أخبار عاجلة

السينما المغربية والجهات الـ 12..

السينما المغربية والجهات الـ 12..
السينما المغربية والجهات الـ 12..

مقدمة

منذ ازدهارها الملحوظ في مطلع الألفية الثالثة، فرضت السينما المغربية نفسها كفاعل ثقافي واقتصادي رئيسي في إفريقيا والعالم العربي. ومع ذلك، لا يزال تطورها محكوما بديناميكيات عدم المساواة المجالية، المرتبطة بمركزية البنيات التحتية، وتركيز شركات الإنتاج، والموارد البشرية المؤهلة، والإدارات المختصة، بالإضافة إلى الاستغلال الانتقائي للتراث المعماري.

1- مركزية الإنتاج واتخاذ القرار

الدار البيضاء-سطات والرباط-سلا-القنيطرة.. قلب السينما المغربية

على غرار السياق السياسي والاقتصادي، تتركز الإنتاجات السينمائية المغربية بشكل رئيسي في جهتي الدار البيضاء-سطات والرباط-سلا-القنيطرة، وهما القطبان الاقتصادي والسياسي للبلاد. المركز السينمائي المغربي (CCM) – الهيئة الرئيسية لاتخاذ القرار – مقره الرباط، حيث يتم منح تصاريح التصوير والبطاقات المهنية والمنح. أما الدار البيضاء، فتحتضن أهم شركات الإنتاج مثل Ali n’ Productions)) والاستوديوهات التقنية، بالإضافة إلى مزودي الخدمات وأغلب شركات تأجير معدات التصوير والمعالجة ما بعد الإنتاج. يضاف إلى ذلك ندرة صالات السينما التي مازالت مفتوحة للجمهور.

تعكس هذه المركزية منطقا موروثا من البنى التحتية الاستعمارية، عززته استثمارات ما بعد الاستقلال التي ركزت على المراكز الحضرية الكبرى. بينما ظلت الجهات الطرفية، مثل درعة-تافيلالت أو الجهة الشرقية، مهمشة رغم إمكاناتها الثقافية.
هذا التركيز يحد من تنوع السرديات السينمائية ويعزز رؤية “حضرية المركز” للمغرب، غالبا ما تكون منفصلة عن الواقع الريفي أو مشوهة له.

2- التصوير الدولي وتثمين التراث المعماري

ورزازات ورشيدية ومراكش-آسفي.. استوديوهات الصحراء

تتصدر جهة درعة-تافيلالت، بورزازات واستوديوهات أطلس، ورشيدية، التصويرات الدولية (مثلGladiator، Game of Thrones…) حيث تجعلها مناظرها الصحراوية وقصباتها (مثل آيت بن حدو المصنفة تراثاً عالمياً من قبل اليونسكو) موقعا مفضلا. كما تجذب مراكش-آسفي، بفضل تراثها المعماري (المدائن، القصور)، إنتاجات هوليوودية (مثل “Mission Impossible” و”Sex and the City 2…” تمثل هذه التصويرات مصدرا مهما للعملة الصعبة، وفرص العمل المؤقتة، وتعزيز السياحة وصورة المغرب.

تميزت أيضا جهتا فاس-مكناس وطنجة-تطوان-الحسيمة. حيث مثلت مدينة فاس، مسرحا لفيلم “ألف ليلة وليلة” (2005)، وطنجة، المدينة الأسطورية للسينما الأوروبية (فيلم Casablanca للمخرج Curtiz، 1942)، كيف يتم توظيف التراث لخدمة سرديات غريبة.

رغم الفوائد الاقتصادية، تظل عمليات ترميم التراث سطحية في الغالب، موجهة لاحتياجات الأفلام الجمالية بدلا من الحفظ المستدام.

3- الترويج السياحي.. أي الجهات تستفيد؟

تعمل الأفلام الدولية كواجهة للبلد عموما والسياحة خصوصا، لكن بشكل غير متكافئ على مستوى الجهات. تستثمر درعة-تافيلالت في صورة “الصحراء الملحمية”، بينما تشهد مراكش-آسفي والصويرة (جهة مراكش-آسفي) زيادة في الإقبال بعد تصوير أعمال مثل “Game of Thrones”.

لكن جهات مثل بني ملال-خنيفرة أو سوس-ماسة، رغم غناها بالمناظر الطبيعية، تظل غير مستغلة بالشكل الكافي. كما أن السينما المغربية نفسها، المركزة على الدراما الاجتماعية الحضرية، نادرا ما تروج للمناطق القروية.

