أخبار عاجلة
جدول ترتيب الدوري المصري بعد مباراة القمة -
عاجل| حدث فجرًا في الزمالك.. اتهامات متبادلة بعد ... -
عاجل.. سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 -
تردد قناة طيور بيبي الجديد على نايل سات وعرب سات -
مواعيد غلق المحلات والتوقيت الشتوي 2025 في مصر -
عاجل: أسطول الصمود العالمي يواصل كسر الحصار -

مصر بين الجغرافيا والتحديات الإقليمية!!

مصر بين الجغرافيا والتحديات الإقليمية!!
مصر بين الجغرافيا والتحديات الإقليمية!!

من يقرأ تاريخ مصر، ويمعن النظر في جغرافيتها، يدرك أنّها لم تكن يومًا مجرد دولة عابرة في خريطة الشرق الأوسط، بل كانت دائمًا قلبًا نابضًا للتاريخ وصانعة لمسارات السياسة والحضارة معًا. فالمكان عبقرية، والزمان عبقرية، والتاريخ شاهد لا يموت. من هنا نفهم لماذا ظلّت مصر دائمًا محورًا للصراع ومحطًّا للأنظار، ولماذا يسعى الجميع إلى استمالتها أو تحييدها أو الضغط عليها، فهي التي إن مالت مال الميزان، وإن اعتدلت اعتدل الإقليم.

في لحظة سياسية فارقة، رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مقابلة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وهو موقف لا يمكن فهمه كحدث بروتوكولي عابر، بل كرسالة سياسية تقول إنّ مصر ليست دولة يمكن أن تُعامل بمنطق التاجر الشعبوي أو السياسي الفوضوي الذي لا يجيد لغة الدبلوماسية. مصر، بتاريخها وموقعها ووزنها، لا يمكن أن تُختصر في مصافحة أو لقاء، فهي صاحبة القرار حين يتعلق الأمر بمصالحها الاستراتيجية.

لكن حين ننظر إلى خريطة المنطقة بتجرد، ونبتعد عن الرغبة في المبالغة أو التجميل، نجد أنّ مصر ليست وحدها في مواجهة التحديات. يجب أن نكون منصفين: كل دول الجوار تقريبًا تعيش أزمات وجودية أو بنيوية. فسوريا، التي كانت ذات يوم دولة محورية في معادلات المشرق، تحولت بعد أكثر من عقد من الحرب إلى دولة منهارة، تتقاسمها القوى الدولية والإقليمية، وتتشظى على وقع صراعات داخلية وانقسامات مدمرة. ولبنان، ذلك البلد الصغير الذي حمل أحلام النهضة والثقافة والإبداع، يعيش اليوم على وقع أزمات مالية خانقة وانقسامات سياسية حادة، تتجسد في جدل مستمر حول دور الدولة وحدود تأثير حزب الله على القرار السيادي.

أما الأردن، الجار الشرقي لمصر وفلسطين، فيكابد ضغوطًا اقتصادية وسياسية متواصلة، بين استضافة ملايين اللاجئين وتحمّل أعباء إقليمية ثقيلة، وبين معادلة دقيقة في علاقاته مع الغرب والخليج وإسرائيل. ومصر نفسها، رغم تاريخها العريق وثقلها، تجد نفسها مكبلة باتفاقيات دولية، على رأسها اتفاقيات السلام التي أُبرمت منذ عقود، فضلًا عن أزمات مالية تضغط على مجتمعها واقتصادها وتضع صانعي القرار أمام معادلة صعبة: كيف تحافظ على الدور الإقليمي والداخلي في آن واحد؟

هذه الصورة تكشف أنّ المنطقة كلها تبدو وكأنها تتحرك فوق رمال متحركة. فلا استقرار في سوريا ولا وضوح في لبنان، ولا انفراج في الأردن، ولا قدرة لمصر على التحرر من أعباء الداخل وهي تخوض معارك متزامنة: معركة الإصلاح الاقتصادي، ومعركة الحفاظ على مكانتها الجيوسياسية، ومعركة إدارة علاقاتها الدولية وسط عالم يتغير بسرعة مذهلة.

ومع ذلك، فإنّ عبقرية مصر تظل قادرة على الظهور في اللحظات الحرجة. فالجغرافيا التي وهبها الله لها لا يمكن تحييدها: فهي ملتقى القارات، وحاضنة الممرات المائية الأكثر أهمية في العالم، من قناة السويس إلى البحر الأحمر والبحر المتوسط. والتاريخ الذي صنعته لا يمكن محوه، فهو حاضر في ذاكرة الشعوب العربية والإفريقية والآسيوية. ومصر التي أنجبت ثورات كبرى وقادة تاريخيين من محمد علي إلى جمال عبد الناصر، تظل قادرة على صياغة أدوار جديدة متى توافرت الإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية.

غير أنّ التحدي الحقيقي لمصر اليوم ليس في موقعها أو تاريخها، بل في قدرتها على التعامل مع شبكة معقدة من الضغوط. فالاتفاقيات الدولية التي كبّلت حركتها لعقود تحتاج إلى إعادة قراءة من زاوية توازن المصالح. والأزمات الاقتصادية تتطلب حلولًا مبتكرة وشجاعة، بعيدًا عن المسكنات. أما الدور الإقليمي، فهو بحاجة إلى استعادة أدوات القوة الناعمة التي طالما ميّزت مصر، من الثقافة والفن والتعليم والإعلام، إلى جانب القوة الصلبة من جيش واقتصاد واستراتيجية دبلوماسية.

لقد علّمتنا التجارب أنّ مصر حين تنهض، تنهض المنطقة معها، وحين تتراجع، يتداعى المحيط كله. فوزنها أكبر من أن يُقاس بالأرقام، إنه وزن معنوي وحضاري وتاريخي، يجعلها لاعبًا لا يمكن تجاوزه حتى في أشد لحظات الضعف. ولهذا، فإنّ رفضها مقابلة رئيس أميركي لا يجيد سوى لغة الصفقات ليس مجرد تفصيل صغير، بل علامة على أنّ مصر تعرف قيمتها وتدرك أنّها أكبر من أن تُعامل بسطحية.

إنّ الإقليم بأسره يعيش اليوم في ظل إعادة تشكيل جذرية، حيث تنسحب قوى وتظهر أخرى، وحيث تتغير التحالفات وتُختبر التوازنات. وفي وسط هذه العاصفة، تحتاج مصر إلى أن تعيد صياغة دورها بما يتناسب مع حجمها ومكانتها. فالمستقبل لن يرحم المترددين، ولن ينتظر من يغرق في تفاصيل أزماته الداخلية دون أن يملك رؤية للخروج منها.

ومهما كانت الضغوط، فإنّ مصر تبقى هي العنصر الحاسم، لأنها ببساطة الدولة التي لا يمكن تجاوزها. وإذا كان الجوار يعيش أزمات خانقة، فإنّ مسؤولية مصر أكبر، لأنها ليست فقط مسؤولة عن شعبها، بل عن ميزان المنطقة بأكملها. وهذه المسؤولية، على ثقلها، هي أيضًا مصدر قوتها الحقيقية.!!

-- محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية.. .،

إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق محمد صلاح يلتقي السير مجدي يعقوب قبل مواجهة بيرنلي في الدوري الإنجليزي
التالى بعد اتهامه حماس بعدم اكتراثهم لشعب غزة.. عائلات المحتجزين لـ نتنياهو: أنت العقبة الوحيدة