في مقال مشترك له نُشر في صحيفة “The Daily Signal” اعتبر الخبير الأمني الأمريكي والضابط السابق في جهاز الاستخبارات روبرت جرينواي، الذي يشغل حالياً منصب مدير مركز “أليسون” للأمن القومي، أن “دعوة النائب الجمهوري جو ويلسون إلى تصنيف جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر كمنظمة إرهابية يضع واشنطن أمام اختبار حاسم في مدى استعدادها لمواجهة وكلاء الإرهاب المتمركزين على الجناح الجنوبي لحلف الناتو”.
وأضاف الخبير الأمني ذاته، في المقال الذي كتبه بمعية الباحث أمين غوليدي، الزميل الزائر في معهد “شيلبي كولوم ديفيس” للأمن القومي والسياسة الخارجية، أن “مقاتلي جبهة البوليساريو يستخدمون طائرات بدون طيار من طراز إيراني، ويتشاركون ممرات صحراوية مع قوافل الإمداد الخاصة بالوكلاء الروس في المنطقة، كما يفرضون ضرائب على طرق التهريب التي تغذي الجماعات الجهادية في منطقة الساحل”.
وأبرز المقال أن الولايات المتحدة الأمريكية تجاهلت هذا التهديد من قبل، مردفاً بأنه “عام 1988 أسقطت صواريخ البوليساريو طائرتين تابعتين للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ما أسفر عن مقتل خمسة أمريكيين، دون أن ترد الولايات المتحدة بفرض عقوبات”، مؤكداً في الوقت ذاته أن “مشروع القانون الذي قدمه ويلسون يفرض على واشنطن اتخاذ قرار حاسم: إما الاستمرار في التجاهل أو الاعتراف أخيرًا بجبهة البوليساريو كتهديد حقيقي يعمل كوكيل لأطراف معادية”.
وزاد كاتب الوثيقة: “منذ حادثة 1988 تغيّرت البيئة الإستراتيجية بشكل جذري؛ ففي نوفمبر 2020 انسحبت البوليساريو من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بوساطة أممية عام 1991 في الصحراء، وأعلنت المنطقة ‘منطقة حرب’، واستأنفت الهجمات الصاروخية على طول الجدار الأمني المغربي الذي يمتد لـ1700 كيلومتر. وهددت البوليساريو القنصليات الأجنبية وشركات الطيران والشركات التجارية، واعتبرتها أهدافًا مشروعة”.
وتابع المصدر ذاته بأن “تهديدات البوليساريو تعتمد على ملاذ آمن توفره الجزائر، وعلى ثلاث ركائز مترابطة: دعم عسكري إيراني، شبكة نفوذ روسية متنامية، واقتصاد غير مشروع في منطقة الساحل يدعم تمويل الجماعات الجهادية”، مؤكداً أن “الملاذ الآمن الجزائري هو الأساس، إذ تعمل القيادة السياسية للبوليساريو وعدة وحدات قتالية كبيرة من مخيمات قرب مدينة تندوف الجزائرية، خارج نطاق القوات المغربية والمراقبين الدوليين، حيث يتيح هذا الملاذ للجبهة تخزين الأسلحة، وتجريب أنظمة جديدة، وجذب داعمين خارجيين بأقل المخاطر”.
وأوضح المقال نفسه أن “المساعدات العسكرية الجزائرية والدعم المالي الحكومي يغطيان مجموعة من النفقات، بدءًا من ميزانيات جماعات الضغط في واشنطن إلى تمويل الرواتب، التي لولاها لما استطاعت الجبهة الحفاظ على بنيتها التحتية المسلحة بهذا الحجم”، معتبراً أنه “رغم أن عدد مقاتلي البوليساريو النشطين يبلغ نحو 8000 فرد إلا أن التقييمات الدفاعية تحذر من أن المخيمات الجزائرية التابعة للبوليساريو يمكنها تعبئة ما يصل إلى 40,000 مقاتل – وهو احتياطي بشري يمكن لقادة البوليساريو استغلاله، وقد حاولت جماعات جهادية بالفعل تجنيده”.
