؤ مع المشغلين، فما هي الآليات التي اعتمدتها الحكومة لمواجهة هذه الإجراءات الاحتيالية؟”.
وتحدث القيادي في “حزب الوردة” عما وصفه بـ”إشكال التغطية الصحية”، موردا أنه “لا يُقاس في بلدنا اليوم بعدد ملفات المرض التي تمت معالجتها، وإنما الأمر أعمق لأن الإشكالات في المغرب مرتبطة بالولوج إلى الخدمة الصحية، وعدد المستشفيات، وعدد الأطر الطبية والتمريضية، وغيرها من الإشكالات التي تمنع دمقرطة الولوج إلى العلاج”، وأردف: “المواطنون المغاربة لديهم تغطية صحية، لكنهم محرومون من الولوج، خصوصًا في القطاع الخاص”.
وتطرق المتحدث كذلك إلى مشكلة “شيك الضمان” الذي تطلبه المصحات الخاصة، وواصل: “يقول وزير الصحة في كل مرة إنه غير قانوني، ومع ذلك تصر هذه المؤسسات الصحية الخاصة على تحدي القانون والمؤسسات والدولة، وتشترط الشيكات كضمانة”، وتساءل: “ما هو الانطباع الذي يأخذه المواطنون عن المؤسسات حين يرون الأمور تتكرر؟ الحكومة مطالبة اليوم بمواجهة هذا السلوك بالحزم اللازم”.
كما تحدث القيادي السياسي والنقابي عن الحوار الاجتماعي ونتائجه، وقال: “صحيح أن رقم 45 مليار درهم كاعتماد مهم في هذه المرحلة التي تجتازها بلادنا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، لكن المكتسب الاجتماعي يُقاس بتكلفة العيش، وبأثره على القدرة الشرائية للمواطن، وكذا بما يمثله هذا الإنفاق الاجتماعي من نسبة في كتلة الإنفاق العمومي بشكل عام”.
“لا للدعاية”
أكد لحسن نازهي، منسق مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن “الإنصاف والحماية الاجتماعية ليسا برامج وميزانيات وتدابير، بل أساسًا اختيارات وتوجهات وأولويات تجعل من الإنسان والمواطن المغربي محور السياسات العمومية”، معتبرًا أن “الواقع يفضح التناقض بين القول والفعل؛ فملايين من المغاربة بدون عمل، وأرقام البطالة تؤكد ذلك، بعدما ارتفعت إلى أكثر من 13 بالمائة وطنيا”.
وأشار نازهي إلى أن “ملايين الأطفال خارج المدرسة، إذ يغادر أكثر من 350 ألف تلميذ المدرسة سنويًا؛ كما أن الملايين من المغاربة بدون تغطية صحية، رغم الخطاب المتكرر عن التعميم، والملايين من العمال يعيشون الاستغلال والاستعباد في القطاع غير المهيكل، الذي يشمل أكثر من 70 بالمائة من العمال”، وقال: “ملايين من الأسر المغربية كذلك تعيش صعوبات في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة، فمديونية الأسر بلغت 411 مليار درهم في نهاية سنة 2024، ما يشكل 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام”.
وتساءل القيادي النقابي وهو يخاطب رئيس الحكومة: “أين الإنصاف والحماية الاجتماعية؟”، وزاد: “أصبح الولوج إلى العلاج امتيازًا، والدواء عبئًا يفوق القدرة الشرائية للمواطنين، في وقت تتجاوز أرباح تجارة الدواء 300 بالمائة”، مبرزًا أنه “يُفرض على المواطن البسيط أداء اشتراكات التأمين الإجباري على المرض، بينما يعاني من خدمات صحية منهارة”، وأورد: “أخفقت الحكومة في منح مضمون حقيقي لورش الحماية الاجتماعية، فبدل أن يكون مشروعًا لتحرير المغاربة من الفقر والتهميش تحول إلى آلية تخضع للمنطق المحاسباتي لا لمنطق العدالة الاجتماعية”.
