في إطار جهود تعزيز الحماية الاجتماعية وتحسين ظروف العمل، التأمت اللجنة المحلية لتفعيل الحماية الاجتماعية في مجال الشغل، مساء اليوم الثلاثاء بجناح النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بتنغير، في اجتماع دوري تمحور حول موضوع “دور النيابة العامة ومفتش الشغل في مراقبة أنسنة ظروف اشتغال المرأة العاملة”.
النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بتنغير عقدت هذا الاجتماع الدوري الأول، بتنسيق مع المديرية الجهوية للتشغيل والشؤون الاجتماعية بورزازات، انسجاما مع التوجهات الوطنية الرامية إلى تكريس العدالة الاجتماعية، وتحقيق الإنصاف داخل الوسط المهني، خصوصا بالنسبة للفئات الهشة في سوق الشغل.
يحمل هذا اللقاء طابعا مؤسساتيا وتنسيقيا يجمع بين الجهاز القضائي ومصالح تفتيش الشغل، في خطوة عملية نحو تفعيل مقتضيات القوانين الوطنية والتزامات المغرب الدولية ذات الصلة بحقوق المرأة العاملة، والرفع من جودة بيئة العمل بما يضمن كرامة الإنسان ويعزز مناخ الثقة والاستقرار الاجتماعي داخل المقاولات ومختلف فضاءات التشغيل.
وفي كلمته بالمناسبة، أكد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتنغير، إبراهيم عنترة، أن الحق في الشغل يمثل أحد الحقوق الأساسية التي يجب كفالتها قانونيا واجتماعيا، باعتباره محورا مركزيا في منظومة الحماية الاجتماعية التي يدعو الملك محمد السادس إلى تعزيزها من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف لكافة المواطنين.
وأشار المسؤول القضائي ذاته إلى أن هذا التوجه ينسجم مع التزامات المغرب الدولية، لا سيما معايير منظمة العمل الدولية وأهداف التنمية المستدامة 2030، خاصة في ما يتعلق بتوفير بيئة عمل آمنة، وضمان حقوق العمال، والتصدي لظاهرة تشغيل الأطفال، مستحضرا مصادقة المملكة على الاتفاقيتين الدوليتين رقم 138 و182، والملاءمة التشريعية التي تم القيام بها من خلال قوانين وطنية كمدونة الشغل، وقانون العاملات والعمال المنزليين، والقانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية.
وسلط عنترة الضوء على الدور الحيوي للنيابة العامة في حماية الحقوق الاجتماعية، من خلال مراقبة احترام القوانين ذات الصلة بالتشغيل، وتحريك المتابعات القضائية في حالة الإخلال بها، لا سيما في ما يتعلق بالطرد التعسفي، أو خرق شروط العمل، أو التهرب من أداء مستحقات الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية.
كما أبرز أهمية التعاون بين النيابة العامة ومفتشي الشغل، الذي تعزز بموجب مذكرة تفاهم موقعة مع وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، تنص على إحداث لجان محلية وجهوية ومركزية لتتبع تنفيذ البرامج الاجتماعية المرتبطة بظروف العمل، مشددا على ضرورة تفعيل هذه الآليات على أرض الواقع لضمان نتائج ملموسة.
وفي ختام كلمته، دعا وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتنغير إلى التفاعل الجاد مع المداخلات العلمية والعملية المقدمة خلال الاجتماع، من أجل إعداد خطة عمل سنوية واضحة، بأهداف دقيقة، تساهم في تحسين شروط اشتغال المرأة العاملة، وتدعيم الاستقرار الاجتماعي، انسجاما مع توجيهات الملك محمد السادس وتوجيهات رئاسة النيابة العامة.
من جهته، استعرض عبد الغني مستور، النائب الأول لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتنغير، خلال مداخلته حول موضوع “دور النيابة العامة في مراقبة أنسنة ظروف اشتغال المرأة العاملة”، المرجعيات الدينية والوطنية المؤطرة لكرامة المرأة وحقوقها، مؤكدا أن الإسلام منح المرأة مكانة رفيعة وحقوقا متساوية، وهو ما يعكسه القرآن الكريم والسنة النبوية، مشيرا إلى العناية التي يوليها الملك محمد السادس للمرأة المغربية من خلال الخطب الملكية، خاصة الرسالة الملكية بمناسبة الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي دعت إلى محاربة كافة أشكال التمييز، خصوصا ضد النساء، وتعزيز الحماية الاجتماعية للفئات الهشة.
