في أحدث صدام حقيقي بين السلطتين القضائية والتنفيذية في أمريكا، أصدرت محكمة الاستئناف الاتحادية للدائرة الفيدرالية حكمًا قضائيًا بأغلبية 7 أصوات مقابل 4 فقط، يقضي بأن معظم الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب غير قانونية.
وردًا على حكم المحكمة، أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استيائه الشديد والواضح عبر منصته الاجتماعية "تروث سوشيال"، ولم يتردد في وصف المحكمة بأنها "محكمة استئنافية متحيزة بشدة" و"هيئة جزئية راديكالية يسارية"، محذرًا من أن الحكم إذا بقي ساري المفعول "سيدمر الولايات المتحدة بالكامل، وسيمتد التدمير إلى قوتها العسكرية التي قال إنها "ستُمحى فورًا"، وفقًا لصحيفة واشنطن إجزامينر.
وصدرت هذه التصريحات الحادة في أعقاب صدور الحكم، وأكد ترامب في منشور على "تروث سوشيال" أن "بدون الرسوم، وبكل الأموال التريليونية التي جمعناها بعرق الشعب الأمريكي، ستُدمر بلادنا بالكامل، وقوتنا العسكرية ستُمحى فورًا"، مشيرًا إلى أن إلغاء الرسوم يمثل تهديدًا وجوديًا مباشر للأمة واستقلاليتها.
وكانت صحيفة "ذي تريبيون" قد نقلت تحذير ترامب الصريح من أن غياب الرسوم الجمركية أو التراجع عنها من شأنه أن يؤدي إلى "تدمير الولايات المتحدة بالكامل وقوتها العسكرية فورًا"، بينما أشارت صحيفة ميامي هيرالد إلى تصريحه القاطع بأن "قوتنا العسكرية ستُمحى فورًا" بدون دعم الرسوم كجزء من استراتيجية الدفاع الاقتصادي.
وأكد ترامب أن الرسوم الجمركية لا تزال سارية حاليًا، وأنها ضرورية لجعل أمريكا "غنية وقوية مرة أخرى"، مستندًا إلى تقديرات دقيقة تشير إلى أن الإيرادات من هذه الرسوم بلغت ما بين 142 إلى 159 مليار دولار بحلول يوليو 2025، أي أكثر من ضعف الإيرادات المسجلة في السنة المالية السابقة وفقًا لشبكة بي بي سي نيوز.
كما دعا ترامب بإلحاح إلى استئناف الحكم أمام المحكمة العليا، معبرًا عن ثقته الكبيرة في فوزه النهائي، ومشيرًا إلى أن الرسوم تمثل أداة حاسمة لمواجهة التهديدات الخارجية مثل تهريب المخدرات والمنافسة غير العادلة من الصين والدول الأخرى وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.
تجدر الإشارة إلى أن المحكمة اعتبرت أن استخدام ترامب لقانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA) يمثل تجاوزًا للصلاحيات الممنوحة له من قبل الكونجرس.
وذكرت التايمز أن هذا الحكم، الذي جاء بعد نقاشات طويلة ومكثفة بين القضاة، أكد قرارًا سابقًا صدر من محكمة التجارة الدولية في مايو 2025، وأثر بشكل كبير على الرسوم الجمركية العالمية "التبادلية" التي أعلن عنها ترامب في أبريل 2025، بالإضافة إلى تلك المفروضة على دول مثل الصين وكندا والمكسيك بسبب قضايا مثل تهريب الفنتانيل، وهي مشكلة تتصاعد بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، أبقى الحكم الرسوم سارية المفعول حتى منتصف أكتوبر 2025 للسماح بتقديم استئناف إلى المحكمة العليا الأمريكية، مما يعكس التوتر السياسي والاقتصادي المتزايد حول السياسات التجارية التي تبناها ترامب خلال فترة رئاسته الحالية.
وأوضحت المحكمة في قرارها أن ترامب اعتمد بشكل غير مشروع على صلاحيات طارئة لفرض هذه الرسوم، معتبرة أن السلطة الضريبية تنحصر بشكل أساسي في نطاق اختصاص الكونجرس، وهو ما يمثل ضربة كبيرة ومؤلمة لأجندة ترامب الاقتصادية التي تهدف إلى مواجهة العجز التجاري الهائل وتعزيز الاقتصاد الأمريكي من خلال فرض سياسات حمائية قوية.
