تحت رعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الدكتور أشرف العزازى، نَظمت الإدارة المركزية للشؤون الأدبية والمسابقات، ندوة بعنوان: (مناقشة رواية: "البدوية وعبود") للكاتبة السكندرية جيهان الحلوانى، الحاصلة على منحة تفرغ، وذلك مساء أمس الأربعاء الموافق 24 سبتمبر 2025، وأدار النقاش الناقد والروائى صابر الجنزورى، وشارك فيها: الناقد والأديب السيد جمعة، والناقد والكاتب الصحفى حمدى البصير.
تحدث الناقد صابر الجنزورى موضحًا أننا حين نتناول السيرة الذاتية للكاتبة جيهان الحلوانى، ندرك أننا أمام شخصية استثنائية لا يحدها مجال واحد؛ فكما أبدعت فى الرواية، خلّفت إرثًا معتبرًا من التقارير والكتابات الصحفية التى تناولت مختلف الجوانب والقضايا، حتى غدت نموذجًا للكاتبة المتمكّنة التي نالت ما تستحقه من تقدير واعتراف، غير أن ما يضفى على سيرتها قيمة أعمق هو الجانب الإنسانى والوطنى معًا؛ فهى لم تكن مجرد كاتبة عادية، بل كانت قريبة من الناس، مشغولة بهموم الشباب، تسعى لتوفير فرص عمل لهم، وتبذل جهدًا حقيقيًّا فى مساعدة الأسر البسيطة بما يليق بكرامتهم، بالتعاون مع وزراء وشخصيات عامة، أما فى الجانب الوطنى؛ فقد تجلت شجاعتها فى أصعب اللحظات وأحلكها على الوطن، واختارت بصلابة أن تقول لا، رافضةً أى انصياع لما يضر بمصالح الوطن، ودفعت ثمن موقفها، وفى النهاية أنصفها التاريخ، كما أنصفها فى وقتها رجال أوفياء، أدركوا قيمة موقفها الوطنى.
وفى مختتم حديثه أكد أننا ونحن نناقش روايتها، لا نستطيع أن نقف عند حدود النص الأدبى وحده، بل نقرأ فى شخصية مؤلفته صورة أوسع لا تشتمل فقط على الروائية المبدعة التى أنجزت، بل كذلك الإنسانة التى أعطت.
فيما تحدث الناقد السيد جمعة موضحًا أن رواية "البدوية وعبود" تنتمى إلى إطار الأدب الاجتماعى الرمزى؛ حيث عملت الكاتبة على توظيف قصة حب أو رحلة معاناة لتجسيد أزمات المجتمع، وسلطت الضوء على عدة عوامل مهمة أبرزها صراع الطبقات، وضغوط السلطة، واختلال القيم، والتناقضات الفكرية؛ فقد مثل "عبود" الإنسان البسيط الهامشى الذى يبحث عن معنى لوجوده، فيما ترمز شخصية المرأة "البدوية" إلى الطبيعة البكر والأصالة والنقاء، ومن خلال هذه الرمزيات، يضع النص القارئ أمام ثنائية حادة تتجلى فى صورة القصر مقابل الخيمة، والزيف فى مواجهة الحقيقة، والترف أمام الفقر، والسلطة فى مقابل الحرية، وفى نهاية المطاف، تنحاز الكاتبة إلى الجوهر الإنسانى الأصيل، مؤكدة أن الصراع ليس ماديًا فحسب، بل إنه صراع وجودى وروحى، يتعلّق بالبحث عن الحرية والكرامة فى مواجهة سطوة السلطة وقسوة الواقع المرير.
وفى مختتم حديثه أشار إلى أن الرواية بَدت واعدة فى طرحها الاجتماعى والرمزى، غير أنها لم تمنح بعض شخصياتها الثانوية ما يكفى من العمق لتجسيد المعاناة التى أرادت المؤلفة التعبير عنها؛ فاكتفت بالمرور السريع والتوظيف الجزئى للرموز، كما أن الانتقال بين الواقعية والرمزية جاء أحيانًا بأسلوب مباشر، مما أفقد بعض الفصول توازنها الإيقاعى. ومع ذلك فقد قدمت رواية "البدوية وعبود" تجربة ذات دلالة واضحة، استطاعت أن تعكس جانبًا مهمًا من واقعنا الاجتماعى والطبقى.
