مع اقتراب موسم الاصطياف، تتأهب المدن الساحلية بشمال المملكة لاستقبال أعداد متزايدة من الزوار والمصطافين، في ظل توقعات بإقبال سياحي كبير على غرار السنوات الماضية.
وتراهن السلطات المحلية بمدن مارتيل والمضيق والفنيدق، وكذا إقليم تطوان والجماعات الساحلية التابعة له، على تفعيل حزمة من التدابير والإجراءات الرامية إلى توفير الظروف الملائمة لقضاء عطلة آمنة في ظروف جيدة.
تشمل هذه التدابير، تعزيز البنية التحتية والخدمات اللوجستية، وتحسين العرض الترفيهي، وضمان استجابة المرافق الصحية والبيئية لمتطلبات هذا الموسم الموسوم بـ”الرواج الاقتصادي”، لا سيما في المناطق الساحلية التي تعد وجهات مفضلة للملك محمد السادس ولملايين الزوار من داخل المغرب وخارجه.
تحديات متكررة
على امتداد المواسم الصيفية الماضية، واجهت مدن شمال المملكة تحديات متكررة أثرت سلبا على تجربة الزوار والمصطافين، بدءا من غلاء أسعار كراء الشقق، إلى جانب ضعف شروط السلامة الصحية في عدد من المطاعم والمرافق السياحية، كما برزت صعوبات أخرى مرتبطة بندرة مواقف السيارات “الباركينغ”، ما أدى إلى توتر الأجواء في العديد من المناطق السياحية، فضلا عن الاكتظاظ الكبير الذي تعرفه المحاور الطرقية المؤدية إلى الشواطئ، وهو ما ينغّص على الزوار متعة الاستجمام ويقلل من جاذبية هذه الوجهات خلال فترات الذروة.
وتشهد السواحل الشمالية للمملكة إقبالا كثيفا خلال شهري يوليوز وغشت من كل سنة؛ إذ يتزامن توافد الجالية المغربية المقيمة بالخارج مع العطلة السنوية للموظفين، ما يسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية، ويخلق رواجا ملحوظا في مختلف القطاعات، لكنه يتحوّل في كثير من الأحيان إلى ازدحام خانق بشكل يرهق الزوار ويضع الخدمات العمومية تحت ضغط كبير.
وفي هذا السياق، اعتبر آدم أفيلال، أحد أبناء مدينة تطوان، أن نجاح الموسم الصيفي لا يرتبط فقط بجودة المياه والشواطئ، بل يشمل البيئة السياحية برمتها، مؤكدا ضرورة توفير شروط متكاملة تتعلق بالتنشيط الثقافي والترفيهي، والنظافة، والأمن، إلى جانب تجهيز المرافق العامة والطرقات.
وأشار أفيلال، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أهمية الانتباه إلى تفاصيل دقيقة تشكّل فارقا كبيرا في جودة الاستقبال، من أجل الاستفادة من الرواج الاقتصادي الذي يخلفه “موسم الهجرة إلى الشمال”، مثل توفير مرائب كافية للسيارات، وتنشيط الساحات العمومية من خلال تنظيم المهرجانات والفعاليات، فضلا عن التفكير الجدي في توسعة الطرقات وبناء القناطر لتقليص الازدحام وتحسين انسيابية حركة السير.
كما شدد المتحدث ذاته على ضرورة تفعيل لجان مراقبة الأسعار، خاصة فيما يتعلق بالمأكولات والخدمات الأساسية، للحد من الزيادات غير المبررة التي تثقل كاهل الزوار، مبرزا أن “تحقيق هذه الأهداف قد لا يتم في موسم واحد، لكنه يستدعي بداية التفكير الجدي والتخطيط المستدام”.
ودعا أفيلال جميع المتدخلين، وخاصة المجالس الجماعية والسلطات المحلية، إلى تحمل مسؤولياتهم لإنجاح الموسم الصيفي، لافتا إلى أهمية النظافة العامة وتكثيف حضور دوريات الأمن لتأمين الأجواء وتنظيم الفضاءات العمومية.
كما نبه آدم إلى ظاهرة احتلال الشواطئ من قبل أصحاب المظلات والكراسي بشكل عشوائي، داعيا إلى التعامل معها بصرامة وحزم لضمان حق الجميع في الاستفادة من الفضاءات البحرية.
عاصمة صيفية للملك
بدوره، قال حسن الفيلالي، ناشط جمعوي، إن الاستعدادات الخاصة بالموسم الصيفي في عمالة المضيق-الفنيدق تحظى باهتمام كبير من مختلف السلطات والمصالح المعنية، لما تتميز به هذه المنطقة من رمزية خاصة، باعتبارها “العاصمة الصيفية للملك محمد السادس”.
وأضاف الفيلالي، في تصريح لهسبريس، أنه مع اقتراب فصل الصيف تشهد مدن المضيق والفنيدق ومرتيل تعبئة كافة الموارد البشرية واللوجستية لضمان جاهزيتها من خلال تعزيز البنية التحتية، وتزيين المدارات والفضاءات الخضراء، وتحسين مستوى نظافة الشوارع ودعم التغطية الأمنية.
وأورد المتحدث أن هذا الاستعداد يعكس حرص السلطات المحلية على تقديم صورة مشرفة عن المنطقة، واستقبال الزوار في ظروف جيدة، مما يعزز مكانة العمالة كوجهة سياحية وطنية جاذبة تستجيب لتطلعات السياح والزوار والسكان على حد سواء.
الفنيدق خارج التغطية
في مقابل الرضا الذي عبر حسن الفيلالي، قال عمر الياسيني، فاعل جمعوي من مدينة الفنيدق، إنه على عكس أشغال التهيئة والدينامية التي تعرفها الشوارع والأرصفة بمرتيل والمضيق استعدادا لاستقبال الزوار والمصطافين، فإن “مدينة الفنيدق تبقى وفية لواقعها المنسي المتسم بالانتظار بلا جديد، والفوضى العارمة”.
وصرح الياسيني لهسبريس بأن “كاستيخو” كان من المفترض أن تتحول إلى قطب سياحي واقتصادي، إلا أنها “تأبى أن تواكب الركب في غياب رؤية واضحة ومبادرات محلية”، مستحضرا تهالك الشوارع والطرقات على مستوى مجموعة من النقط، وقلة لوحات التشوير، مؤكدا أن البنية التحتية المحلية لا تليق لا بالزوار ولا بالسكان.
وأضاف أن المدينة الحدودية كانت حتى وقت قريب تشكل نقطة عبور ومركز جذب، إلا أنها “أصبحت اليوم ضحية للعشوائية والركود والتهميش، وكأنها تعاقب على موقعها الجغرافي وتاريخها الحدودي”، وتابع
متسائلا: “كيف يعقل أن ترصد كل سنة ميزانيات تحت مسمى التأهيل والتزيين دون أثر ملموس؟ أين تصرف تلك الاعتمادات؟ ومن يراقبها؟”.
وختم الفاعل الجمعوي ذاته إفادته بالتنبيه إلى أن الفنيدق اليوم تعج بالمشردين والمتسولين والمدمنين، إلى جانب توافد المهاجرين السريين من جنسيات متعددة، موردا أن “هذا الواقع لا يشرف كما لا يبشر بغد أفضل”.
وفي ظل هذا التفاوت في وتيرة الاستعدادات بين مدن عمالة المضيق-الفنيدق، يبقى الأمل معلقا على التفاتة محلية ترفع التهميش وتعيد للفنيدق مكانتها كوجهة سياحية واقتصادية واعدة.