
في زوايا العاصمة موسكو حيث يلف الثلج عباءته البيضاء على منازل الروس، وتحل شمس الصيف دائمًا كضيف خجول لا يلبث أن ينسحب سريعًا، تُكتَب حكايات الحب بحروف من حديد، ويُعلِّق العشاق والأزواج “أقفال الحب” على أعمدة الإنارة التي تُضيء الطرقات أو على أغصان الأشجار التي تحمل ذاكرة الفصول.
هنا حيث يصبح كل قفل صغير ليس مجرد تعبير عن مشاعر متبادلة بين ذكر وأنثى، بل عهدًا مقدسًا وقلادةً تُعلَّق على صدر هذه المدينة الضخمة لتكون هي الأخرى شاهدا على هذا العهد، تقف بعض الأقفال التي تزين شوارع موسكو-أو “المدينة التي لا تنام” كما يحلو لكثر تسميتها-شامخة ليحكي الصدأ الذي غزا جنباتها قصة حب بين شخصين، ربما يكون أحدهما قد رحل عن دنيا الناس منذ زمن بعيد، لكن اسميهما المكتوبين على القفل يهمسان بأن عهدهما ما زال حيًا. تظل هذه الأقفال القديمة هي الأكثر سحرًا وإثارةً، وكأنها تؤكد للمارة أن الكثير من قصص الحب كُتِبَت يومًا هنا.
كلُّ قفلٍ هنا يحكي حكايةً ما؛ بعضها بسيط كبساطة أهل الريف الروسي، وبعضها معقَّد، وكأن قصة العشق التي جمعت الشخصين اللذين علَّقاه في هذا المكان كانت هي الأخرى معقَّدة وواجهت الكثير من العواصف واليأس قبل أن تخرج منتصرةً على كل شيء. وبجانبها، توجد أقفال ثقيلة وملتوية كالطرق التي قطعها حب صاحبَيْها قبل أن يجد ملاذه أخيرًا.
في ردها على سؤال جريدة هسبريس الإلكترونية، قالت ليانا، مواطنة روسية: “هناك مجموعة من الأماكن في العاصمة موسكو معروفة بكونها وجهة للعشاق والأزواج حديثي الزواج، حيث يعلقون قفل الحب المكتوب عليه اسميهما كتعبير عن التزام عاطفي مشترك بين الطرفين بالحفاظ على حبهما إلى الأبد”.
وأضافت المواطنة الروسية نفسها: “يرمي العاشقان مفتاح قفلهما بعيدًا بعد إغلاقه، سواء في نهر أو في أي مكان لا يمكن العثور عليه فيه مرة أخرى، كنوع من الإعلان أن حبهما لن يُفتَح ولن ينكسر أبدًا، وأن لا شيء سيفرقهما عن بعضهما”، مبرزة أن “هذا الطقس هو جزء من كيفية تعبير الروس عن الحب وتقديسهم له”.
هنا، لا تحتاج أن تسأل عن قصص العشق والغرام؛ فكل تفصيل في هذه الأقفال يحكي كل شيء. وهنا، تستسلم العاصمة موسكو بكل عظمتها التاريخية وملحمات الثورات والحروب التي خاضتها على مر التاريخ لغزو العشاق الذين يؤمنون بأن الحب الحقيقي هو التزام أخلاقي يشبه ذلك القفل الذي يبقى صامدًا دائما أمام قسوة الطقس الروسي.