ثم تحدث الكاتب الصحفى حمدى البصير موضحًا أنه تعرف على الكاتبة جيهان الحلوانى منذ سنوات طويلة؛ فكان شاهدًا على مسيرتها الصحفية التى تميزت بالكفاح والإصرار، وبرغم تعرضها لأنواع متعددة من الظلم، سواء كان ظلمًا اجتماعيًا أو فكريًا، إلا أنها لم تستسلم أبدًا؛ فعلى العكس كلما وُضعت العراقيل أمامها، ازدادت صلابة وقوة وإصرارًا على المضى قدمًا، وعبر عملها فى الصحافة بمحافظة الإسكندرية، كانت جيهان الحلوانى واحدة من الأصوات المهمة التى تنقل نبض الناس وهمومهم للرأى العام، وبصفة خاصة البسطاء منهم، كما اعتادت على متابعة قضايا المجتمع بوعى شديد، وبلغة صحفية رصينة، وساهمت فى صياغة الكثير من التقارير والمواد الصحفية المهمة، حتى باتت بالنسبة له مرجعًا صحفيًا مهمًا، وأشار إلى أنه من خلال تجربته الصحفية الممتدة، أدرك أهمية ما يُسمى "بالديسك المركزى" فى أى مؤسسة صحفية؛ فهو القلب النابض للعمل، إذ يجمع بين تحرير الأخبار، والمراجعة اللغوية، وضبط الصياغة، والتحقق من المعلومات والأرقام والمصادر؛ فالديسك ليس مجرد مرحلة شكلية، بل هو العقل التحليلى الذى يمنح المادة الصحفية قوتها ومصداقيتها، ويضمن أن تصل للقارئ بصورة صحيحة ومتقنة؛ فقد عايش هذه التجربة عن قرب، خاصة خلال عمله الطويل فى الصحافة الاقتصادية؛ حيث تكون الدقة فى الأرقام والمصادر والتوثيق أمرًا لا يحتمل الخطأ، وفى مختتم حديثه أوضح أنه بالرغم من إعجابه بهذا الجهد المشكور الذى بذلته الكاتبة لإخراج هذا العمل الإبداعى إلى النور، إلا أنه يسجل ملاحظتين نقديتين أساسيتين: أولاهما تباين لغة السرد بين الفصحى والعامية المصرية، وثانيتهما الجرأة المفرطة فى الطرح، حيث لجأت الكاتبة فى بعض المواضع إلى استخدام لغة صادمة ذات طابع جنسى جرئ تارة وكلمات هجائية لاذعة تارة أخرى، وأوضح أنه مع ذلك فإن معرفته العميقة بشخصية الكاتبة، تجعله يرى أن هذه الجرأة ليست عارضًا طارئًا، بل سمة أصيلة لا تنفصل عن أسلوبها الأدبى وشخصيتها الإبداعية.

تحدثت الكاتبة جيهان الحلوانى مؤكدة أنها تعلّمت من التحديات القاسية التى مرت بها وجعلتها أكثر فهمًا للحياة، وعبّرت عن امتنانها لكل من ساندها فى مسيرتها، مشيرة إلى الفضل يعود إلى ما غرسه والداها فيها من قيم، وأنها تسعى لأن تكون فاعلة ومؤثرة فى محيطها، مشيرة إلى أن أن الكتابة كانت وستزال حبها الأول، فهى بوابتها إلى عالم الرواية، التى منحتها القدرة على الصمود والإبداع، وبالرغم من أنها لم تكن حاضرة بكامل طاقتها في كل الفعاليات الأدبية، إلا أنها اليوم صارت أكثر حضورًا وإصرارًا على بذل المزيد من الجهد.
وفى مختتم حديثها أوضحت أن رصيدها الأدبى يضم مجموعات قصصية عدة، منها: (شهرزاد تشتكى، ولغة سرية، وألوان من النساء)، إلا أن سعادتها بميلاد روايتها الأخيرة "البدوية وعبود" مختلفة، وذلك لاعتزازها بأنها صدرت فى إطار منح التفرغ تحت مظلة المجلس الأعلى للثقافة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.