وعلى مستوى تمويل النظام أكد المتحدث “غياب العدالة الجبائية، إذ يساهم الأجراء والفئات الوسطى بنسبة تفوق 70 بالمائة من موارد النظام، بينما يتم التغاضي عن التهرب الضريبي والاجتماعي الذي تمارسه بعض كبريات الشركات”، معتبرًا أن “هذا ما يهدد استدامة منظومة الحماية الاجتماعية، إذ سجل نظام التغطية الإجبارية عن المرض سنة 2023 عجزًا في التحصيل وصل إلى 450 مليون درهم”، وزاد: “وحتى نهاية شتنبر 2024 فاقت النفقات المداخيل بنسبة 17 بالمائة، وهو ما يعكس اختلالًا واضحًا في التوازن المالي”.
وفي ظل هذا الواقع اعتبر المستشار ذاته أن “التداول في الدولة الاجتماعية دون إصلاح ضريبي عادل يُنهي الامتيازات وكل أشكال الريع يعدّ مجرد دعاية لا تعكس التزامات الحكومة في برنامجها مع المغاربة”، مناديًا بـ”سياسة أجرية منصفة تحفظ القدرة الشرائية، وحماية فعلية من البطالة والمخاطر الاجتماعية، بالإضافة إلى ضمان خدمات عمومية مجانية وجيدة”.
“تفاوتات صارخة”
قال خالد السطي، المستشار عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب: “طالبنا في أكثر من مناسبة بوضع الأسس والمرتكزات لبلوغ الهدف الإستراتيجي وراء المشروع، ومن ذلك فتح حوار مجتمعي حوله، بما يعزز انخراط كل مكونات المجتمع المغربي في هذا الورش الكبير، لكن مع الأسف واجهتنا الحكومة بسياسة الإقصاء والتهميش حتى من الحوار الاجتماعي، رغم أن الحوار فضيلة”، متسائلا: “عن أي إنصاف وحماية اجتماعية نتحدث في ظل ارتفاع معدلات البطالة وعجز الحكومة، بكل مكوناتها، عن تحقيق هدف مليون منصب شغل؟”.
وطالب السطي بوضع “خطة تصحيحية شجاعة، تضع الإنسان أولًا، تضمن الإنصاف في المساهمات، والفعالية في العلاج، والكرامة في التعليم والشغل”، مسجلًا أن “هذا ليس مستحيلًا، لكنه يحتاج إلى منسوب عالٍ من الوطنية والترفع عن الحسابات السياسوية”، ومعتبرًا أن ثمة “تراجعًا حادًا في الطبقة المتوسطة الحضرية”، و”وفايات متكررة في صفوف عمال وعاملات زراعيين في وسائل نقل لا تحترم آدميتهم”.
كما تساءل المتحدث: “عن أي إنصاف وحماية اجتماعية نتحدث في ظل ارتفاع معدلات التضخم رغم صرف مليارات الدراهم على برامج فارغة كإلغاء عيد الأضحى؟”، وزاد: “عن أي إنصاف وحماية اجتماعية نتحدث في ظل وجود أكثر من 8.5 ملايين مغربي خارج التغطية الصحية”، مسجلًا ما وصفه بـ”فشل برنامج ‘أمو تضامن’، مع الحاجة إلى العودة لنظام ‘راميد'”.
وأردف السطي: “عن أي إنصاف وحماية اجتماعية نتحدث في ظل هشاشة المنظومة التعليمية بسبب التفاوت في الجودة بين القطاعين العام والخاص، وبين المجالين الحضري والقروي، واستمرار أزمة النظام الأساسي؟”، وأضاف: “عن أي إنصاف وحماية نتحدث في ظل هشاشة سوق الشغل وتغول القطاع الخاص وهضم حقوق العمال والعاملات، وانتهاك حقوقهم الدستورية في الانتماء النقابي وحرية التنظيم على مرأى من كل السلطات؟”.