في سياق المشاورات الجارية على مستوى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تتعالى أصوات جمعيات حقوقية مطالبة بتعميم تدريس اللغة الأمازيغية على الصعيد الوطني، تنزيلاً للطابع الرسمي الذي أقره دستور المملكة.
وفي هذه الدردشة مع جريدة هسبريس الإلكترونية يتحدث الحسين سفرت، المنسق الوطني لتنسيقية أساتذة اللغة الأمازيغية، عن واقع تدريس الأمازيغية، مبرزا الإكراهات التي تواجه الأساتذة في الميدان، وكذا الانتظارات المرتبطة بتنزيل هذا الورش على نطاق أوسع.
ما مدى توفر الموارد البشرية الكفيلة بإنجاح ورش تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، سواء من حيث الأساتذة أو المفتشين؟
لا توجد حالياً موارد بشرية كافية قادرة على تعميم تدريس اللغة الأمازيغية على المستوى الوطني، سواء من حيث عدد الأساتذة أو المفتشين؛ فرغم مرور أكثر من عقدين على إدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية فإن عدد الأساتذة المتخصصين لا يتجاوز 3000 أستاذ على الصعيد الوطني، وهو رقم لا يسمح بتغطية حتى التعليم الابتدائي بالشكل المطلوب.
أما على مستوى التأطير التربوي فالصورة أكثر قتامة، إذ لم تُخصص وزارة التربية الوطنية في مباراة التفتيش لسنة 2023 سوى 12 منصبًا فقط لتكوين مفتشين في تخصص اللغة الأمازيغية، ما يعكس النقص الحاد في الكفاءات المشرفة على التكوين والتتبع البيداغوجي. هذا العجز في الموارد البشرية يُعد من أبرز العراقيل البنيوية التي تحول دون تنفيذ سياسة تعميم تدريس اللغة الأمازيغية بشكل منصف وفعّال، ويجعل من هذا الورش رهيناً بالشعارات أكثر من كونه واقعاً قابلاً للتحقق.
هل هناك تجاوب واضح من الدولة مع مطلب تعميم تدريس اللغة الأمازيغية؟
لا، لا يمكن القول إن هناك استجابة فعلية وجدية من الدولة لمطالب تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، رغم وجود إشارات شكلية وتدابير محدودة؛ فرغم الاعتراف الرسمي بالأمازيغية كلغة رسمية في دستور 2011، وصدور القانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتفعيل طابعها الرسمي سنة 2019، فإن واقع تدريسها في المؤسسات التعليمية يكشف غياب الإرادة السياسية الحقيقية لتفعيل هذا الالتزام الدستوري. على سبيل المثال مازالت نسبة المدارس التي تُدرَّس فيها الأمازيغية منخفضة جدًا، إذ لا تتجاوز 1800 مؤسسة من أصل ما يفوق 11 ألف مدرسة ابتدائية.
أما التصريحات الوزارية التي تحدثت عن “تعميم تدريجي” للغة الأمازيغية في أفق 2030 فلا تترافق مع إجراءات ملموسة على مستوى التكوين والتوظيف والتأطير، ما يجعل هذه الوعود أشبه بخطاب تسويقي لا ينعكس ميدانيًا. بل إن وزارة التربية الوطنية قامت، في سابقة مثيرة للجدل سنة 2025، بإقصاء تخصص اللغة الأمازيغية من مباراة الترقية إلى الدرجة الأولى من إطار أستاذ التعليم الثانوي.
إن هذا التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي والممارسات الفعلية يؤكد أن التجاوب مع مطالب تعميم تدريس اللغة الأمازيغية لا يعدو كونه شكليًا، ويُوظف في أغلب الأحيان كغطاء سياسي دون التزام فعلي بمضامينه.
ما أبرز التحديات التي مازالت تعرقل تعليم اللغة الأمازيغية في المغرب؟
يواجه تعليم اللغة الأمازيغية تحديات بيداغوجية وتنظيمية مازالت تعرقل مساره بعد أكثر من عقدين على إدماجه في المنظومة التعليمية؛ من أبرزها عدد ساعات تدريس هذه اللغة المتمثل في ثلاث ساعات منذ إدماجها في المنظومة التعليمية سنة 2003، أي قبل الدسترة، ومازالت مستمرة بالغلاف الزمني نفسه، الذي يعتبر من بين أهم العراقيل التي لا تسمح للتلاميذ بالاستفادة من الأمازيغية بحجم استفادتهم نفسه من باقي اللغات، خاصة اللغة العربية كلغة دستورية.
ثم يبرز ضعف التكوين الأكاديمي المتخصص لأساتذة اللغة الأمازيغية، إذ يُلاحظ أن جزءًا كبيرًا من المدرسين لم يستفيدوا من تكوين متين ومتكامل يؤهلهم لمواكبة حاجيات المتعلمين ومقتضيات تدريس لغة رسمية بوسائل ديداكتيكية حديثة. كما أن قلة الموارد التعليمية، من كتب مدرسية، ودفاتر أنشطة، ودعامات بصرية سمعية، يحدّ من فعالية التدريس داخل الفصل، ويدفع المدرسين للاجتهاد الفردي في إعداد المحتوى، ما قد ينعكس على جودة التعلمات. علاوة على ذلك تسجل المؤسسات التعليمية تأخراً في تفعيل المذكرات الوزارية الخاصة باللغة الأمازيغية، ما يؤدي إلى بطء في إدماجها الفعلي داخل البنية التربوية. كل هذه العوامل تبرز الحاجة إلى مراجعة شاملة في تعاطي القطاع التربوي مع هذا الورش، لضمان انطلاقة جديدة أكثر نجاعة واستقراراً لتعليم اللغة الأمازيغية.
وفي الأخير نقول إن انعدام الإرادة السياسية تجاه تعميم فعلي وإدماج حقيقي للأمازيغية يعتبر أكبر معرقل تواجهه الأمازيغية في التعليم وفي باقي المجالات.