وأثار حكم المحكمة جدلًا واسعًا بين الخبراء الاقتصاديين والسياسيين، حيث يرون أن النتيجة قد تؤثر على العلاقات التجارية العالمية لسنوات وربما عقود قادمة.
وفي سياق متصل، أيد مستشارو ترامب مثل بيتر نافارو هذا الرد بحماس، واصفين الحكم بأنه "سلاح حزبي" يُدار من قبل "سياسيين يرتدون رداء أسود"، مما يعكس الاستعداد الكامل لخوض معركة قانونية طويلة الأمد ومعقدة، ويأتي هذا الجدل في ظل سياسة ترامب التجارية الشاملة التي اعتمدت على الرسوم الجمركية كأداة رئيسية لإعادة توازن التجارة العالمية وتعزيز الاقتصاد الداخلي، حيث فرض رسومًا تبادلية تصل إلى 10% على الواردات من دول لا تفرض رسومًا مماثلة على المنتجات الأمريكية، بالإضافة إلى رسوم إضافية بنسبة 25% على الواردات من دول تتهم بتهريب المخدرات مثل الفنتانيل.
ويرى ترامب أن إلغاء هذه الرسوم قد يؤدي إلى دفع تعويضات تصل إلى تريليونات الدولارات، مما يشكل تهديدًا كبيرًا لاستقرار الاقتصاد الأمريكي، بينما يرى الخصوم أن هذه السياسات تمثل تجاوزًا واضحًا للسلطات الرئاسية وتضر بالمستهلكين الأمريكيين من خلال رفع الأسعار وزيادة تكاليف الإنتاج، وأبرزت المحكمة في قرارها أن ترامب لم يلتزم بالإجراءات القانونية المنصوص عليها بشكل دقيق، مما يفتح الباب على مصراعيه لاستئناف محتمل أمام المحكمة العليا ذات الأغلبية المحافظة (6-3)، حيث يأمل ترامب بحماس في قلب الحكم لصالحه واستعادة سيطرته على السياسة التجارية وفقًا للتايمز. كما أكدت التقارير أن هذا الحكم يمثل انتكاسة كبيرة وغير متوقعة في كثير من الأحيان لأجندة ترامب الاقتصادية، لكنه لا يلغي الرسوم فورًا، مما يمنح الإدارة فترة زمنية إضافية للدفاع عن سياستها وتنظيم استراتيجيتها القانونية.
ومن الناحية الاقتصادية والسياسية، يعكس هذا النزاع الانقسام العميق والمتزايد في الولايات المتحدة حول السياسات التجارية، حيث يدافع ترامب بحماس عن الرسوم كوسيلة فعالة لتعزيز الوظائف المحلية، تعزيز الأمن القومي، ومواجهة المنافسة الدولية، بينما يرى النقاد أنها تؤدي إلى حروب تجارية مكلفة وتكاليف إضافية باهظة على الشركات والمستهلكين على حد سواء وفقًا لصحيفة ذي تريبيون.
وفي ردود الفعل، أكد نافارو أن الرسوم ليست دائمة بطبيعتها ويمكن إزالتها عند تحقيق التوازن التجاري المرغوب، لكنه انتقد الرأي الأغلبي في المحكمة كحزبي وغير موضوعي، مما يعزز من موقف ترامب الداعم للسياسة الحالية، كما حذر ترامب بشدة من أن إلغاء الرسوم سيكون "كارثة كاملة للبلاد"، مشيرًا إلى أنها ضرورية لمواجهة التحديات الخارجية المتزايدة، وهو ما يعزز حملته الانتخابية المحتملة في المستقبل ويضيف طبقة إضافية من الضغط السياسي.
ولا يزال المستقبل مشوبًا بالغموض بانتظار قرار المحكمة العليا، التي قد تحسم الجدل المستمر حول حدود السلطات الرئاسية في السياسات الاقتصادية وتؤثر بشكل كبير على التوجه الاقتصادي للولايات المتحدة في السنوات القادمة ومع ذلك، يبدو أن تصريحات ترامب مثل "الولايات المتحدة ستُدمر بالكامل والقوة العسكرية ستُمحى" كانت جزءًا من خطابه السياسي المبالغ فيه للدفاع عن سياسته التجارية، حيث ربط بين استمرار الرسوم والحفاظ على الاقتصاد والأمن القومي، وهي رؤية ينبغي فهمها في سياق استراتيجيته الشاملة وليس كتحليل موضوعي أو علمي منهجي بحت.
