في ظل التحولات المناخية المتسارعة التي يشهدها كوكب الأرض، بات المغرب واحدا من أكثر بلدان شمال إفريقيا تأثرا بالظواهر المناخية المتطرفة، بحسب ما كشفه التقرير الجديد للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
التقرير الذي يرصد “حالة المناخ في إفريقيا لسنة 2024″، وضع المغرب في صدارة الدول التي تواجه تهديدات بيئية متزايدة، تتمثل في الجفاف الحاد، وارتفاع درجات الحرارة، والتساقطات المطرية غير المنتظمة، التي أدّت في بعض المناطق إلى فيضانات قاتلة وخسائر بشرية ومادية جسيمة.
وحذّرت المنظمة من التأثير المباشر لتغير المناخ على الأمن الغذائي والموارد المائية، مؤكدة أن هذه التحديات لا تطال المغرب وحده، بل تشمل القارة الإفريقية برمتها، في ظل هشاشة البنية البيئية وارتفاع معدلات الضغط على الموارد.
في هذا الإطار، قال المصطفى العيسات، خبير في المجال البيئي والتنمية المستدامة والمناخ، إن المغرب شهد خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الظواهر الطبيعية المتطرفة الناتجة عن التقلبات المناخية، واصفا إياها بأنها “غير مسبوقة في تاريخ المملكة”، مشيرا إلى أنها مرشحة للاستمرار، بل والتفاقم في المستقبل القريب.
وأوضح العيسات، في تصريح لهسبريس، أن المغرب “عاش سبع سنوات متتالية من الجفاف، وهو رقم قياسي تسبب في أزمة مائية حادة أثرت على القطاع الفلاحي والموارد الطبيعية، فضلا عن فيضانات مدمرة ضربت مناطق الجنوب والجنوب الشرقي وأدت إلى خسائر بشرية وأضرار جسيمة في البنيات التحتية”.
كما ذكّر بحرائق الغابات التي شهدتها المملكة سنة 2022، والتي أتت على أكثر من 20 ألف هكتار من الغطاء الغابوي وأثرت بشكل مباشر على التنوع البيولوجي والأشجار المثمرة والمحاصيل الزراعية، مؤكدا أن “هذه الظواهر تندرج ضمن منظومة بيئية متكاملة تتأثر بشكل مباشر بالتغيرات المناخية العالمية”.
وتحدث الخبير البيئي عن وجود مؤشرين رئيسيين ينبئان باستمرار وتزايد هذه الكوارث؛ “أولهما الاحترار العالمي وارتفاع درجة حرارة الأرض، وثانيهما عدم التزام الدول الكبرى بخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون إلى النصف بحلول 2030 وفق ما نص عليه اتفاق باريس للمناخ”.
وأفاد العيسات بأن الكوارث الطبيعية لم تعد تقتصر على التغيرات المناخية، بل باتت تشمل أيضا النشاط الزلزالي المتصاعد، مستحضرا الزلازل الأخيرة التي ضربت تركيا واليونان، وصولا إلى الهزة الأرضية التي سجلت مؤخرا في منطقة الحوز المغربية، التي كانت قد شهدت زلزالا مدمرا سنة 2023.
وفي هذا السياق، أشاد المتحدث لهسبريس بـ”القرار الملكي الاستراتيجي والاستباقي” المتمثل في إحداث منصات للمخزون الاستراتيجي بالجهات الاثني عشر بالمملكة، معتبرا أن هذا القرار يؤسس لـ”منظومة وقائية فعالة” في مواجهة الظواهر الطبيعية، بما في ذلك الزلازل والفيضانات والحرائق.
وقال: “لا يمكن للإنسان أن يتعافى من كارثة حتى يجد نفسه في مواجهة أخرى”، فـ”عملية التعافي من زلزال الحوز، بما تتطلبه من إعادة إسكان وبناء للبنية التحتية، لا تزال جارية، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تحديات مناخية جديدة، مما يستوجب مقاربة استباقية ومرنة للتعامل مع هذه التحديات المتراكمة”.
وختم العيسات تصريحه بالتأكيد على أن جميع التقارير الدولية، ومنها تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تتقاطع مع ما يرصده الخبراء ميدانيا، مما يجعل من ضرورة التأهب المناخي أولوية وطنية وأمنا استراتيجيا للمغرب.
من جانبه، قال علي شرود، خبير مناخي، إن المغرب يُعد من الدول المعرضة لمختلف أشكال الكوارث الطبيعية بسبب موقعه الجغرافي المتميز وتنوع تضاريسه ومناخه، مشيرا إلى أن المملكة تقع في أقصى شمال غرب القارة الإفريقية وتُطل على واجهتين بحريتين–المتوسطية والأطلسية–ما يجعلها في تقاطع تيارات بحرية ومناخية متضاربة بين تيارات باردة ورطبة قادمة من الشمال وأخرى حارة وجافة صادرة من الجنوب.
وأوضح شرود، في تصريح لهسبريس، أن التضاريس المتنوعة للمغرب، التي تشمل الجبال والسهول والهضاب والمناطق الصحراوية، تزيد من قابلية البلاد لتأثرها بظواهر طبيعية مختلفة، مبرزا وجود “نوعين رئيسيين من الكوارث: كوارث موسمية مثل الفيضانات والسيول والحرائق، غالبا ما تحدث في فترات نهاية الصيف وبداية الخريف. وكوارث غير موسمية، مثل الزلازل أو الانهيارات الصخرية، يمكن أن تحدث في أي وقت من السنة، خاصة في مناطق ذات خصائص جيولوجية هشة”.
وأشار الخبير المناخي إلى أن الفيضانات التي يعرفها المغرب تختلف من منطقة إلى أخرى من حيث حدتها وتأثيرها تبعا لطبيعة التربة والبنية الجيولوجية، موضحا أن التساقطات الغزيرة في وقت وجيز قد تؤدي إلى كوارث جسيمة في مناطق معينة، بينما تمر بسلام في مناطق أخرى أكثر قدرة على الامتصاص أو التصريف.
وأكد أن الظواهر المتكررة، كـارتفاع درجات الحرارة المتواصل والجفاف، باتت تُصنّف أيضا ضمن الكوارث الطبيعية، نظرا لما تسببه من تأثيرات مباشرة على الأمن المائي والغذائي والبيئي.
وفي سياق الحديث عن التدابير الوطنية، رحّب علي شرود بـإطلاق مركز وطني للكوارث الطبيعية بجهة الرباط-سلا-القنيطرة، بمبادرة ملكية حديثة، واصفا إياه بـ”الخطوة النوعية في تبني مقاربة استباقية ووقائية لمواجهة الكوارث، عبر إعداد مبكر وتخفيف الخسائر بدل انتظار وقوعها”، داعيا إلى تعميم هذه التجربة في باقي جهات المملكة.
وختم شرود تصريحه بالتأكيد على أن المغرب مدعو إلى وضع خريطة طريق وطنية لرصد واستشعار الكوارث الطبيعية، تقوم على التنبؤ، والتأهب، والتدخل السريع، حماية للأرواح والممتلكات، وتعزيزا لقدرة الدولة على التكيف مع التحديات المناخية المتزايدة.