وأشار الخبير عينه إلى أن “إيران تلعب دورًا موثقًا بشكل متزايد في دعم البوليساريو، إذ تعود العلاقة على الأقل إلى عام 1980، حين ظهر مقاتلو الجبهة في صور يحملون صورة للمرشد الإيراني روح الله الخميني، في محاولة لنيل دعم الثورة الإيرانية”، مبرزًا أن “طهران انتقلت لاحقًا من تقديم التدريب إلى تزويد الجبهة بالمعدات؛ ففي ظهور مصوَّر عام 2022 صرّح من يسمى ‘وزير داخلية’ البوليساريو، عمر منصور، بأن مقاتليه يتدربون على تجميع وتشغيل طائرات مسيّرة مسلحة، وبعد 13 شهرًا نشرت وسائل إعلام تابعة للبوليساريو صورًا لذخائر تم التعرف عليها عبر الإنترنت كمعدات إيرانية الطراز”.
وتابع جرينواي: “كما رُبطت الذخائر إيرانية الطراز نفسها بهجمات أدت إلى مقتل ثلاثة مدنيين في مدينة السمارة عام 2023، بحسب تقارير إعلامية. ونقلت صحيفة WELT الألمانية عن تسجيل استخباراتي لاتصال مشفّر في أكتوبر 2023 قيام مبعوث البوليساريو مصطفى محمد لمين الكتاب بتهنئة وسيط من حزب الله على هجوم حماس في 7 أكتوبر، متعهدًا بـ’تصعيد المقاومة في الصحراء’ بعد وصول مزيد من الأموال والتكنولوجيا”.
على صعيد مماثل أبرز المقال ذاته أن “موسكو تستمر في التقرب من البوليساريو بهدوء وبشكل منهجي، إذ شارك ممثلو الجبهة بانتظام في مؤتمرات ‘حركة مناهضة العولمة في روسيا’ منذ عام 2015، وهي فعاليات يمولها الكرملين وينظمها ألكسندر إيونوف الذي وُجّهت إليه تهم في الولايات المتحدة عام 2022 لإدارته عملية تأثير لصالح جهاز الأمن الفيدرالي الروسي”.
وذكر الخبير ذاته أنه “رغم عدم وجود أدلة على نقل مباشر للأسلحة أو تنسيق عسكري بين وكلاء روسيا المسلحين والبوليساريو إلا أن قوافل فاغنر المنتشرة الآن في مالي والنيجر تسلك الممرات الصحراوية نفسها التي لطالما سيطر عليها مهربو البوليساريو، ما يشكل قناة لوجستية كامنة قد يستخدمها الكرملين عند الحاجة”، مؤكداً أن “البوليساريو تلعب دورًا محوريًا في اقتصاد الساحل غير المشروع، الذي يغذي تمويل الجهاد وتجنيد المقاتلين؛ فالقادة الصحراويون ينقلون ‘الحشيش’ بكميات كبيرة شرقًا، والكوكايين شمالًا، والأسلحة الليبية غربًا، فيما تذهب الضرائب المفروضة على هذه العمليات إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
وفي حديثه عن الدعم الأمريكي للسيادة المغربية على الصحراء أورد المقال أن “إدارة ترامب اعتبرت خطة الحكم الذاتي المغربية الحل الواقعي الوحيد لقضية الصحراء، غير أن هذا المسار الدبلوماسي يجب أن يُستكمل بسياسة أمنية تعترف بواقع شبكة البوليساريو المسلحة والعنيفة، المرتبطة الآن بدوائر إيران ووكلاء روسيا وشبكات التهريب والإرهاب في الساحل”.
وأكدت الوثيقة أن “سابقة الحوثيين في اليمن تُظهر كيف يمكن لحركة كانت تُعتبر في البداية تمردًا محليًا أن تتحول، إذا لم يتم احتواؤها، إلى قوة وكيلة كاملة”، مشددة على أن “واشنطن إذا كانت تنوي حماية مصالحها الإستراتيجية بعيدة المدى في غرب المتوسط فلا يمكنها السماح لشمال إفريقيا باتباع المسار نفسه… بالتالي يجب أن تُدرج البوليساريو ضمن ‘المنظمات الإرهابية العالمية’ المحددة بموجب الأمر التنفيذي 13224”.
وخلص كاتب المقال إلى أن “هذا الأمر يتيح للحكومة الأمريكية فرض عقوبات على الكيانات التي ترتكب أو تُهدد بارتكاب أعمال إرهابية، ما يتيح تجميد أصولها المرتبطة بالولايات المتحدة وحظر تعاملاتها على مستوى العالم”، مسجلًا أن “هذا التصنيف سيكون مكمّلًا، لا بديلاً، للإجراءات الحالية في مكافحة الإرهاب، وسيوفر سلطة قانونية لتجميد الأصول، وتقييد السفر، وإرسال إشارة حازمة بأن التهديدات الناشئة سيتم التعامل معها قبل أن تتفاقم”.