4- فرص العمل المؤقتة.. ورزازات في المقدمة

تولد التصويرات فرص عمل موسمية في الفنادق والمطاعم وككومبارس. وتتصدر درعة-تافيلالت قائمة المستفيدين، بآلاف الوظائف غير المباشرة حول ورزازات. تليها جهات مراكش-آسفي وطنجة-تطوان-الحسيمة، بفضل جاذبيتها السياحية والتزام سينمائييها.

لكن هذه الوظائف هشة وغير مؤهلة. بينما تظل التدريبات التقنية (إضاءة، هندسة صوت، مونتاج…) مركزة في الرباط والدار البيضاء، مما يعمق الفوارق الجهوية.

5- السينما والتحديث.. تأثير متناقض

تساهم السينما في التحديث عبر:

– البنى التحتية: تشجيع بناء الفنادق والطرق في مناطق التصوير.

– التكنولوجيا: اعتماد التقنيات الرقمية (مثل الطائرات بدون طيار، المؤثرات الخاصة في ورزازات).

– الصورة الدولية: يُنظر للمغرب كبلد “جسر” بين إفريقيا وأوروبا والعالم العربي.

لكن تبقى التحديات القائمة قوية وقديمة ستحتاج تغييرا كبيرا وشجاعا يمكن إجمالها في:

– الأصالة مقابل التسويق: تطغى الإنتاجات الأجنبية التي تبحث عن الغرابة على السرديات المحلية.

– المركزية مقابل التنمية الجهوية: تظل الجهات الطرفية تابعة للقرارات الإدارية المتخذة في الرباط.

توصيات لمعالجة اللامساواة بين الجهات

أ/ اللامركزية: إنشاء فروع جهوية للمركز السينمائي المغربي وفتح صناديق مخصصة لسينمائيي الجهات بمعايير جهوية فكرية وفنية وتقنية مناسبة.

ب/ التكوين والتدريب: إقامة مدارس سينمائية في ورزازات أو أكادير لتأهيل العمالة الجهوية، على غرار مبادرة إنشاء ملحقة للمعهد العالي للمهن السينمائية بالداخلة، مع مراعاة الفعالية والعملية والملاءمة في التكوين والتدريب.

ج/ الحفاظ على التراث: ربط الإنتاج والكتابة والتصوير بمشاريع ترميم للتراث المادي بطريقة مستدامة، كما تم الأمر في قصبة آيت بن حدوعلى سبيل المثال لا الحصر.

د/ سينما شبابية ملتزمة بقيم جمالية رصينة: تشجيع الأفلام التي تعكس تنوع الجهات الـ12، المعروفة بثرائها الثقافي والمعماري والتراث اللامادي وذلك بتثبيت معايير دعم وتشجيع احترافية وذكية ولينة.

ختاما

على الرغم من أن السينما المغربية يمكن اعتبارها أداة ورافعة للمساهمة في التحديث، – يكمن التحفظ في عدم تفاعلها وعرضها ومشاهدتها من ملايين المغاربة من خلال شبكة قاعات كافية، ولا يمكن في هذا السياق اعتبار منصات مثل “فرجة” أو منصة مؤسسة عيوش بديلا – كما يظهر دور السينمات القوية تاريخيا في الولايات المتحدة وبعض بلدان أوروبا وآسيا (مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإنجلترا والصين وكوريا الجنوبية والهند)، فإنها، أي السينما المغربية، تعيد إنتاج اختلالات مجالية وطنية معروفة وسائدة وتاريخية. فلكي تصبح السينما المغربية رافعة للتنمية الشاملة، عليها أن تتجاوز المركزية في بنياتها الأساسية، وأن تُدمج الخصوصيات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية للجهات الـ12، على أساس تحسين البنى التحتية للإنتاج والتوزيع والانتشار الاجتماعي والمرافقة الإعلامية-الثقافية. وحدها المقاربة والتدبير والتسيير المؤسس على استراتيجية لامركزية هيكلية، ستسمح للسينما المغربية بأن تعكس – وتشارك بشكل فاعل في تشكيل – مغرب متجذر في تراثه ومعاصر لزمنه، ليس في البنيات التحتية فذلك ما تضطلع به الاستراتيجيات العمومية بشكل جيد، بل على مستوى تحديث وتغيير عميق للعقليات ولأنماط السلوك ولمنظومة القيم، التي يخاطبها ويتوجه إليها ويستثمرها ويتعامل معها الفيلم السينمائي الوطني.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق "شيوخ التعليم" ينادون برفع المعاشات
التالى رويترز: ترامب لن يسافر إلى تركيا للمشاركة في المحادثات بين روسيا وأوكرانيا