أثار إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي عن تسمية الجزء الجديد من عملياته العسكرية في غزة بـ "عربات جدعون" جدلًا واسعًا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، حيث اعتُبرت التسمية ذات طابع رمزي ديني قديم، تتناوله مختلف الأطراف السياسية والحقوقية في سياقات متباينة.
وقد تحولت هذه التسمية إلى محور نقاش ساخن حول أهدافها السياسية والدينية، في وقت حساس تشهد فيه غزة عملية عسكرية شاملة.
رمزية توراتية تثير الجدل السياسي
يأتي اختيار اسم "جدعون" من سفر "القضاة" في التوراة ليحمل دلالات دينية وتاريخية عميقة، حيث يمثل "جدعون" بطلًا توراتيًّا قاد بني إسرائيل لتحريرهم من المديانيين باستخدام العربات الحربية.
تثير هذه الرمزية الجدل ليس فقط بسبب الصراع الديني العميق ولكن أيضًا بسبب الانعكاسات السياسية لاستخدام هذا الاسم. ج
أُدخل دعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي، الذي يحمل نفس الاسم، في دائرة السخرية السياسية بعد أن اعتبره المعارضون ليس رمزًا للإنقاذ، بل مجرد أداة لخدمة مصالح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يواجه أزمة سياسية وشعبية.
التوراة والسياسة: علاقة معقدة
في وقت سابق، استخدم الجيش الإسرائيلي أسماء تحمل رمزية توراتية في عمليات سابقة، مثل عملية "جدعون" التي جرت عام 1948، وهدفها احتلال قرية بيسان الفلسطينية وتهجير أهلها.
يعود اليوم إحياء هذا الاسم إلى تعزيز سردية دينية مرتبطة بحروب إسرائيلية ضد "الأعداء التاريخيين" لبني إسرائيل، لا سيما الفلسطينيين الذين يُصوّرون في الخطاب الإسرائيلي كـ "المديانيين" أو الأعداء التقليديين.
جدل على منصات التواصل الاجتماعي: "عجلات جدعون"
تداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي وسم "عجلات جدعون" بشكل واسع، حيث استخدم العديد من الناشطين رسومات كاريكاتيرية ساخرة تصور جدعون ساعر في مواقف هزلية، مثل قيادته لعربة أطفال أو دراجة هوائية.
وظهر هذا التهكم بشكل لافت على منصات مثل "إكس" حيث تضمنت الرسوم عناصر مستوحاة من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تساهم في خلق صور تتسم بالواقعية الزائفة.
الاستراتيجية العسكرية وتحقيق أهداف سياسية جديدة
بدخلت العمليات العسكرية في غزة مرحلة جديدة من التصعيد، مع شن غارات جوية ومدفعية مكثفة، فيما تشير التقارير العسكرية إلى تحضيرات للاجتياح البري الجزئي الذي يهدف إلى تقسيم قطاع غزة إلى ثلاثة مناطق، مما يطمس الهوية الفلسطينية ويقوض أي محاولات للمقاومة.
ووفقًا لتحليل عسكري نشرته صحيفة "جويش كرونيكل"، فإن الهدف النهائي قد يتجاوز القضاء على حركة حماس، ليتضمن أهدافًا أخرى تتمثل في إعادة توطين الفلسطينيين في مناطق محددة مثل رفح.
تأثير "عربات جدعون" على المشروع الفلسطيني
من بين الأهداف السياسية الأخرى التي قد تتكشف مع مرور الوقت هي محاولة إعادة رسم الواقع الديموغرافي في غزة والضفة الغربية، وتحقيق الأهداف الإسرائيلية في السيطرة على الأرض والمقدسات.
العملية العسكرية، التي تتسم بالتصعيد المستمر، تأتي في وقت حساس يزداد فيه الحديث عن جهود دولية لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، مع العاصمة في القدس الشرقية.
نتنياهو بين الدين والسياسة
فيما تواصل إسرائيل استثمار الرمزية الدينية لتبرير ممارساتها العسكرية والسياسية، تثار تساؤلات عن دور هذه السياسات في تشكيل الواقع السياسي في المنطقة.
يترافق ذلك مع القلق الفلسطيني والعربي من تداعيات هذه الخطوات، التي قد تسهم في مزيد من تقسيم الأراضي الفلسطينية وتصفية مشروع الدولة الفلسطينية.