وأكد النائب الأول لوكيل الملك أن هناك ضرورة ملحة لتطوير المنظومة القانونية المتعلقة بالمرأة العاملة لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية التي تعترضها، مشيرا إلى أنه قد تم في هذا السياق إصدار مجموعة من القوانين الأساسية، من بينها القانون رقم 19.12 المتعلق بالعاملات والعمال المنزليين، والقانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، والقانون الإطار 21.09 حول الحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى مدونة الشغل، كما أوكلت هذه التشريعات أدوارا مهمة للنيابة العامة في حماية هذه الفئة وضمان حقوقها.
وأوضح مستور أن النيابة العامة تلعب دورا مركزيا كحامية للحقوق والحريات، وخاصة حقوق النساء العاملات، من خلال تفعيل مقتضيات القانون الجنائي ومدونة الشغل وقانون المسطرة الجنائية، مبرزا أن رئاسة النيابة العامة أصدرت الدورية عدد 45 بتاريخ 13 أكتوبر 2020، التي توضح أدوار النيابات العامة في تفعيل الحماية الاجتماعية، وتشدد على ضرورة التفاعل الإيجابي مع محاضر مفتشي الشغل ومساعدتهم في أداء مهامهم.
كما تناولت المداخلة دور النيابة العامة في مراقبة ظروف العمل من خلال التنسيق مع مفتشي الشغل وضباط الشرطة القضائية، الذين يمكنهم الانتقال إلى أماكن العمل للتحري عن أية خروق أو جرائم تمس النساء العاملات، موضحا أن النيابة العامة تتلقى المحاضر والشكايات والوشايات، وتباشر الأبحاث بشأنها وفقا لمقتضيات المواد من 40 إلى 49 من قانون المسطرة الجنائية، مشددا على إمكانية تقديم الشكايات من طرف العاملات أو من خلال التبليغ من جهات أخرى، بما فيها المواطنون والسلطات الإدارية.
وخصص عبد الغني مستور جزءا مهما من مداخلته لشرح التدابير الحمائية التي يخولها القانون للنيابة العامة لفائدة النساء العاملات ضحايا الاعتداءات أو الانتهاكات، مثل توفير الحماية الجسدية، عدم الكشف عن الهوية، تغيير مكان الإقامة، تمكين الضحية من رقم هاتف خاص للاتصال بالشرطة، وإخضاع هاتفها للرقابة عند الحاجة، مؤكدا أن هذه التدابير تهدف إلى ضمان أمن الضحية ومنع الجاني من الوصول إليها، لا سيما في حالة تعدد الضحايا.
وفي ختام مداخلته، ذكر النائب الأول لوكيل الملك بتنغير أن التشريع المغربي حدد بوضوح الأعمال التي يمنع إسنادها للنساء، نظرا لخطورتها وتأثيرها على السلامة الجسدية والمعنوية، مثل العمل الليلي، حمل الأجسام الثقيلة، أو استخدام المواد الخطرة، معتبرا أن النيابة العامة تضطلع بدور جوهري في مراقبة مدى احترام هذه المقتضيات، وفي التصدي لأي انتهاك يطال المرأة العاملة، بما يضمن فعلا أنسنة ظروف اشتغالها، عبر التفعيل الحازم للقوانين الجاري بها العمل.
وبهذه المناسبة، سلط يونس شكري، مفتش الشغل بالمديرية الإقليمية لوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، الضوء على موضوع “دور مفتش الشغل في مراقبة أنسنة ظروف اشتغال المرأة العاملة”، مستحضرا مجموعة من القوانين التي تؤطر عمل المفتش والإجراءات المعمول بها التي يتخذها المفتش من أجل القيام بدوره.
يذكر أن هذا الاجتماع، الذي ترأسه وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتنغير بحضور نائبه الأول، حضره أيضا رئيس مفوضية الشرطة بتنغير، وقائد سرية الدرك الملكي، والمديرة الإقليمية لوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات بورزازات، ورئيس الدائرة الأولى للشغل بورزازات، ومفتش الشغل، ومدير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بتنغير، وممثل العمالة، وممثل التعليم، والمندوب الإقليمي للصحة والحماية الاجتماعية، وممثلة التعاون الوطني، وقاضي منازعات الشغل، ورئيس كتابة النيابة العامة.